نبض أرقام
10:09 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/03
2024/11/02

من أفقَرَ إفريقيا؟.. أوروبا؟!

2019/03/03 أرقام - خاص

في عام 2016 أشارت تقديرات المنظمة الأمريكية "وورلد هانجر إديوكشن سرفيس" المعنية بالتصدي للفقر والجوع، إلى انعدام تام للأمن الغذائي لأكثر من ربع سكان قارة إفريقيا (قرابة 330 مليون نسمة)، وهو ما يعادل نحو أربعة أضعاف النسبة المسجلة في آسيا التي جاءت في المرتبة الثانية بـ7% من تعداد السكان.

 

وقالت المنظمة في تقريرها الذي استند إلى بيانات من منظمات دولية عالمية مثل اليونيسيف ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية، إن هناك قلقاً من انعدام الأمن الغذائي عند المزيد من سكان القارة السمراء، خاصة في منطقة الصحراء الكبرى، وهو ما حذرت منه تقارير أخرى في ظل تزايد معدل المواليد بشكل ملحوظ.
 

 

في الوقت ذاته أشارت المنظمة غير الهادفة للربح في تقريرها إلى أن إجمالي عدد من يفتقرون للأمن الغذائي في العالم يبلغ 688 مليون شخص بنسبة 9.3% من التعداد السكاني العالمي، فيما بلغت المعدلات في أمريكا اللاتينية 6.4% و1.2% في أمريكا الشمالية وأوروبا معاً.

 

ووفقاً لبيانات البنك الدولي الصادرة العام الماضي، تبين أن إفريقيا هي القارة الأكثر فقراً، وسجلت الأغلبية العظمى من بلدانها معدلات فقر مدقع (العيش على 1.90 دولار أو أقل يومياً) تتجاوز 5% من التعداد السكاني، وتجاوزت 25% في كثير من دولها، ويمكن مطالعة تقرير البنك من هنا.

 

أسباب جينية
 

- في تقرير لـ"واشنطن بوست"، تساءلت الصحيفة الأمريكية عن أسباب فقر القارة السمراء وثراء جارتها الأوروبية، وأجابت على نفسها في التقرير ذاته، مستشهدة بورقة بحثية نشرها أستاذا الاقتصاد "كامرول أشرف" و"أوديد غالور".
 

- تقول الورقة إن أكثر دول العالم تنوعاً من الناحية الوراثية هي منطقة الصحراء الكبرى في إفريقيا، والتي تعد أيضاً أفقر منطقة في العالم، أما البلدان الأقل تنوعاً مثل بوليفيا، فرغم انخفاض الدخل بها، إلا أنه ليس بنفس الدرجة المسجلة في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.
 

- في الوقت ذاته، أظهرت أبحاث الخبراء أن مستوى التنوع الوراثي للبشر في البلدان متوسطة الدخل والغنية في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية كان متوسطًا، وادعى أستاذا الاقتصاد أن المستوى المعتدل من التنوع أمر جيد للإنتاجية، في حين يقيض التنوع المرتفع التعاون والكفاءة في الاقتصاد.
 

 

- كتب "أشرف" و"غالور" في ورقتهما، أن الدرجة العالية من التنوع بين سكان إفريقيا والمنخفضة للغاية بين السكان الأصليين لأمريكا أضرا كثيرًا بتنمية هذه المناطق، لكن هذا الاستعراض لم يلق استحسان الكثيرين وتعرض لنقد لاذع وتم التشكيك في القدرة على إثباته.
 

- على أية حال الحقيقة المثبتة الآن هي أن إفريقيا تعاني مرارة الفقر أكثر من غيرها (خاصة أوروبا)، وعلى سبيل المقارنة، فإن دولة مثل بلجيكا بلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 466 مليار دولار في 2016، مقابل 35 مليار دولار لدولة الكونغو، رغم أن التعداد السكاني للأخيرة يزيد بنحو 68 مليون نسمة، وفقًا لموقع "ميديم".

 

الدخيل الأوروبي
 

- في تقرير آخر لـ "الجارديان"، تعرضت الصحيفة البريطانية إلى سؤال قالت إنه كثيرًا ما يبحث متصفحو "جوجل" عن إجابة له، وهو "لماذا تعاني أغنى قارة في العالم من حيث الموارد الطبيعية، من ارتفاع شديد في الفقر والجوع"؟
 

- تقول الصحيفة في تقريرها إن الإجابة على هذا السؤال يستدعي العودة بالتاريخ مئات السنوات، حينما وطئت أقدام البرتغاليين الأراضي السمراء في القرن الخامس عشر الميلادي، وكانت أول دولة أوروبية تستعبد الأفارقة لزارعة وإنتاج المواد الغذائية قبالة السواحل الغربية للقارة.
 

 

- منذ ذلك الحين وحتى نهاية عمليات السخرة في أواخر القرن التاسع عشر، سيطرت الأعمال التجارية غير الإنسانية والتي قامت على الاستعباد وانتهاك حقوق الأفارقة على النشاط الاقتصادي الذي تم من خلاله تمويل جهود العولمة الأوروبية المبكرة.
 

