نبض أرقام
03:27 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

هل تبدو الرأسمالية حقاً كـ"بيت انهارت دعائمه"؟

2019/03/16 أرقام - خاص

"للمرة الأولى في حياتي أسمع العديد من الناس يتساءلون: هل يجب أن يكون هناك مليارديرات حول العالم؟ وهل ثروتهم مبررة في غالبية الأحيان؟" هكذا صرح "بيل جيتس" لـ"فوربس" معربًا عن انزعاجه بسبب ما وصفه بتنامي عدم قبول وجود فئات فاحشة الثروة بين الطبقات الأقل دخلًا.

 

ويعتبر "جيتس" أن هناك "ردة" في الاقتناع بالنظام الرأسمالي في الولايات المتحدة بما يشابه ما حدث في فترة الثلاثينيات والسيتينيات من القرن الماضي.

 

 

تراجع في التأييد الشعبي

 

وتتفق تخوفات "جيتس" مع ما كشف عنه استطلاع في نهاية 2018 لمركز "جالوب" لدراسات الرأي من أن 56% من الأمريكيين لديهم "رأي إيجابي" تجاه الرأسمالية، بينما أعرب 36% من المستطلعة آراؤهم عن تأييد نسبي للاشتراكية، في زيادة حادة عن تأييد الأمريكيين للاشتراكية عام 2012 حين كان يبلغ 20% فحسب.

 

وتزداد أهمية تنامي تأييد بعض الأمريكيين لنظم اقتصادية بديلة للرأسمالية مع إشارة الاستطلاع إلى أن 51% في الفئة بين 19-28 عامًا كان لهم رأي إيجابي في الاشتراكية، بينما لم تتعد النسبة نفسها 45% في حالة الرأسمالية، بينما عرَّف 19% فقط منهم أنفسهم على أنهم "رأسماليون"، بما يؤشر لتزايد النسبة الرافضة للرأسمالية بين الفئات الأصغر سنًا.

 

ويمكن القول إن "الشركات العملاقة" أصبحت تشكل أحد أهم أسباب القلق من الرأسمالية، وتحديدًا بسبب ما تحدثه من تراجع كبير في عنصر المنافسة الذي يشكل إحدى أهم الركائز التي تقوم عليها الرأسمالية، وبوصفه الضمان الرئيسي لاستقرار النظام الرأسمالي وبقائه مستقرًا دون احتكارات تقوض أركانه.

 

وتأتي "أمازون" في صدارة تلك الشركات العملاقة التي تثير القلق، ففي الولايات المتحدة بدأت دعاوى بالتصدي لهيمنة الشركة على التجارة الإلكترونية التي تسيطر على 50% منها في أمريكا.

 

الاحتكارات تنمو

 

وعلى الرغم من تأكيدات مؤيدي الرأسمالية أن الشركة تسيطر على 3% فحسب من إجمالي تجارة مواد البقالة وحدها، وأن التجارة المباشرة ما تزال تمثل 90% من التجارة في هذا المجال، وأكثر من ثلثي التجارة بشكل عام، إلا أن نسبة التجارة الإلكترونية تتنامى باستمرار.

 

 

ففي 2016 كانت "أمازون" تسيطر على 45% من التجارة الإلكترونية، وفي 2017 بلغت النصف، وفي هذا العام يتوقع امتداد سيطرتها إلى 65% من السوق، في الوقت الذي تنمو فيه التجارة الإلكترونية بأربعة أضعاف معدل نمو التجارة التقليدية بما يؤشر لهيمنة متصاعدة من جانب العملاق الإلكتروني.

 

وهناك مجالات تخضع لهيمنة كاملة وتامة، وخاصة في مجال التكنولوجيا، مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي تهيمن عليها "فيسبوك" و"تويتر" و"واتس آب" و"إنستجرام" وهي وسائل التواصل الاجتماعي الأربع الأولى في العالم، وتشكل مجتمعة نحو 96% من السوق رغم وجود تطبيقات أخرى على الجوال تنافس بدرجة ما.

 

أما "جوجل" فتهيمن على 90.2% من سوق البحث على شبكة الإنترنت (أكتوبر 2018) ويلاحظ أن هذه النسبة ظلت تتزايد خلال العقد الأخير بالكامل في مواجهة "بينج" وياهو" وغيرهما من المنافسين الأقل قوة، حيث لم تتعد النسبة الثلثين قبل عقد من الزمان لتشبه احتكاراً كاملاً يتنامى يوميًا في الوقت الحالي.

 

احتكار مختلف

 

والشاهد أن المجالات التكنولوجيا تشكل سلاحاً ذا حدين، فهي تسمح بظهور أصحاب الثروات السريعة وتشكل مجالًا واسعًا للاستثمار المستقبلي، ولكن في كثير من الحالات يغلق أصحاب الثروات الجدد الطريق أمام غيرهم من أجل تحقيق نفس الصعود الصاروخي في الثروات بتشكيل احتكارات واسعة تقوض جهود المنظمين الصغار من أجل الصعود إلى السطح.

