في الوقت الذي تفخر فيه الولايات المتحدة بقرب إتمامها 10 سنوات من النمو المتواصل، منذ انتهاء الأزمة المالية العالمية عام 2009، إلا أنها ليست الدولة الأفضل في هذا المجال بين الدول المتقدمة، بل تأتي أستراليا في المقدمة، حيث لم يتوقف اقتصادها عن النمو خلال آخر 27 عامًا على التوالي.
نمو اقتصادي متواصل
وعلى الرغم من أن هذا الرقم يبدو متواضعا إذا ما تمت مقارنته بالصين على سبيل المثال، أو بعض الدول النامية، إلا أن معدلات نمو الدول المتقدمة واستمرارها لفترات طويلة أصعب منه بالطبع المقارنة بنظيرتها النامية بسبب تراجع إمكانيات الاستثمار في البينة التحتية وتقلص نسب الإنفاق الحكومية قياسًا بحجم الاقتصاد.
وعلى الرغم من تراجع صادرات الفحم والحديد والصلب إلى الصين خلال عام 2012 (وهي الأهم لاقتصاد البلاد) -بسبب تباطؤ النمو الصيني- على سبيل المثال إلا أن النمو تراجع من 3.9% سنويًا إلى 2.6% سنويًا، ليعطي معدلًا يفوق متوسط معدل نمو الدول المتقدمة في هذا العام بحوالي 0.7%.
ويرجع هذا الأمر بالأساس إلى ما تصفه "فورين بوليسي" بـ"إدمان" المهاجرين، فبلاد الكانجرو هي الدولة المتقدمة الوحيدة التي تضاعف عدد سكانها بالظبط خلال الخمسين عامًا الأخيرة، بينما لم تتعد نسب الزيادة في غالبية الدول 25-40%، بل وفي دولة اعتادت استقبال المهاجرين كالولايات المتحدة بلغت النسبة 65% تقريبًا.
وما يؤكد مساهمة المهاجرين الكبيرة في الزيادة السكانية لأستراليا، حيث إن معدل المواليد في القارة الصغيرة يبلغ 1.8 طفل للمرأة الواحدة وهو نفس المعدل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفقًا لإحصاءات الحكومات في كل دولة، بما يوضح أهمية دور المهاجرين في إمداد الاقتصاد بما يحتاجه من أيد عاملة.
بين الطلاب و"العمر الذهبي"
وفي عام 2016 كشف المكتب القومي للإحصاءات في أستراليا أن 28% من الأشخاص المقيمين في البلاد بشكل دائم (سواء من حاملي جنسية أو إقامات طويلة) لم يولدوا في أستراليا، بينما تبلغ النسبة نفسها في الولايات المتحدة 14% فحسب.
وأدى التوافد المستمر للمهاجرين إلى أستراليا في وصول نسبة السكان بين سن 30-55، وهو ما يعرف بالعمر الذهبي للعمل بالتمتع بالخبرة والطاقة معًا، إلى 34.1% من مجموع السكان في نسبة هي الأعلى بين الدول المتقدمة قاطبة بما فيها كندا والولايات المتحدة، بما ساهم في استمرار معدلات النمو العالية بأستراليا.
وبسبب معرفة أستراليا بأهمية المهاجرين لاقتصادها، تعد البلاد رابع أكثر دولة في العالم في استقبال الطلاب الأجانب، والأولى في تقديم المنح الدراسية المجانية، ففي ظل تعداد سكاني بلغ 25 مليون نسمة العام الماضي يوجد بأستراليا 382 ألف طالب أجنبي في جامعاتها، و248 ألف طالب في المدارس الثانوية، ليشكلوا 2.5% من مجموع السكان.
وتشير دراسة لجامعة "ملبورن" إلى أن المهاجرين يبقون على الاقتصاد "شابًا" وأنه من دون تدفقهم على البلاد فإن معدلات النمو ستتراجع بشدة لتصل إلى -1.4-0.0% في أغلب الأعوام بسبب عجز أنشطة اقتصادية كثيرة عن تدبير احتياجاتها من العمالة.
تنوع ولا لفجوة المهارات
بل وقد تزيد نسبة التراجع عن ذلك بسبب ما تصفه الدراسة بـ"الأثر الضخم"، ولكن يصعب حسابه، في زيادة معدلات الاستهلاك بما يسهم أيضًا في انتعاش الاقتصاد، كما أنه وبسبب حصول المهاجرين الجدد على أجور أقل في غالبية الحالات تحصل الشركات على احتياجاتها من العمالة بأسعار أرخص (لا سيما مع زيادة نسبة المهاجرين من الصين بما يوفر عمالة ماهرة ورخيصة نسبيًا).
كما تتمتع أستراليا أيضا بفجوة مهارات هي الأقل في العالم تقريبًا وفقًا لتقديرات دراسة "ملبورن" بنسبة لا تتعدى 1% فحسب، وذلك بسبب نظام الهجرة لدى الدولة، والذي يجعل كل ولاية تقرر ما تحتاجه من عمالة بشكل دقيق للغاية لسد العجز بين ما يوفره النظام التعليمي من عمالة وما يحتاجه سوق العمل.
وتسهم الهجرة أيضًا في إثراء كافة الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالثقافة، ولا سيما الطعام والملابس والأنشطة الترفيهية، بل ويشكل قطاع المأكولات والمشروبات فحسب 25% من ناتج القطاع الصناعي الأسترالي في نسبة هي الأعلى بين الدول المتقدمة قاطبة.
ولعل الاعتماد الشديد على المهاجرين بالنسبة للاقتصاد الأسترالي، هو ما يجعل تنفيذ الأحزاب الأسترالية لبرامجها بخفض أعدادهم صعبًا (تؤيد كافة الأحزاب الرئيسية مراجعة أعداد المهاجرين بدرجات متفاوتة)، فعلى الرغم من تأييد نسب متصاعدة من الأستراليين لمثل تلك السياسات، إلا أن الآثار الاقتصادية ستكون مدمرة بما يجعل السياسيين يبعدون عنها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}