إحدى أكثر الاستراتيجيات المتبعة في عالم الأعمال لمواجهة المنافسين، هي تجريدهم من "ميزتهم التنافسية" وذلك بأحد طريقين رئيسيين، الأول هو امتلاك الشركة لهذه المزايا وتطويرها لتخطي المنافسين، كذلك توفير أو الاستحواذ على المنافس في حالة الشركات الكبيرة.
وقبل بضعة أشهر كشفت شبكة "بلومبرج" عن ضخ "جوجل" مبالغ كبيرة للاستثمار في تكنولوجيا "بلوك تشين" (لم تحددها وإن أمكن تخيل أنها كبيرة بتخصيص 1000 موظف وباحث للعمل عليها، فضلًا عن الأجهزة والتجهيزات اللازمة لذلك).
تحرك متأخر
ولا يعكس هذا توجهًا مستحدثًا للعملاق الإلكتروني الذي يمثل الـ"داتا الضخمة" لمواجهة صعود تكنولوجيا "بلوك تشين" التي تعد المنافس الرئيسي له، بل بدأ الأمر واقعيًا عام 2016 باستثمار "جوجل" عشرات الملايين من الدولارت في شركات ناشئة في مجال "بلوك تشين" أبرزها تطبيق "ريبل" المختص بإجراء عمليات المقاصة بين كبرى البنوك في العالم.
ولا شك أن تطوير "جوجل" لتطبيق مثل هذا كان له أثر قوي، فاستخدام الاسم التجاري لـ"جوجل" مكن "ريبل" من أن يكون الـ15 من أكبر 50 بنكًا في العالم من بين عملائه فور إطلاق خدماته، وازداد الرقم بعد ذلك إلى الثلثين، في ظل خفض التطبيق لتكلفة تلك العمليات إلى الثلثين وإتاحته لإجرائها في ثوان وبسرية كاملة.
والملاحظ أن هذا التحرك من "جوجل" جاء متأخرًا عن منافسيْها الرئيسيين في هذا المجال، "مايكروسوف" و"أمازون" حيث تولد "جوجل" 3 مليارات دولار فقط من خدمات "كلاود" التي تعتبر تطبيقًا رئيسيًا لـ"بلوك تشين" بينما تصل الإيرادات لـ"مايكروسوفت" إلى 10 مليارات دولار، ولـ"أمازون" إلى 27 مليار دولار.
استخدام الذكاء الاصطناعي
وجاء التطور الجديد من جانب "جوجل" من خلال ما كشفت عنه "فوربس" بإقامة الشركة لمشروع ذكاء اصطناعي كبير للغاية في فرعها في سنغافورة (المسؤول عن خدمة جنوب شرق آسيا بالكامل)، من أجل تحليل الوقع بأنماط تكنولوجيا "بلوك تشين".
وعلى سبيل المثال، جرى استخدام تلك الأداة من جانب جوجل لتحليل التداولات على عملة "إيثر" الإلكترونية (وهي الثالثة في القيمة بين العملات الرقمية بإجمالي 11 مليار دولار) خلال عام 2018 الذي شهد خسارة العملة لـ85% من قيمتها الإجمالية.
ووفقًا لـ"جوجل" فإن تحليل تحركات تلك العملات أكد وجود عمليات شراء وبيع مستمرة من جانب بعض الأشخاص من أجل التلاعب بسعر العملة بالزيادة والنقصان حيث يحقق لهم أرباحًا بالبيع في فترات الصعود والشراء في فترات التراجع، بما يشبه السلوك المتبع في سوق الأسهم من قبل الأطراف "التي لديها معلومات أكثر" إلى حد بعيد.
أدوات متنوعة لـ"الاحتواء"
وفي الوقت الذي تسعى فيه "أمازون" و"مايكروسوفت" بوصفهما السباقتين إلى سوق "بلوك تشين" لتوفير تطبيقات كثيرة ومتنوعة في هذا الإطار، تبدو "جوجل" حريصة أكثر على اقتفاء أثر التكنولوجيا والوصول إلى "من يستخدمها ولماذا" فيما يبدو أقرب للمحاربة منه للاستثمار في هذا المجال.
وما يدعم هذا ما تقدمه "جوجل" من نظم بحث "مفتوحة" على تطبيقات "بلوك تشين" بمعنى البحث عن "التمويل" فقط على التطبيق وليس تحديد اسم التطبيق، وذلك خلافًا لتطبيق مثل "بلوك تشين إكسبلورر" والذي يتطلب دقة كبيرة في اسم التطبيق ويتم كتابة 26 حرفا عليه بحد أقصى.
والفارق الجوهري هنا في أنه يحول "بلوك تشين" من تطبيقات مستقلة تتمتع بحالة عالية من اللامركزية، إلى شكل مختلف من أشكال الـ"بيانات الضخمة" التي تزدهر لدى "جوجل" كما تجعل السيطرة عليها من خلال الـ"خوارزميات" ممكنًا.
ويتضح هنا أن خطوات "جوجل" كلها تأتي لإفقاد المنافس "بلوك تشين" لمزاياه، تارة من خلال الاستثمار فيه بشكل مختلف، وأخرى بمحاربته بكشف "نقائصه"، وثالثة بـ"احتوائه" وجعله "يمكن البحث عنه" ليحاول مقاومة تبني "بلوك تشين" من جانب، والإبطاء من صعودها من جانب آخر ويجعل كافة الأبواب مفتوحة في وجه عملاق التكنولوجيا، سواء نمت تكنولوجيا "بلوك تشين" مستقبلًا (كما يحدث حاليًا) أو تراجعت.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}