نبض أرقام
10:35 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/10/02
2024/10/01

محلك سر!.. درس من كرة القدم الإيطالية لعالم البزنس

2019/03/02 أرقام - خاص

انطلقت منافسات الدوري الإيطالي لكرة القدم عام 1898 مع تأسيس الاتحاد الوطني للعبة، وخلال السنوات السبع الأولى بدا أن المنافسة ستكون غائبة عن البطولة، إذ فاز نادي "جَنَوا" باللقب ست مرات وحصل "إيه سي ميلان" على لقب وحيد.

 

 

لكن بعد ذلك، بدأت المنافسة تأخذ منحنى مختلفا، وفاز نادي "يوفنتوس" بلقب عام 1905، ثم حصل على البطولة نادي "إيه سي ميلان" لموسمين متتاليين، وتعاقبت أندية أخرى على الفوز باللقب خلال المواسم التالية قبل أن ينتزعه "جَنَوا" مجددًا في 1915.

 

يعلم عشاق كرة القدم تمام العلم أن أندية "يوفنتوس" و"إيه سي ميلان" و"إنتر ميلان" هي الأندية الكبرى المهيمنة حاليًا وتاريخيًا على المنافسات المحلية، وأفضل من مثّل الكرة الإيطالية على الصعيد القاري والعالمي، لكن الأمر لم يكن كذلك دومًا.

 

كان يبدو أن فوز "جَنَوا" بلقبه السابع عودة لهيمنته على المنافسات الكروية في البلاد، لكن في الحقيقة، استطاع بالكاد في ذلك العام كسر هيمنة منافس شرس هدد مكانته الفريدة في الساحة الرياضية الإيطالية، ألا وهو نادي "برو فيرتشيلي"، وهذا الأمر محور اهتمامنا.

 

بينما غاب "جنوا" عن الألقاب منذ عام 1904 وحتى 1915، استطاع "برو فيرتشيلي" الذي تأسس عام 1892 وهو أقدم أندية إيطاليا الفوز باللقب خمس مرات (منها ثلاث مرات متتالية)، ليصبح النادي الملقب بـ"الأُسود" ثاني أكثر الأندية تتويجًا بالبطولة.

 

كانت ألقاب "برو فيرتشيلي" في الفترة من 1908 إلى 1913، مع العلم أنه خسر بطولة موسم 1910 فقط، ويقال إن الهزيمة جاءت بعد خلاف مع الاتحاد الإيطالي للكرة قرر النادي على إثرها خوض المباراة النهائية بفريق الناشئين كنوع من الاعتراض.

 

 

على أي حال، أصبح هناك خمسة ألقاب في جعبة "برو فيرتشيلي" مقابل سبعة لصالح "جنوا"، ثم توقفت المنافسات خلال الحرب العالمية الأولى، وعادت مجددًا في موسم 1920 الذي فاز فيه نادي "إنتر ميلان"، لكن الأسود انتزعوا اللقب في الموسمين التاليين.

 

وأصبح "برو فيرتشيلي" أول نادٍ يعادل الرقم القياسي للفوز ببطولة الدوري الإيطالي الذي حققه "جنوا"، وبات واحدًا من أقوى وأشهر أندية أوروبا، وطلبت فرق كبرى ملاقاته في مبارايات ودية، حتى أن التشكيلة الأساسية لمنتخب البلاد ضمت 10 من لاعبيه.

 

لكن كطبيعة الحياة، لا شيء يبقى على ما هو عليه، بدأ الانهيار الداخلي للنادي خلال فترة التوقف أثناء الحرب وتفرق بعض لاعبيه، بَيْدَ أن أكثر ما أثر على مسيرة "برو فيرتشيلي" كان ظهور أندية المدن الرئيسية والصناعية الغنية.

