شهد التاريخ الاقتصادي المعاصر دورات اقتصادية متكررة، تبدأ بالتوسع الاقتصادي الذي تصاحبه زيادة في الإقراض، ليعقب ذلك تراجع اقتصادي، بسبب التوسع المبالغ فيه بالائتمان أو الاستقرار الطويل للمعادلات الإنتاجية بما يحول دون نمو الاقتصاد بعد مرحلة معينة.
الخبرة الأخيرة
وفي كتابهما "أزمة المعتقدات: سيكولوجيا المستهلك والهشاشة المالية"، يتناول الباحثان الاقتصاديان "نيكولا جينايولي" و"أندريه شليفر" دور "معتقدات" أو قناعات المستثمرين في التأثير على الأسواق المالية لا سيما خلال الفترات التي تشهد أزمات.
وبحسب "أزمة المعتقدات" فإن المستثمر عادة ما يتحرك بناء على استقراء للخبرة الأخيرة له في السوق، وعليه فكثيرًا ما تكون تحركاته خاطئة، لأنها تقوم على التجربة فحسب (على أهميتها) وليس على التحليل.
فعلى سبيل المثال يميل كثير من المتعاملين في سوق الأسهم إلى الخبرة الذاتية في الحكم على أداء سهم ما، وعلى الرغم من متابعة كثير منهم للتقارير الاقتصادية واهتمامهم بنصائح المتخصصين، إلا أنهم في غالبية الأحيان ما يجنحون لتغليب الخبرة الشخصية الأخيرة.
وبالتالي تبدأ الفقاعات المالية والاقتصادية نتيجة للاعتقادات الخاطئة، فإذا حصل المستثمرون على نتائج إيجابية نتيجة للاستثمار في أسهم العقارات في آخر تجربة لهم فإنهم يكررون نفس الاستثمار حتى لو كانت هناك نصائح بتجنبه، وعندما تأتي النتيجة سلبية بعد ذلك فإنهم يتوقفون عن الاستثمار بسبب التجربة الشخصية أيضًا وليس بفعل التحليل المالي- الاقتصادي.
بين الأوقات الجيدة والعصيبة
وتشير الأدلة المتواترة من الأسواق المالية إلى أن الناس في الأوقات الجيدة متفائلون جدا ويهملون خطر الهبوط، بينما في الأوقات العصيبة، فإن العكس هو الصحيح. ويرجع ذلك لأن الذاكرة تعمل باستمرار بشكل انتقائي يبحث عن المواقف المتشابهة لتسهيل فهمه لما يمر به.
فمثلاً تتمتع الولايات المتحدة حاليًا بواحدة من أطول فترات الصعود في التاريخ والظروف الاقتصادية تبدو مواتية للغاية بعد سنوات عديدة من النمو في سوق الأسهم وفي الاقتصاد بشكل عام، إلا أن هذا يرجع بنسبة كيرة إلى حالة التفاؤل في الأسواق نتيجة للتجارب الأخيرة الإيجابية، ويجعل التحذيرات من آثار الانخفاض المدمرة على الاقتصاد منطقية أيضًا.
فبمجرد مرور المستثمرين بتجارب سلبية، فإنهم يميلون إلى الانسحاب السريع من الأسواق (ولعل ذلك هو السبب وراء الانخفاضات القياسية في سعر بعض الأسهم الأمريكية في الفترة الماضية فور تعرضها لهزة صغيرة فحسب)، بما يتسبب في فترات انخفاض سريعة و"غير مفهومة" حتى في أشد فترات الرواج والازدهار.
مراحل عقلية
ويرصد الكتاب المراحل "العقلية" لأية أزمة مالية أو اقتصادية:
- الصدمة: وفي تلك المرحلة يتلقى الكثير من المستثمرين خبرات شخصية سيئة في الوقت نفسه، بما يجعل هناك مناخًا تشاؤميًا يظهر في الأفق ويدفع الأخبار السيئة للانتشار بصورة أكبر والتأثير بشكل أعمق في المناخ الاستثماري بشكل عام.
- آليات التضخيم: يبدأ النظر لأية ديون على أنها كارثة، حتى ولو كان المركز المالي للشركة المدينة جيدًا، إلا أن إدراك المستثمرين للديون يصبح سلبيًا بشكل عام.
وينزع المستثمرون في هذه المرحلة إلى تسييل الأصول في صورة نقدية أو تحويلها لسلع القيمة، بما يؤدي لفرض المزيد من الضغوط على الأسواق المتراجعة، ويعمّق من النظرة السلبية والاعتقادات لدى المستثمرين بتراجع السوق، بل ويؤدي البيع المتلاحق لمرور مستثمرين آخرين بتجارب شخصية سيئة تزيد الطين بلة.
- الكساد: يأتي عندما يدرك غالبية المستثمرين أن الأمر يتعدى مجرد مجموعة منفصلة من التجارب الشخصية السيئة، ويتأكدون من وجود أزمة مالية (اقتصادية) عامة، بما يدفع حجم التعاملات إلى الحد الأدنى، بين مجموعة من المغامرين الذين يراهنون على وصول السوق إلى مستوياته الدنيا والتي يتحتم ارتفاعه بعدها.
ويختتم الكتاب بالتأكيد على أن العقل يلعب دورًا في قرارات المستثمرين بالطبع، ولكنهم في غالبية الحالات يميلون إلى "الحدس" في الاختيار أو إلى "الإحساس" بما يجعل الأمر لبعضهم أقرب للمقامرة منه للاستثمار.
ويجعل هذا الكثير منهم ينسحبون فور أول بادرة للكساد، فهو يربح مع الرابحين، لكنه لا يمتلك ما يؤهله للربح وقت التراجع لما يحتاجه ذلك من تحليل أدق للسوق. والشاهد هنا أن "معتقدات المستثمرين" يكون لها تأثير كبير في تشجيع الاقتصاد على النمو، أو دفعه للكساد، بينما يعتقد كل منهم أنه يسعى لتحقيق مصلحته فحسب.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}