"على الرغم من أن غالبية الأعمال السينمائية تصورهم على أنهم يغزون البحار ويحملون الأسلحة، إلا أن الأخطر منهم على الاقتصاد العالمي اليومهم هؤلاء الذي يجلسون في مكاتبهم أو معاملهم وفي المصانع الصغيرة" هكذا تصف غرفة التجارة العالمية (icc) القراصنة الاقتصاديين.
خسائر جمة
وتعني القرصنة الاقتصادية إنتاج شركة ما لسلعة (ولتكن جوال مثلًا) دون الحصول على حقوق التصميمات بشكل مشروع، لتخسر الشركات "الأصلية" صاحبة حقوق الاختراع مبالغ طائلة، بسبب ما انفقته على الأبحاث والتطوير وحصدته أطراف أخرى دون جهد.
وتقدر غرفة التجارة العالمية خسائر الاقتصاد العالمي بسبب ظاهرة القرصنة في عام 2022 بحوالي 4.2 تريليون دولار، بينما بلغت حوالي 3.4 تريليون في عام 2017، بما يعكس آثارها الكبيرة التي تحد من النمو العالمي.
ولا تقتصر القرصنة على صناعة دون أخرى، غير أن صناعتي الملابس والتكنولوجيا تأتيان في صدارة القطاعات التي تعاني كثيرًا من تأثيرات القرصنة، ولاسيما في ظل تفوق الصين في الصناعتين.
وعلى الرغم من تقديرات تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي بأن قيمة السلع المنتجة بأسلوب القرصنة لن يتعد 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2022، إلا أن بقية الخسائر (2.5 تريليون) هي خسائر غير مباشرة للاقتصاد العالمي.
القرصنة تنمو
فالمنظمة تقدر إحجام الشركات الكبرى عن الانفاق على الأبحاث والتطوير بنسب تتراوح بين 10-35% بسبب تخوفها من القراصنة الذين يستولون على المنتجات والأفكار التي يقدمونها دون مجهود، بما يدفعهم للاحجام عن الاستثمار في بعض المجالات.
ويصل حجم تجارة القرصنة وفقًا لتقرير لوزارة التجارة الأمريكية إلى حوالي 2.5% من حجم التجارة العالمية، وتتهم الوزارة الصين بتصدر الدول التي تقوم بأعمال القرصنة الاقتصادية، وتقدر واشنطن أن بكين تصنع قرابة 52% من السلع التي يتم مصادرتها بسبب إنتاجها بأسلوب القرصنة.
ولا تقتصر القرصنة على السلع فحسب بل تمتد لتشمل المنتجات غير الملموسة، مثل الموسيقى وبرامج الكمبيوتر وأفلام السينما، وبلغت خسائر تلك القطاعات عام 2016 إلى حوالي 213 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتخطى 400 مليار دولار بحلول عام 2022.
وفي تلك الحالة كثيرًا ما يقدم القراصنة منتجاتهم بلا مقابل، ومن ذلك مجموعة "أنونيموس" التي تجرمها الولايات المتحدة والعديد من الدول بسبب استيلائها على الكثير من البرامج والألعاب الإلكترونية والمواد الترفيهية وبثها بلا مقابل على مواقعها.
واللافت أنه على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدول المتقدمة خاصة في مجال مكافحة القرصنة الاقتصادية، والاتفاقات الدولية المتعددة في هذا المجال، إلا أن تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي تشير إلى أنها تنامت بنسبة 105% خلال العقد الأخير.
ويرجع ذلك إلى ما تصفه المنظمة بتنامي التجارة الداخلية في المواد "المقرصنة"، حيث تتصدر الصين قائمة الدول، تليها العديد من دول جنوب شرق أسيا وافريقيا التي تهيمن على 85% من التجارة الداخلية في هذا المجال.
خساشر متعددة
وتقدر غرفة التجارة العالمية أن ما تصفه بـ"الاقتصاد المشروع" خسر 2.6 مليون وظيفة على الأقل عام 2013 لصالح وظائف أقل في العدد في الاقتصاد الموازي، ومن المتوقع أن يبلغ هذا الرقم 5.4 مليون وظيفة بحلول عام 2022.
وفي تلك الحالة يحصد هؤلاء العاملين في الاقتصاد الموازي (غير المشروع) مبالغ أقل كثيرًا من تلك التي يجنيها العاملون في الاقتصاد المشروع بنسب تصل إلى 70% في بعض الحالات، بما يؤشر لحجم الخسارة التي تتسبب بها عمليات القرصنة ليس فقط لرؤوس الأموال ولكن للعاملين أيضًا.
ويعمل الكثيرون في ظروف تصفها منظمة العمل الدولية بـ"غير الإنسانية" في المصانع التي تقوم بإنتاج السلع غير المشروعة، في ظل عملها بعيدًا عن الرقابة الحكومية، بما يتسبب في تعرض الكثير منهم لحوادث جسيمة.
وتحذر دراسة لجامعة "هارفرد" من تزايد حالات القرصنة بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، على الرغم من أنها أحد الأسباب الرئيسية لتلك الحرب، ولكن تراجع التجارة بين العملاقين سيعني إطلاق حرية الصين بدرجة أكبر في ممارسات القرصنة الاقتصادية وليس العكس، في ظل تنامي التجارة في المقابل مع الدول التي لا تهتم كثيرًا بحقوق الملكية الصناعية والفكرية.
ولعل الأمل الكبير في مواجهة القرصنة الاقتصادية، أو على الأقل الحد من نموها، يأتي مع تنامي التجارة الإلكترونية التي تهتم كثيرًا بمحاربتها، خاصة مع نمو شركات عملاقة، مثل "أمازون"، في هذا المجال بما يقوض الصناعات غير المشروعة التي فشلت الجهود الحكومية والعالمية في مواجهتها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}