- تم إجبار نحو 11 مليون شخص على العمل بالسخرة في النظام العالمي الجديد بحسب التقرير، إضافة إلى من تم استعبادهم وبيعهم خارج القارة السمراء، ووفقًا لأستاذ الاقتصاد "ناثان نون"، فإن البلدان الإفريقية الأكثر فقرًا اليوم هي تلك التي تم استرقاق سكانها بشكل أكبر.
 

- تم ذلك في الأصل عبر تأجيج الصراعات العرقية والانقسامات، ووفقًا لـ"نون" فإن الأوروبيين زودوا السكان المحليين بالأسلحة ليكون الاقتتال فيما بينهم أكثر فاعلية، وفي النهاية كان المنتصر يأسر بني جنسه من الخصوم الأفارقة ويسلمهم للأوروبيين مقابل مزيد من الأسلحة، وهو ما ولد حلقة مفرغة من انعدام الأمن.
 

 

- في عام 2002، كتب وزير الخارجية البريطاني السابق "بوريس جونسون"، وكان آنذاك عضوًا في البرلمان عن التاريخ الاستعماري لبلاده في إفريقيا قائلًا: قد تكون القارة تعاني لكنها ليست وصمة عار على جبيننا، لم نعد مسؤولين بعد الآن.
 

- مؤخرًا اتهم نائب رئيس الحكومة الإيطالية "لويجي دي مايو" فرنسا بالتسبب في تفاقم أزمة المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الأوروبية (وهو أمر عادة ما يتم عبر سواحل البحر الأبيض المتوسط) معللًا ذلك بأنها أفقرت القارة السمراء عبر استعمارها عشرات الدول الإفريقية، وهي تصريحات أثارت غضب باريس بطبيعة الحال.

 

نهضة أوروبية على حساب إفريقيا
 

- يقول أستاذ التاريخ بكلية هانتر، جامعة نيويورك، "اهييدو ايوريبور" في مقال نشره الموقع الرسمي لمكتبة نيويورك العامة، إن الثلاثين عامًا الأخيرة من القرن التاسع عشر، تعرضت إفريقيا خلالها لعدوان إمبريالي أوروبي، وضغوط دبلوماسية، وهجمات عسكرية، انتهت إلى غزو واستعمار في نهاية المطاف.
 

- رغم المحاولات المختلفة للمجتمعات الإفريقية لمقاومة العدوان الأوروبي ورفض الهيمنة الأجنبية، تمكن المستعمرون البيض في أوائل القرن العشرين من احتلال بلدان إفريقيا، وعلل "ايوريبور" دوافع الاستعمار بثلاثة عوامل؛ اقتصادية وسياسية واجتماعية، وقال إن ذلك جاء كتطور لانهيار تجارة الرقيق فضلًا عن توسع الثورة الصناعية الرأسمالية الأوروبية.
 

 

- نظرًا لمتطلبات التصنيع، بما في ذلك المصادر المضمونة للمواد الخام والبحث عن أسواق ومنافذ استثمار مربحة، تدافعت القوى الأوروبية إلى غزو إفريقيا وتقاسمها في نهاية المطاف، ولعل ذلك يعني أن الاقتصاد كان المحرك الرئيسي للأطماع الأوروبية.
 

- في كتابه "كيف تسببت أوروبا في تخلف إفريقيا" الصادر عام 1972، يقول المؤرخ والناشط السياسي الغياني "والتر رودني": كان الاقتصاد هو الدافع الأساسي الذي جعل أوروبا تتخذ قرار الاستثمار في إفريقيا والسيطرة على المواد الخام، أما العنصرية فهي ما جعلت هذه السيطرة تتخذ شكل الحكم الاستعماري المباشر.
 

- يضيف "رودني": بطريقة ما، فإن التخلف يمثل ظاهرة متناقضة، فالعديد من أجزاء العالم الغنية بطبيعتها تعاني من الفقر، بينما الأماكن التي لا تتوافر فيها الموارد والثروة بشكل كبير تتمتع بأعلى مستويات المعيشة.
 

- يجيب الكتاب عن سؤال من/ ما السبب وراء التخلف الإفريقي في نقطتين، الأولى هي النظام الإمبريالي الذي عمل على تجفيف منابع الثروة في القارة وجعلها مستحيلة التطوير بشكل سريع، وثانيًا من وصفهم بالمتلاعبين بالأنظمة والعملاء والشركاء غير الجديرين بالثقة.
 

 

- عن أوجه الاستغلال في العصر الحديث، يضيف "رودني" أيضًا أن الرأسماليين في أوروبا الغربية الذين استنزفوا ثروات إفريقيا تم استبدالهم في كثير من الأوقات أو مشاركتهم من قبل رأسماليين آخرين من الولايات المتحدة، ولسنوات عديدة استفاد هؤلاء من تخلف القارة السمراء ومواردها.
 

- ينتهي "رودني" في كتابه إلى أن مزيجًا من القوة السياسية والاستغلال الاقتصادي لإفريقيا من قبل الأوروبيين أدى إلى سوء حالة التنمية السياسية والاقتصادية في القارة السمراء أواخر القرن العشرين، ومع ذلك فهو لا يخلي ساحة الأفارقة من التقصير المؤدي إلى تدهور الأوضاع.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.