 

وما زاد الأمرَ صعوبةً على النادي كان تغير منظومة الكرة في البلاد والارتقاء بالمنافسة إلى مرحلة متقدمة من الاحترافية، فمثلًا، تحولت البطولة من نظام المجموعات (يتأهل الأوائل لملاقاة بعضهم البعض)، إلى نظام الدوري (مجموعة واحدة يفوز متصدرها) بحلول عام 1929.

 

ومنذ ذلك الحين سيطرت مدن مثل تورينو وميلان على كرة القدم في إيطاليا، وبدأ بريق "برو فيرتشيلي" يتلاشى شئيًا فشيئا، ولعب آخر مباراة له في دوري الدرجة الأولى الإيطالي (أعلى مراتب منافسة كرة القدم) في الموسم المنتهي عام 1935.

 

 

وظل النادي في دوري الدرجة الثانية حتى عام 1948 قبل أن يهبط إلى الدرجة الثالثة ومن ثم الرابعة، حتى غادر فئة الأندية المحترفة التي يرعاها الاتحاد الإيطالي، ولعب فترة طويلة بين أندية الهواة قبل صعوده مجددًا لدوري الدرجة الثالثة للمحترفين.

 

هذا الهبوط المدوي تزامن مع إخفاق مالي حاد، وبينما كانت الأندية في المدن الرئيسية قادرة على تنمية واستغلال مواردها لم يستطع "برو فيرتشيلي" ذلك، وفي عام 2006 أفلس النادي وباع علامته التجارية وألقابه لنادٍ منافس في مدينة فيرتشيلي الصغيرة.

 

لا شك أن نادي "برو فيرتشيلي" حظي قديمًا بسمعة طيبة على الصعيد الإيطالي والأوروبي والعالمي، حيث تمت دعوته للعب مباريات وبطولات ودية في البرازيل وإنجلترا، وهزم العديد من كبار أندية القارة العجوز بفضل امتلاكه لنخبة من أفضل اللاعبين.

 

ربما أخفقت إدارة النادي حينما تجاهلت تنمية مواردها المالية في وقت كان يحظى النادي بمكانة مهيمنة بين أندية كرة القدم الأوروبية، وربما أخفق "برو فيرتشيلي" فنيًا عندما لم يستطع مواكبة التغيرات في منظومة اللعبة.

 

لكن الفشل الأكبر الذي أدى إلى اندثار أسطورة "برو فيرتشيلي" كان تجاهل المنافسة والاطمئنان لثبات قواعد اللعب التي تتفوق فيها المدرسة القديمة (نقطة مفصلية)، فهذه القواعد تبدلت بالنهاية وخلقت مناخًا أكثر تنافسية وسريع التغير يفوز فيه المستعدون والمواكبون للتطور وأصحاب القوة المالية.

 

القصة الحزينة لـ"برو فيرتشيلي" تتكرر طوال الوقت، ليس فقط في عالم كرة القدم، بل تطال القوى الكبرى والاقتصادات والصناعات والشركات ورجال الأعمال وحتى الموظفين، فمن يقف "محلك سر" متغافلًا عن التغيرات التي تطرأ من حوله سيفزع من غفلته على كابوس مخيف.

 

 

من منا لم يسمع من مديره عبارة: "إذا لم نواكب التغير في السوق، سنصبح من الماضي"؟، في الواقع هي ليست عبارة للتخويف أو لمجرد التحفيز على إنجاز العمل وتطوير المهارات، لكنها هي حقيقة أقرها التاريخ في مناسبات عديدة.

 

ما حدث مع "نوكيا" ليس ببعيد، حيث كان انهيار أعمالها بالجوال مدفوعًا إلى حد كبير بتغافل الإدارة عن التطورات وتمسكها بمفاهيم قديمة، ما أدى إلى فقدان الشركة حصتها السوقية لصالح "سامسونج" و"آبل" التي كانت قد دخلت عالم الجوال للتو.

 

وعقب المؤتمر الصحفي للإعلان عن استحواذ "مايكروسوفت" على أعمال "نوكيا" للجوال في 2013 مقابل 7.2 مليار دولار، اختتم الرئيس التنفيذي للشركة الفنلندية كلامه قائلًا "لم نفعل أي شيء خطأ، لكننا خسرنا بطريقة ما".. وفي الحقيقة كان ذلك أكبر خطأ اقترفته الإدارة، هو عدم فعل شيء إزاء التغيرات.

 

ولعل ما تشهده تجارة التجزئة حول العالم بشكل عام، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، من تغيرات سريعة ومتلاحقة أفضت إلى اختفاء وتعثر العديد من العلامات التجارية للمتاجر، أحد أبرز الأمثلة للإخفاق على طريقة "برو فيرتشيلي" في مجالات أخرى غير كرة القدم.

 

العلة: غياب الإدارة الرشيدة وتجاهل المنافسين الجدد

 

- في منتصف فبراير الماضي تقدمت شركة "بايليس" للأحذية ووحداتها التابعة في أمريكا الشمالية بطلب للحماية من الإفلاس للمرة الثانية، مشيرة إلى عزمها إغلاق نحو 2500 متجر بنهاية مايو.

 

- الشركة التي تأسست عام 1956 تخطط لبدء عملية تصفية لعملياتها (في أمريكا الشمالية فقط)، سيفقد بمقتضاها 16 ألف عامل لوظائفهم، بعد فشلها في الوفاء بديون قدرها 470 مليون دولار.

 

 

- من جانبه قال مسؤول الهيكلة بالشركة "ستيفن ماروتا": التحديات التي تواجه تجار التجزئة اليوم باتت واضحة للعيان، لكن لسوء الحظ، كنا غير مستعدين للمنافسة في بيئة الأعمال الحالية وتكبدنا الكثير من الديون.

 

- لا يبدو الأمر مختلفًا تمامًا عند النظر إلى تجربة "هنري بندل"، وهي سلسلة متاجر أمريكية للملابس الفاخرة تأسست قبل نحو قرن وربع القرن، لكنها أعلنت في سبتمبر الماضي إغلاق جميع متاجرها في الولايات المتحدة.

 

- جاء قرار الشركة الأم المالكة لـ"هنري بندل" لرغبتها في الحد من الخسائر التي تتكبدها بسبب السلسلة، والتي تعكس الصعوبات المواجهة لمتاجر السلع الفاخرة في ظل التحول المتنامي نحو عمليات البيع عبر الإنترنت والتي يفوز بها الأكثر تركيزًا على الفضاء السيبراني.

 

- خلال الفترة من 2012 إلى 2017 تراجعت مبيعات متاجر المنتجات الفاخرة في أمريكا بنسبة 23%، وفقًا لـ"يورومونيتور" للأبحاث، فيما قالت "فوربس" في تقرير لها العام الماضي: يتزامن إغلاق "هنري بندل" مع استعداد منافسين يبيعون منتجاتهم عبر الإنترنت للاكتتاب العام.

 

- الأمر لم يتوقف عند متاجر الملابس والسلع الفاخرة فقط، فالعلامة التجارية الشهيرة لألعاب الأطفال "تويز آر أص" تقدمت بطلب لحمايتها من الإفلاس وأعلنت عزمها تصفية عملياتها في أمريكا الشمالية بعد تحملها ديونًا بأكثر من مليار دولار.

 

 

- أرجعت التقارير الإعلامية فشل الشركة في إدارة الديون وتعزيز مواردها المالية إلى تزايد الضغوط التنافسية التي تشكلها التجارة الإلكترونية خاصة مع موجود منافس ضخم الحجم مثل "أمازون" يمكنه توفير أي شيء وإيصاله إلى أي مكان بكبسة زر.

 

- على أي حال أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" في أكتوبر الماضي، بتوصل الشركة لاتفاق مع المقرضين يحوزون بموجبه أصول "تويز آر أص" والعلامات التابعة لها، على أن يتولوا هم جهود إعادة الهيكلة والإدارة.