 

واللافت مثلا أن هناك معاناة متفاقمة من شكل مناقض لشكل الاحتكار التقليدي في النظام الرأسمالي أيضًا، وهي احتكار مستهلك واحد للسوق، ومنها شكوى في الولايات المتحدة على سبيل المثال من تعرضهم للغبن في الأسعار التي تعطيها لهم هيئة التأمين الصحي الأمريكية التي تعتبر بمثابة العميل الأهم في الولايات المتحدة، بحصولها على 70% من السوق بما يجبر الأطباء على الامتثال لأسعارها التي يرونها ظالمة.

 

وقد يصل سعر نفس الجراحة أو الكشف الطبي لدى نفس الطبيب إلى 10 أمثال السعر الذي تحصل عليه هيئة التأمين الصحي الأمريكية عندما يكون مواطن طبيعي هو من يحصل على الخدمة الصحية بشكل مباشر، بما يؤشر لاختلاف كبير في الأسعار بالفعل بسبب احتكار المشتري وليس البائع.

 

وترى مجلة "فوربس" أن السبب الرئيس وراء عودة ما تصفه بـ"العداوة الشعبية" للرأسمالية في الولايات المتحدة، هو نمو ثروات الكثيرين بشكل سريع للغاية يفوق تصورات المواطنين العاديين، حيث إن قائمة المجلة لأغنى 400 رجل في العالم كشفت أن 67% منهم عصاميون، و11% من المهاجرين، والباقين من وارثي الثروات.

 

 

وعلى الرغم من أن هذا قد يعطي انطباعا بقدر ما من العدالة، وإمكانية تحقيق حلم الثراء لأيٍّ يكن، إلا أن هذا لم ينعكس إلا في كراهية 84% من الأمريكيين للمتعاملين في "وول ستريت"، كما تبين إحصائية لـ"جالوب"، بينما يدعم 94% من الأمريكيين الشركات الصغيرة ومديريها، بما يعكس "نقمة" على الطبقة الأثرى تحديدًا، وليس رفضا كاملا لشكل النظام الاقتصادي في بعض الحالات.

 

فجوات تنمو

 

ويكشف كتاب "خرافة الرأسمالية: ظهور الاحتكارات وموت المنافسة" للكاتب "جوناثان تيبر" أن لظاهرة الاحتكارات تأثيرات سلبية عميقة على توزيع الدخل، حيث إن أغني 1% من الأمريكيين كانوا يسيطرون على 11% من الدخل في الولايات المتحدة عام 1980، غير أن نسبتهم من الدخل تنامت لتصبح 21% بحلول عام 2015.

 

وعلى الجانب المقابل فإن أفقر 50% من الأمريكيين كانوا يحصلون على 20% من الدخل عام 1980 وانخفض نصيبهم إلى 12% فقط بحلول عام 2015، بينما تشير الإحصاءات إلى اتخاذ منحنى مداخيل الأغنياء خطا تصاعديا الفترة المقبلة، ومنحنى الفقراء خطا تنازليا، بما ينذر بتفاقم الظاهرة لا بتراجعها.

 

وفي أوروبا يبدو المشهد أقل قتامة وإن بقي معتمًا، حيث ازداد دخل أغنى 1% من الأوروبيين إلى 14% بدلًا من 10%، وتراجع دخل أفقر 50% من 22% إلى 19%، بما يعكس توجهًا عامًا لتركيز الثروة وليس لتحسين توزيعها.

 

ويرجع ذلك إل تبني الأحزاب في أوروبا سياسات أكثر اعتدالًا -نسبيًا- من السياسات الأمريكية الرأسمالية، بما تسبب في زيادة التأييد للسياسات الاشتراكية أو لتعديلات نسبية في النظام الأمريكي الاقتصادي لجعله "أقل رأسمالية".

 

 

وعلى الرغم من ذلك تنوه دراسة لجامعة "هارفارد" بصعوبة تحقق وصول سياسيين يسعون لتحقيق  نظام "أقل رأسمالية" في الولايات المتحدة، بسبب طبيعة النظام السياسي الذي يعتمد كثيرًا على الحصول على التبرعات الانتخابية، والتي تأتي من الأثرياء الذين يضرهم الانحراف عن النظام الرأسمالي بطبيعة الحال.

 

ويشبه الكاتب الأمريكي "ناعوم تشوميسكي" الرأسمالية ببيت انهارت الأعمدة التي يقوم عليها، فالمنافسة تتراجع، والدخل يزداد تركيزًا في أيدي أفراد محدودين للغاية، والنشاط الاقتصادي أصبح يحتاج إلى التدخل الحكومي في العديد من المجالات وأبرزها البنوك والعقارات بما يطرح سؤالًا عما إذا كانت الفرضية الأهم التي قامت عليها الرأسمالية "دعه يعمل دعه يمر" ما زالت صالحة أم عفا عليها الزمن.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.