نبض أرقام
02:19
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

هل انتهى حقاً زمن المعجزات الاقتصادية؟

2019/04/14 أرقام - خاص

"وبذلك حققت الصين معدل نمو يصل إلى 8% هذا العام ليفوق ما كان متوقعاً تحقيقه عند 7% فحسب" كانت هذه عبارة تقليدية في بداية التسعينيات وفي أوقات كثيرة سبقت الأزمة المالية، ولكنها لم تعد قائمة في وقتنا الحالي، الذي غالباً ما تأتي نسب النمو الاقتصادي المتوقعة أقل من تلك المتحققة على أرض الواقع  (تجاوز نمو الصين 10% العديد من السنوات وبلغ أعلى مستوياته فوق 15% عام 1993).

 

وكشفت دراسة لـ"هارفارد" أنه من أصل توقعات 190 دولة تخص نسب النمو المتوقعة، فإن 174 دولة اضطرت لخفض توقعاتها بينما حققت 14 دولة فقط معدلات النمو المستهدفة ولم تزد إلا دولتان فحسب عما هو مستهدف، وذلك في أغلب الأعوام منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

 

 

توقعات غير واقعية

 

فعلى سبيل المثال لم تستطع اليابان تحقيق معدل نمو أسرع من 1% بينما كافحت أوروبا للحفاظ على النمو بمعدل أسرع من 1.5 بالمئة، وحتى اقتصاد دولة تصنف على أنها نامية أو من الأسواق الناشئة كالصين لم يعد يحقق نسب نمو "خارقة" كما حدث من قبل، لتصبح أعلى اقتصادات العالم المؤثرة تحقيقاً للنمو خلال الأعوام الأخيرة بنسبة لا تتعدى 7% وذلك لظروف استثنائية لا تستمر في غالبية الأحيان.

 

ويرجع ذلك إلى استمرار الاقتصاديين في وضع توقعاتهم بناء على توجهات الاقتصاد التي تم تحديدها خلال سنوات "معجزة" ما بعد الحرب العالمية الثانية، وسنوات الصعود الصيني الاستثنائي، عندما تم تعزيز النمو من خلال زيادة عدد السكان وزيادة الإنتاجية وتزايد الديون.

 

ويبدو هذا الأمر منفصلاً عن الواقع الحالي إذا ما أخذنا في الاعتبار تراجع النمو السكاني وتقلص نمو الإنتاجية بشدة، وخاصة منذ عام 2008، حيث أدت الأزمة المالية إلى وضع حد مفاجئ لحالة الانغماس في الديون التي تسببت في الأزمة وبذلك فقد "انتهت المعجزة".

 

وعلى سبيل المثال فإن وعود "إعادة العصر الذهبي للنمو"، في إشارة إلى عصر الثورة الصناعية، تعد ترويجاً للوهم، حيث نادراً ما نما الاقتصاد العالمي بوتيرة أسرع من 2.5% سنوياً.

 

تراجع الزيادة السكانية

 

 وبدأت طفرة المواليد التي أعقبت الحرب العالمية الثانية في التوسع السريع بحجم القوة العاملة، وبعد عام 1950، أدى الجمع بين عدد أكبر من العمال وزيادة معدلات الإنتاج لكل عامل إلى رفع وتيرة النمو العالمي إلى 4%، فاعتقد الاقتصاديون أن 4% نسبة "طبيعية".

 

 

وبحلول العقد الماضي، تلاشت طفرة المواليد من أوروبا إلى اليابان والصين والولايات المتحدة - رغم كون الأخيرة أسرع نمواً وأكثر شباباً من معظم البلدان المتقدمة-، وتباطأ النمو في عدد السكان في سن العمل إلى 0.2% فقط في العام الماضي مقارنة بمعدل وصل إلى 1.2% في أوائل الألفية الجديدة، وبما أن تباطؤ النمو يرتبط ارتباطاً مباشراً  بانخفاض العمالة، فإن هذا الانخفاض في عدد العمال يعني انخفاضاً موازياً في النمو الاقتصادي.

 

وتباطؤ النمو في عدد السكان في سن العمل يعني أيضاً تنافساً أقل على الوظائف في جميع أنحاء العالم، وهو ما يفسر إلى حد بعيد سبب انخفاض معدلات البطالة الآن ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن أيضاً في ألمانيا واليابان، وهذا بالتأكيد ليس بالأمر السيئ من الناحية الإنسانية، وإن كان له محاذيره الاقتصادية بطبيعة الحال.

 

الديون محرك ومعول هدم

 

وواقعياً، كان ينبغي أن يتوقع الاقتصاديون تباطؤ النمو الاقتصادي للولايات المتحدة من 3% إلى 2%، وقد حدث بالفعل، وهذا هو الوضع الطبيعي الجديد للاقتصاد الأمريكي، لتصبح محاولات "دفع" النمو مقترنة بإجراءات مؤقتة كالتخفيضات الضريبية، والتي تقترن بطبيعة الحال بزيادة نسبة العجز والديون بما لهما من مخاطر.

 

وبعد تحرك الاقتصاد العالمي مدفوعاً بزيادة المواليد وتحسن الإنتاجية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد استمر الاقتصاد العالمي في التحرك لبعض الوقت مدفوعاً بزيادة الدين في الثمانينيات، فبعد السيطرة على التضخم في الغرب، بدأت البنوك المركزية في تخفيض أسعار الفائدة بحدة.

 

وأدى انخفاض تكاليف الاقتراض إلى إطلاق موجة عالمية من الديون التي ارتفعت من 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في أواخر الثمانينيات إلى 300% بحلول عام 2008، لتحل الأزمة المالية العالمية بآثارها السلبية.

 

 

أما في وقتنا الحالي فلم تعد هناك زيادة سكانية كبيرة خصوصاً في الاقتصادات المتقدمة، وكذلك أصبحت الديون –المتزايدة- محل رصد مستمر بما يجعلها تكبل النمو، ولم تشهد الإنتاجية تحسناً كبيراً منذ عقدين من الزمان، بما يجعل النمو الاقتصادي بطيئاً، وهو ما ينبغي أن يقتنع به الاقتصاديون والسياسيون والمواطنون على حد سواء.

 

وما يثير القلق أن الكثير من الاقتصاديين ينظرون إلى هدف النمو بنسبة 4% على مستوى العالم، و3% في الولايات المتحدة على أنه "هدف ممكن" بما يجعلهم يدخلون في متاهة النمو المدفوع بالديون، بما يعطي استقراراً اقتصادياً  "آنياً" حالياً، لكنه يهدد المستقبل بكل تأكيد.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة