يرتبط النمو الاقتصادي دائمًا بوجود فرص للتوسع في النشاط الاقتصادي بمختلف أشكاله، ولذلك ازداد الحديث مؤخرًا حول إمكانية استغلال القطب الشمالي في إحداث طفرة جديدة للاقتصاد العالمي حال استغلال ما يتوافر به من إمكانات بالشكل الملائم.
احتباس حراري "مفيد"
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن القطب الشمالي يتعرض لظاهرة الاحتباس الحراري ضعف ما تتعرض له بقية أنحاء الكرة الأرضية، وأن معدل ذوبان الثلوج به يفوق ما تنبأ به العلماء قبل 10 سنوات بحوالي 40% على الأقل.
وعلى الرغم من التأثيرات البيئية السلبية لهذا الأمر، وكذلك الاقتصادية أيضًا، إلا أن له تأثيرات إيجابية مباشرة تتعلق بالقدرة على استغلال القطب الشمالي اقتصاديًا بصورة أيسر في ظل تراجع الصعوبات المناخية التي ترفع كثيرًا من تكلفة "استيطانه"، خاصة بعد تراجع كتلة الثلوج هناك بنسبة 40% منذ عام 1979 وحتى عام 2016.
وتصف دراسة لـ"هارفارد" إمكانية أن يكون القطب الشمالي بـ"الفرصة النادرة" للاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن النشاط الاقتصادي الضعيف للغاية به يمكن أن ينمو بمعدلات تفوق 20% سنويًا خلال عقد من الزمان إذا تم الالتزام بذلك.
ويبلغ حجم اقتصاد القطب الشمالي ككل حاليًا حوالي 450 مليار دولار، موزعًا على روسيا والولايات المتحدة وأوروبا (وبالذات النرويج)، غير أن هذه المليارات كلها لم تكن موجودة تقريبًا قبل 30 عامًا تقريبًا، بما يؤشر لنمو متسارع يرتبط بالأساس بالتطور التكنولوجي، والقدرة على التصدي للثلوج والتعايش معها.
ثروات طبيعية هائلة
وتتوقع دراسة لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي استيعاب القطب الشمالي لاستثمارات تبلغ 200-500 مليار دولار على أقل تقدير بعد عقد أو عقدين من الزمان مع استمرار تراجع كتل الجليد وظهور أجزاء أوسع من اليابسة في المناطق المتجمدة.
وتقدر الهيئة الجيولوجية الأمريكية احتواء القطب الشمالي على ربع احتياطيات العالم من الوقود الأحفوري، بحوالي 13% من النفط العالمي، و30% من الغاز الطبيعي، إلا أن 80% من تلك الموارد في المياه بما يرفع تكلفة استخراجها كثيرًا.
غير أن الدراسة تشير إلى عائق أساسي يعترض جهود التنمية هناك ويتمثل في محدودية عدد السكان الذين لا يتعدون 5 ملايين شخص في كافة أماكن القطب الشمالي، سواء في روسيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة، 10% منهم فقط من السكان الأصليين ونصف الباقين يعملون في مهام ذات طبيعة علمية وليست اقتصادية.
وترتفع تكلفة الإقامة في القطب الشمالي بالنسبة للعاملين حتى تصل إلى أربعة أضعاف نظيرتها في الأماكن المتجمدة التقليدية في الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، بما يجعل استيطانه مكلفًا للغاية، لا سيما في ظل عدم وجود بنية تحتية ملائمة حتى الآن في مساحته الشاسعة.
كما أن النمو السكاني سواء من الهجرة أو بالزيادة الطبيعية في القطب الشمالي محدود للغاية، ويتوقع تقرير لموقع "مارتايم" المتخصص في شؤون القطب الشمالي نمو السكان بمعدل سنوي يبلغ 4% فحسب حتى حلول عام 2030 ما لم يكن هناك تغيرات ملموسة في البنية التحتية تشجع على الهجرة إلى هناك.
صراع قادم
وتقدر مساحة القطب الشمالي بحوالي 8% من مساحة نصف الكرة الشمالي بالكامل، غير أن المساحة المأهولة منه تقدر بحوالي 2% فحسب، وذلك لضعف البنية التحتية التي تصل تكلفة إقامتها إلى ضعف التكلفة العادية فضلًا عن تكلفة الصيانة التي تصل إلى 5 أضعاف بما يجعلها غير مجدية اقتصاديًا.
وعلى الرغم من ذلك تتفوق روسيا بشكل لافت في استخدام الموارد الطبيعية، بسبب اعتياد أبناء موسكو على العمل في الأجواء قارصة البرودة، لذا فهي الأكثر استغلالًا للوقود الأحفوري بحوالي 60% من البترول والغاز المستخرجين منه، وحوالي 40% من الصيد.
ولذلك يعتبر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي القطب الشمالي بمثابة منطقة صراع قادمة بين القوى الثلاث القائمة فيه، بسبب ما به من موارد طبيعية، فضلًا عن إمكانية استخدام الرياح القوية للغاية هناك في توليد الطاقة المتجددة وليس فقط استخدام الوقود الأحفوري.
وختامًا فإن تعظيم الاستفادة الاقتصادية من القطب الشمالي سيعني تراجع كبير في تكلفة النقل العالمية، فيكفي الإشارة إلى أن استخدامه يوفر 30% من ثمن الرحلة للسفن التجارية العملاقة بين شنغهاي وهامبورج على سبيل المثال، بما يجعل التوسع في استيطانه ضرورة ليس فقط لروسيا وأوروبا والولايات المتحدة ولكن حتى للصين وأمريكا الجنوبية ودول أخرى غير ذات علاقة مباشرة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}