 

- في أوائل فبراير من العام الجاري، كشف تقرير لشركة الأبحاث "كورسايت" عن أن عدد متاجر التجزئة التي أعلنت عزمها إغلاق عملياتها في الولايات المتحدة منذ بداية 2019 تجاوز ألفي متجر، مشيرة إلى الإعلان عن إغلاق 5500 متجر في 2018 بأكملها.

 

- بحسب "سي إن بي سي" فإن الولايات المتحدة بها وفرة من المتاجر مقارنة بدول أخرى، لكن المزيد والمزيد من عمليات الشراء تتوجه نحو الإنترنت الآن، وهو ما يجعل مفهوم المتجر المادي غير مُجدٍ وأحيانًا يشكل عبئاً.

 

القفز على موجة التغيير

 

- في المقابل تستطيع شركة مثل "أمازون" مواصلة المنافسة بقوة في بيئة العمل ذاتها وتوسيع نطاق أعمالها بعدما بدأت كمتجر لبيع الكتب ليشمل الآن منتجات إلكترونية وصيدلانية وغذائية وغيرها، ما دفع قيمتها لتجاوز التريليون دولار عند مرحلة ما.

 

 

- لم تكن "أمازون" الوحيدة في هذا المجال، فهناك "علي بابا"، وغيرها من الشركات التي نجحت نجاحًا ساحقًا بفضل تغير قواعد اللعب في السوق وتحول التركيز إلى الإنترنت، ومنها حتى ما تأسس على يد طفل أو ربة منزل.

 

- شركة مثل "وول مارت"، والتي تعد أكبر سلسلة لمتاجر التجزئة في العالم، ينظر لها على نطاق واسع باعتبارها الهدف الأول لشركة "أمازون" وأكبر المتضررين من ثورة التجارة الإلكترونية.

 

- لكن يبدو أن "وول مارت" تعي تجربة "برو فيرتشيلي" جيدًا، حيث لم تهمل الشركة أعمال البيع الإلكتروني، وقالت في التاسع عشر من فبراير إن مبيعاتها الفصلية نمت بنسبة 43% بفضل انتعاش عملياتها عبر الإنترنت.

 

- أحد الأمثلة الناجحة الأخرى التي التفتت مبكرًا للتغير في سوق التجزئة، هي "جيه دي دوت كوم" الصينية، ففي أثناء تفشي فيروس "سارس" في البلاد، عانت متاجر الإلكترونيات المملوكة لمؤسس الشركة "ريتشارد ليو" من ضعف حركة البيع والشراء.

 

 

- اضطُر "ليو" آنذاك إلى منح العاملين إجازة طويلة وأغلق متاجره، لأن الجميع كان يخشى الخروج إلى الشارع، وبالتزامن مع ذلك، عكف مع المديرين على إيجاد حل، إلى أن قرر تأسيس موقع إلكتروني يطلب من خلاله المستهلك السلع دون حاجته إلى الخروج.

 

- الآن، تعد "جيه دي" واحدة من أكبر شركات التجزئة الإلكترونية في العالم، وهي المنافس الأول لـ"علي بابا" في الصين، ورغم أن الحاجة الملحة هي ما دفعت "ليو" لتأسيسها، فهي في النهاية كانت تجسيدًا للقفز على موجة التغيرات السوقية.

 

- تبقى الإشارة إلى أن سُنة الحياة هي التبدل والتطور، أو كما قال الشاعر "وهذه الدار لا تُبقي على أحد.. ولا يدوم على حالٍ لها شان"، ما يستدعي اليقظة والإقرار بالتغير وقتما وأينما أتى والعزم على مجاراته لتلافي هزيمة قاسية في حرب المنافسة الشرسة التي لا ترحم الضعفاء ومن يتخلفون عن الركب.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.