مصنع ملابس تعطلت ماكينته الرئيسية في وسط اليوم، وتوقف على إثر ذلك خط الإنتاج. سارع صاحب المصنع لطلب المهندسين الذين فشلوا في تصليح العطل وإعادة تشغيل الماكينة. في هذه اللحظة يتقدم أحد العاملين ويهمس في أذن صاحب المصنع مخبراً إياه بأن هناك زميلاً لهم متقاعد حالياً ربما يقدر على تصليحها.
أتي الرجل المقصود وبدأ في فحص الماكينة بينما تراقبه أنظار الجميع. ولكنه ظل يدور حول الماكينة ويصعد فوقها وينزل تحتها لا يفعل شيئاً سوى فحصها بالعين، واستمر على هذه الحال لأكثر من 3 ساعات، قبل أن يقوم في النهاية بحمل مفتاحه الحديد والطرق به طرقة واحدة على جزء معين من الماكينة التي عادت للعمل فوراً.
أرسل الرجل فاتورة التصليح إلى صاحب المصنع الذي فوجيء بأنه يريد 1500 ريال كثمن لتصليحه تلك الماكينة. صاحب المصنع الذي رأى بأم عينيه أن ذلك الرجل لم يقم سوى بالطرق على الماكينة يرسل إليه مستفسراً عما فعله ليطلب ذلك المبلغ ليرد الرجل قائلاً: "أما الطرقة التي طرقتها فثمنها واحد ريال أما معرفتي أين أطرقها فثمنها الباقي."
حصل الرجل على 1499 ريالاً مقابل المعلومة التي "أنتجها".
في سوق الأسهم لا يوجد شيء أكثر قدرة على تحريك الأسعار من المعلومة.. هذه حقيقة لا تقبل الجدال ولا يمكن لأي منا إنكارها، خصوصاً ونحن نشاهد بأعيننا بشكل يومي تقريباً كيف يتفاعل السوق مع الإعلانات والبيانات الصادرة عن الشركات ومع أراء المحللين والخبراء الذين يتابعون هذه الشركات.
وبشكل عام يوجد في سوق الأسهم نوعين من المعلومات وهما المعلومات العامة والمعلومات الداخلية. ولكن بين هذه وتلك تقع المعلومات التي يستخلصها ويتوصل إليها الخبراء والمحللون. ولسبب ما يعتقد البعض أن هذه المعلومات التي ينتجها هؤلاء يجب أن تكون مجانية ومتاحة للجميع بلا استثناء وأن التحكم فيها هو شكل من أشكال الاستغلال.
ولكن قبل أن نناقش هذا الرأي، سنحاول أن نوضح بشكل سريع كيف يتفاعل سوق الأسهم مع المعلومة بشكل عام أي كان مصدرها، وطبيعة العلاقة بين سعر السهم وقيمته.
كيف تحرك المعلومة السوق؟
إن السعر السوقي للسهم ما هو إلا انعكاس لقيمته المقدرة من قبل المشاركين بالسوق، والذين يقدرون السعر بناءً على توقعاتهم للتدفقات النقدية المستقبلية للشركة. هذه التوقعات يشكلها المستثمرون باستخدام المعلومات العامة المتاحة التي قد تصل إليهم بأكثر من شكل.
كمستثمرين في السوق، نقوم جميعاً بتسعير الأسهم بنفس الطريقة ووفق نفس الخطوات. ففي البداية نتلقى المعلومات ثم نقوم بمعالجتها وتحليلها لنصل إلى استنتاجاتنا ونشكل توقعاتنا وفي الأخير نقوم بالتداول بناءً على تلك الاستنتاجات والتوقعات. ولكن العملية التي شرحناها للتو يجريها كل منا بطريقته.
فعلى الرغم من أن المعلومات العامة بحكم تعريفها هي معلومات متاحة للجميع إلا أننا لا نتساوى عادة في مقدار ما نحوزه من تلك المعلومات. فبعض المستثمرين لديهم قدرة أكبر من غيرهم على الوصول إلى كم أكبر من هذه المعلومات. على سبيل المثال، باستطاعة المحللين العاملين بأقسام بحوث الاستثمار الذين تتمثل مهمتهم في تقييم الشركات الحصول على معلومات عامة لا يستطيع المستثمر الصغير الوصول إليها.
النقطة الثانية التي نختلف فيها كمستثمرين هي طريقة معالجتنا للمعلومة المتاحة. فبعضنا يستخدم نماذج كمية معقدة تساعده على فهم أثر المعلومة على الإيرادات والتدفقات النقدية المتوقعة للشركة وبالتالي على قيمتها وقيمة أسهمها. في حين يقوم آخرون باستخدام نفس المعلومة في إطار مقارنة السهم مع أداء أسهم أخرى.
هذا التباين في الكم والمعالجة يقود المستثمرين إلى نتائج مختلفة حول قيمة السهم. فأولئك الذين قادهم تحليلهم إلى أن السهم مقيم بأقل من قيمته سيقومون بشرائه في حين أن من يعتقد أن السهم مبالغ في تقييمه سيبيعه إذا كان يمتلكه بالفعل أو سيبيعه على المكشوف إذا لم يكن ضمن محفظته.
