يقدم أحد المطاعم الشهيرة ساندوتش اسمه "دابل كوارتر باوندر" في مختلف فروعه حول العالم، ويصل ثمنه في الولايات المتحدة إلى 4.8 دولار، بينما يبلغ سعر نفس الساندوتش 15 ريالاً في السعودية، و58 جنيهًا مصريًا في أرض الكنانة.
أي إن سعر نفس السلعة في الولايات المتحدة يبلغ نحو 18 ريال (بزيادة 20% عن سعرها في المملكة) بينما سعرها في واشنطن 84 جنيهًا مصريًا، (بزيادة 44% عن سعرها في القاهرة) بما يعكس اختلافًا كبيرًا في سعر نفس السلعة والتي يقدمها نفس المورد، وهو ما يدعو للتساؤل عن أسباب اختلاف سعر السلعة نفسها في أكثر من دولة.
اختلاف جذري
ورصد موقع "برايس رانر" اختلاف سعر شراء مجموعة من السلع حول العالم، وتضمنت تلك المجموعة فيلم "ثور" وكاميرا "كانون" وأحد جوالات سامسونج و"تاب" للشركة نفسها وجهاز "بلاي ستيشن" حول عدد من المدن في العالم.
في طوكيو بلغ سعر مجموعة السلع تلك 1757 دولاراً، أما في "نيويورك" 1969 دولاراً، وفي دبي 2012 دولاراً، وفي "فيينا" 2441 دولاراً، وفي "كوبهانجن" 2450 دولاراً، وفي "كيب تاون" (عاصمة جنوب إفريقيا) 2550 دولاراً، وفي أيسلندا 2965 دولاراً، و3387 دولاراً في "ساو باولو" في البرازيل.
ولعل السبب الأول -الذي تشير إليه دراسة لكلية "هارفارد" لإدارة الأعمال- هو التباين الكبير في الأجور بين مدينة وأخرى وليس حتى بين مختلف الدول حول العالم، فعلى سبيل المثال تحصل "المربية" على نحو 200 ألف دولار سنوياً في مدينة مثل نيويورك بينما لا يتعدى دخلها 30-40 ألف دولار في بقية المدن الصغيرة بالولايات المتحدة.
وتضرب الدراسة مثلًا بتلك المهنة لإنها لا تحتاج في أغلب الأحيان إلا إلى بقاء السيدة مع الأطفال لفترة محددة من الوقت لرقابتهم وليس أكثر من ذلك، وبناء على ذلك تكون الأسعار في نيويورك أعلى من غيرها، بسبب معرفة مقدمي تلك الخدمة هناك "أن بمقدور السكان أن يدفعوا أكثر"، وليس لتميزهم بأي شكل من الأشكال.
وبناء على ذلك فإن قاطني حي "مانهاتن" في "نيويورك" يدفعون في أطعمتهم مبالغ أكبر مما يدفعوه قاطنو الأحياء الأفقر بنحو 10-20%، بسبب اعتبار الحي بين الأغنى في المدينة الكبيرة التي تعد بالفعل من بين أكثر المدن تكلفة لقاطنيها.
سلع ثقيلة ورخيصة
وتأتي الجمارك والضرائب كأهم العوامل أيضًا، فمدينة مثل "سان فرانسيسكو" تفرض ضرائب مبيعات لا تتعدى 8%، وتستثني المواد الغذائية من تلك الضريبة، أما في "لندن" فتبلغ الضريبة على المبيعات 20% بما يعكس ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار في عاصمة الضباب.
وتأتي المواد "الثقيلة الرخيصة" لتشكل عاملًا هامًا في المواد الغذائية بالذات، ففي الولايات المتحدة، ووفقًا لدراسة "هارفارد" قد تزيد أسعار السلع الغذائية في أماكن الاستهلاك المدنية 50% عنها في المناطق الريفية أو القريبة منها، بسبب تكلفة النقل الكبيرة التي تشكل عاملًا محددًا هامًا في هذا الصدد.
ولعل هذا هو السبب وراء اندفاع مئات الآلاف من الألمان أسبوعيًا إلى النمسا المجاورة، حيث يقضون أجازاتهم الأسبوعية بمبالغ تقل عما يدفعونه في بلادهم، فضلًا على شرائهم للمنتجات الزراعية ومنتجات الألبان بأسعار أقل أيضًا (في ظل حرية التنقل بين دول الاتحاد الأوروبي).
وفي بعض الحالات تكون قيمة السلعة منخفضة للغاية، مثل ملح الطعام، الذي يمكن الحصول على 5 كيلوجرامات منه في أماكن إنتاجه بنفس سعر شراء كيلو واحد فقط معلب من على أرفف المتاجر، بسبب تدني تكلفة إنتاجه بما يجعل تكلفة النقل والتعبئة والتخزين هي الكلفة الرئيسية.
