تحدث مواطنون يعملون في صناعة الفحم ببولندا عما جنوه من مكاسب من العمل في المناجم هم وأسرهم، ولكن مع تحول العديد من الدول نحو مصادر الطاقة المتجددة، بدأ القلق يتسرب إلى البعض من اختفاء هذا النشاط التعديني المهم، فماذا لو انتهى تعدين الفحم؟ هذا ما أجاب عليه تقرير نشرته "كريستيان ساينس مونيتور".
هناك نقطة مهمة أيضاً يتساءل عنها الكثير من العاملين في صناعة الفحم، وهي مدى التحول بعيداً عن هذا المصدر الملوث للبيئة وتوقيته في الوقت الذي تحاول العديد من الحكومات حول العالم خفض معدلات التلوث عن طريق الاعتماد على مصادر للطاقة النظيفة.
ومع ذلك، هناك شكوك بشأن كيفية تحول بولندا – التي تعتمد على الفحم بنسبة 80% في توليد الكهرباء – نحو مصادر الطاقة النظيفة دون التأثير على حياة الكثير من الأسر في البلاد التي تقتات من العمل في هذه الصناعة الحيوية.
ولا يعتمد الأمر على بولندا فقط، بل هناك الكثير من الدول حول العالم تكشف عن خطط لتقليل معدلات التلوث والابتعاد عن الفحم في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا وأستراليا، ففي ألمانيا على سبيل المثال، تعتمد الدول صاحبة أكبر اقتصاد في القارة العجوز على الفحم لتأمين ثلث احتياجاتها من الطاقة.
أهو تحول حتمي؟
قال الرئيس البولندي "أندريه دودا" إن فكرة التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون لا يجب أن تكون على حساب العمال وأسرهم مشيراً إلى أن الخيار ليس بين العمال وحياتهم بل يتعلق إما بالاحتفاظ بالاثنين (العمال واقتصاد منخفض الكربون) أو فقدانهما معا.
- بالطبع تعد فكرة التحول بمثابة أداة لدعم سياسة المناخ، ولكن "دودا" تحدث على هامش قمة الأمم المتحدة للمناخ عن أن الفحم سيظل جزءاً رئيسياً من الاقتصاد البولندي.
- يقول محللون إن الحكومة البولندية تربك العامة من خلال إطلاق شعارات التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، ولكن بعض الساسة يريدون تأجيل التحول من خلال إطلاق شعار آخر وهو :المعاناة في الحفاظ على وظائف المناجم".
- أشار المحللون إلى أن التحول نحو الطاقة النظيفة حتمي بالنسبة للعديد من الدول، ولكن لا توجد استعدادات حقيقية لحماية من يعملون في أنشطة تعدين الفحم من مثل هذا السيناريو.
- ذكر أحد مسؤولي اتحاد عمال قطاع التعدين في بولندا أن الحكومة أغلقت أحد المناجم منذ عامين، ولا توجد أي خطط كافية لتيسير تداعيات التحول نحو الاقتصاد منخفض الكربون عن العمال مقارنة بما تفعله دول مثل ألمانيا.
خطوات ضرورية
- أصبح التلوث مثار قلق حقيقي لدى العديد من المواطنين في بولندا التي تضم 33 من بين أشد خمسين مدينة تلوثاً في أوروبا نتيجة اعتمادها على الفحم بشكل كبير، وتتزايد ضغوط الاتحاد الأوروبي على حكومتها للابتعاد عن هذا المصدر الملوث للبيئة.
- هناك مشكلة أمام الحكومة في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون وهي مصير 83 ألف عامل وأسرهم يعملون حاليًا في مناجم الفحم، وبالتالي على المسؤولين التحدث مع هؤلاء ونيل ثقتهم وشرح الموضوع بأكمله لهم، وربما يكون الحل في اتحادات العمال وتوضيح خطط وظيفية مستقبلية لهم لتعويضهم.
- من ناحية أخرى، على شركات الطاقة هي الأخرى إيجاد طرق للحفاظ على عمالتها وتدريبها على وظائف جديدة وتحويلهم نحو الاقتصاد منخفض الكربون وعرض المزيد من الخيارات.
- يمكن للحكومة البولندية أيضاً النظر إلى تجارب دول أخرى من حولها نجحت في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون واحتواء العمالة في قطاع تعدين الفحم في نفس الوقت كي تحذو حذوهم.
- من بين الأمثلة الناجحة الدنمارك التي كانت تعتمد على النفط بشكل مكثف ثم الفحم، لكنها تحولت مؤخراً نحو طاقة الرياح، واستغرق هذا الأمر عدة عقود تمكنت خلالها من توفير وظائف للمتضررين تدريجياً.
نموذج "بتسبيرج"
- في الولايات المتحدة، هناك مدينة "بتسبيرج" التي أصبحت نموذجاً يحتذى به في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون بعد أن كان معتمداً بشكل كامل على الفحم نتيجة أهميته الشديدة لصناعة الصلب – والتي عندما انهارت عام 1979، انهار اقتصاد المدينة.
- لا تزال مصادر الوقود الأحفوري مهمة لاقتصاد المدينة، ولكن في يومنا هذا، يعمل العديد من المواطنين في "بتسبيرج" في أنشطة الطاقة المتجددة بدلاً من الفحم والنفط والغاز الطبيعيين كما أن المسؤولين يعكفون على تطوير مجالات وأنشطة مهنية مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية.
- قال عمدة المدينة "بيدوتو" إن "بتسبيرج" نجحت في التحول نحو الطاقة المتجددة بعيداً عن الفحم خلال ثلاثين عاماً مشيراً إلى أن المدينة أصبحت نموذجاً يحتذى به وتتعلم منه المدن الأخرى.
- شدد "بيدوتو" على أهمية التحول بعيدا عن الفحم من أجل مناخ صحي، ولكن مع مراعاة العمالة في أنشطة تعدين الوقود الأحفوري من أجل نجاح هذا التحول.
- ربما تنجح أي خطة تحول نحو اقتصاد منخفض الكربون من خلال توعية المواطنين أنفسهم بأهمية العيش في بيئة نظيفة، وهو ما حدث بالفعل في العديد من المدن من بينها "بتسبيرج" بأمريكا و"سيليسيا" ببولندا.
- لكن التركيز الأكبر والقلق الأبرز في التحول بعيداً عن الفحم سيكمن في اقتصادية الفكرة وإنقاذ العمالة، وأوضح أحد المحللين أن المشكلة تكمن في دفع تعويض لعمال مناجم الفحم، فلو تم دفع رواتب لهم للعمل في منطقة أخرى، ربما يتحولون إلى نشطاء لحماية البيئة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}