هذا معناه أن سعر السهم هو نتاج عملية يستخدم فيها المستثمرون المعلومات المتاحة حول الشركة لتكوين توقعات حول مستقبلها. ولكن هذا ليس سوى افتراض نظري، حيث إن الواقع يشير إلى أن السعر السوقي نادراً ما يعكس القيمة الجوهرية للسهم بشكل صحيح. وهذا بحسب ما ذكره "أسواث داموداران" في كتابه "فلسفات الاستثمار" يرجع لثلاثة أسباب:
أولاً، قد تكون المعلومات العامة المتاحة لنا كمستثمرين غير كافية أو غير صحيحة وهو ما يعني أن استنتاجاتنا وتوقعاتنا التي شكلناها بناءً على تلك المعلومات خاطئة هي الأخرى. ثانياً قد نفشل كمستثمرين في معالجة المعلومات وتحليلها بشكل صحيح.
ثالثاً، حتى لو كانت المعلومات صحيحة ونجح جمهور المستثمرين في قراءتها وتحليلها ووصلوا إلى استنتاجات صحيحة، فلا يزال هناك مستثمرون على استعداد للتداول على الأسهم بأسعار لا تعكس هذه الاستنتاجات والتوقعات. على سبيل المثال، بعضنا ربما يقوده تحليله إلى أن القيمة العادلة للسهم "س" الذي يتداول حالياً مقابل 60 ريالاً لا تتجاوز في الحقيقة 50 ريالاً، ورغم يقوم بشراؤه لأنه يعتقد أنه يمكنه بيع ذلك السهم مستقبلاً إلى شخص أخر مقابل 75 ريالاً.
من يملك المعلومة؟
في السنوات الأخيرة اعتادت شركة إسمنت بيع ربع إنتاجها السنوي لإحدى شركات الإنشاءات. ولكن بعد فحص وتحليل دقيقين اكتشف مجموعة من المحللين وجود مشكلة بالسيولة النقدية لدى شركة الإنشاءات من شأنها أن تجعلها عاجزة عن سداد الدفعة القادمة من المبالغ المستحقة عليها لشركة الإسمنت.
معلومة مثل المعلومة السابقة من شأنها أن تؤثر على سعر سهم شركة الإسمنت، وأكثر المستثمرين سيكونون على استعداد للدفع مقابل الحصول عليها لأن قيمتها تكمن في أنها لم تنعكس على سعر السهم بعد. في المقابل، لن يدفع أحد ولو هللة واحدة للحصول على البيان الرسمي الصادر عن الشركة الذي يؤكد شيئاً يعرفه السوق مسبقاً.
الرأي القائل بأن المعلومات سلعة مجانية يستند إلى حجة شهيرة مفادها أنه يجب أن يكون لكل المستثمرين الحق في الوصول المتساوي لكافة المعلومات. ولكن أقل ما يمكن أن يقال عن هذه الحجة أنها غير منطقية.
فالمعلومة في هذا المجال تحديداً لم ولن تكون أبداً سلعة مجانية، لأن المجانية تهدد وجودها أصلاً.
إن معلومة مثل هذه تعد سلعة خاصة ومحاولة البعض معاملتها كما لو كانت سلعة مجانية يؤثر سلباً على الحوافز الكامنة وراء إنتاجها من الأساس. فما الذي قد يدفع منتجي تلك المعلومات على الاستمرار وبذل مواردهم في سبيل ذلك في غياب أي حافز؟
ربما لن نجد صعوبة في الاتفاق على أن الأشخاص الذين وفروا الموارد اللازمة لبناء منزل مثلاً يجب أن يكون لهم الحق في التحكم في هذا الأصل والاستفادة منه. ولكن في المقابل يصعب على البعض تقبل حقيقة أن الأفراد الذين يبذلون مواردهم الخاصة لإنتاج المعلومة في السوق يجب أن يتحكموا في استخدام تلك المعلومة.
الشخص الذي يعمل على إنتاج تلك المعلومة مثله مثل الكهربائي والطيار والنجار وطبيب الأسنان. فهؤلاء جميعاً أشخاص تستند مهاراتهم جزئياً إلى المعلومات التي حصلوا عليها. على سبيل على المثال، لا يستطيع أحد أن يقول أن الكهربائي يأخذ أكثر مما يستحق لأن كل ما يفعله هو توصيل الأسلاك ببعضها، وذلك لأننا جميعاً نعرف أن قدرة هذا الرجل على إنتاج القيمة هو معرفته (معلوماته) التي استثمر موارد كبيرة للحصول عليها.
في الفصل الرابع عشر من كتابه الشهير "مقدمة للاقتصاد والأسواق المالية" الصادر في عام 2007 يقول "جيمس برادفيلد" أستاذ الاقتصاد بكلية هاميلتون الأمريكية: إن المعلومة في مجال الاستثمار ليست سلعة مجانية مثل الدفء الذي توفره الطبيعة في نهار يوم مشمس. فالمعلومة التي يجدها المستثمر قيمة، هي في الحقيقة نتاج جهد ووقت وربما أموال بذلها أفراد إما بصفتهم الشخصية أو من خلال شركاتهم التي تضع تحت أيديهم الكثير من الموارد.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}