الإقبال والدعم
وتشير دراسة لـ"المكتب القومي للدراسات الاقتصادية" في الولايات المتحدة إلى أن امتناع بعض الشعوب عن الاشتغال بمهن معينة يزيد من تكلفتها كثيرًا، فالحصول على سبيل المثال على خدمات بعض المهن مثل ميكانيكي السيارات أو السباك أو النجار في النرويج يبلغ 3-4 أضعاف سعره في الولايات المتحدة بسبب محدودية العرض من ممارسي هذه المهن في البلد الإسكندنافي.
وتضيف الدراسة أن من بين الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار الخدمات في بعض الدول حجم الطلب عليها، ففي المملكة المتحدة تعد الشيكولاتة من بين السلع الاستراتيجية في تعريف الحكومة البريطانية (تلك السلع التي يشتريها نسبة كبيرة من السكان يوميًا) بما يؤدي لارتفاع سعرها عن نظيرها في الولايات المتحدة.
ويأتي الدعم الحكومي بالطبع ليشكل عاملًا هامًا في إيجاد اختلاف بين أسعار بعض السلع حول العالم، مثل الوقود أو الخبز أو الكهرباء، ففي الولايات المتحدة يبلغ سعر رغيف العيش 1.5-4 دولارات، بينما لا يتعدى في بعض البلدان التي تدعم الخبر سنتا واحدا.
ويؤدي "سوء التخطيط الحكومي" وفقًا لدراسة "المكتب القومي للدراسات الاقتصادية" في الولايات المتحدة إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار بعض السلع في دول بعينها دون غيرها، ومن ذلك ظهور سوق سوداء مؤخرًا في فنزويلا رفعت سعر السكر لأربعة أضعاف سعره العالمي بسبب محدودية المعروض منه في الدولة اللاتينية التي تعاني اضطرابا اقتصاديا واضحا.
الإيجارات والسوق السوداء
العديد من الدول تشهد ظهور ما يعرف بالسوق الموازية، أو السوداء، في حالة تحديد أسعار سلعة ما من قبل الحكومة، ويكون للسلعة سعران، الأول يقل عن المتوسط العالمي، والآخر يزيد عليه كثيرًا في غالبية الأحيان، وكثيرًا ما يكون حجم السوق الموازية أكبر من نظيرتها الرسمية، ويجعل متوسط سعر السلعة أعلى من غيره من الدول.
ويضغط ارتفاع تكلفة الإيجارات بسبب محدودية المعروض من المساكن والمكاتب لتشكل عاملًا هامًا أيضًا، فالمدن الأغلى في العالم، مثل سنغافورة وطوكيو ونيويورك وغيرها يعانون من ارتفاع كبير في تكلفة الإيجارات بسبب الطلب الكبير وعجز العرض عن تلبية هذا الطلب بشكل كامل.
ويؤدي هذا الارتفاع في العائدات "الريعية" للعقارات إلى تحميل الاقتصاد بضغوط كبيرة، فالعاملون لا يقبلون إلا بأجور مرتفعة تناهز قيمة ما يدفعونه في الإيجارات فضلًا على ما تنفقه الشركات على مقارها ومستودعات التخزين الخاصة بها.
وهناك عامل هام للغاية يتعلق بدرجة المنافسة في الأسواق أيضًا، فعلى سبيل المثال فإن سوق مواد البقالة في الولايات المتحدة، والتي تشهد منافسة ضارية، تحقق أرباحاً بـ3% في المتوسط للسلاسل الكبيرة، بما يجعل أسعارها أقل من نظيرتها في ألمانيا على سبيل المثال، حيث تحقق نفس السلاسل أرباحاً تصل إلى 8%.
دورة رأس المال
وتشير دراسة "هارفرد" إلى عامل هام يتعلق بـ"دورة رأس المال" في تحديد السعر، فكلما زاد حجم المبيعات، تمكنت الشركات والمؤسسات من إعادة استخدام السيولة المالية لشراء المزيد من البضائع، بما يمكنها من وضع هامش ربح صغير اعتمادًا على نظرية "البيع الكبير" أو "البيع السريع".
وفي المقابل، فإن عدم وجود طلب كبير أو رواج في السوق يؤدي إلى اضطرار الشركات إلى وضع هامش ربح كبير لتغطية نفقاتها، ولا سيما الثابتة، ويؤدي إلى رفع الأسعار بطريقة لافتة، خاصة مع غياب رقابة حكومية على الأسعار.
ولعل هذا أيضًا هو السبب في ارتفاع أسعار السيارات في دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، حتى تصل إلى ضعف مثيلها في الولايات المتحدة، بسبب ضعف سوق السيارات بشكل عام، ووجود سوق واسع للسيارات المستعملة يشكل تقويضًا لسوق السيارات الجديدة ويجعل دورة رأس المال هناك بطيئة ويدفع الوكلاء لزيادة أرباحهم.
واللافت أن هذا التذبذب لا يظهر في سلع القيمة، وعلى رأسها الذهب، إذ تحفظ الأسواق العالمية قميته ثابتةً في مختلف أنحاء العالم بغض النظر عن عامل المكان، غير إنه قد يظهر في سلع أخرى لها أسواق عالمية مثل الصلب والمنتجات الزراعية بسبب ما ذكرناه آنفًا حول تكلفة النقل مقارنة بقيمة السلعة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}