نبض أرقام
01:56
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

لماذا لم يمتلك العالم عملته الموحدة بعد؟

2019/04/13 أرقام - خاص

قبل عشرة أعوام من الآن، وتحديدًا في أواخر مارس من عام 2009، دعا محافظ بنك الشعب الصيني آنذاك "تشو شياو تشوان" العالم إلى تبني عملة احتياط سيادية تتبع صندوق النقد الدولي للحد من هيمنة الدولار، مطالبًا المؤسسة المالية العالمية بتوسيع استخداماتها لحقوق السحب الخاصة.
 

 

رغم الأثر السلبي لهذه الفكرة على العملة الأمريكية، أبدى وزير الخزانة في ذلك الوقت "تيموثي غايتنر" انفتاح بلاده التام على المقترح، مؤكدًا ضرورة تحرك العالم نحو الاعتماد المتزايد على حقوق السحب الخاصة التي تضم الدولار واليورو والإسترليني والين (لم يكن قد تم إضافة اليوان بعد).

 

وفي ظل رواج شعارات مثل "العولمة تقرب الجميع"، "العالم أصبح قرية صغيرة بفضل الإنترنت"، "التكنولوجيا اختصرت المسافات وسهلت التفاعل بين الأمم"، قد يكون من المنطقي التساؤل لم لا يمتلك البشر عملة موحدة ترفع عنهم أعباء كثيرة وتيسر التعاملات فيما بينهم؟

 

نقاش ممتد
 

- في الواقع، فكرة العملة العالمية الموحدة ليست جديدة ولم تكن وليدة المناقشات التي أثيرت عام 2009 بقيادة الصين وروسيا، ولا في التسيعينيات قبل تدشين اليورو، فأحد أبرز الداعمين لها كان الاقتصادي الشهير "جون ماينارد كينز".
 

وجود مثل هذه العملة العالمية الموحدة سيصاحبه قدر هائل من اليقين والاستقرار الدوليين، وهو ما يعود بالنفع الكبير على جميع اللاعبين، وخصوصًا الاقتصادات الأصغر والأضعف التي يسعى المجتمع الدولي جاهدًا لمساعدتها.
 

وفي المقابل، يرى البعض أن العملات الإقليمية مثل اليورو (المثال الواقعي الأكثر تعبيرًا عن فكرة العملة العالمية) تنطوي عليها أخطار، مثل إضطرار الدول الأعضاء إلى محاولة إخفاء وكبح الحركات الدورية لمؤشرات الاقتصاد الكلي، التي قد تشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
 

 

- تشير الفكرة (كما في مثال منطقة اليورو) إلى أن البلدان التي ستتبنى هذه العملة الموحدة ستكون عضوة في اتحاد نقدي مع بنك مركزي واحد وسياسة مالية متماسكة وملزمة، ورغم أن التاريخ كان شاهدًا على تكتلات نقدية مختلفة الأحجام، تظل العملة العالمية الموحدة قضية أكثر تعقيدًا.
 

- في عام 2000، نظم صندوق النقد الدولي مؤتمرًا نقاشيًا حول فكرة العملة العالمية الموحدة، وقال في دعوته: مع اتجاه العالم نحو تدشين كتل نقدية إقليمية، فإن التطور المنطقي لهذا الاتجاه (نظريًا على الأقل) سيخلص إلى تكتل أكبر له عملة عالمية واحدة.
 

- أشار الصندوق آنذاك إلى توقعات توسع كتلة اليورو في منطقة أوروبا الوسطى والشرقية، وقيام كتلة تعتمد على الين في آسيا، مع احتمالات لكتل مشابهة بين بلدان ميركوسور في أمريكا اللاتينية، وأخرى في الجزء الجنوبي للقارة الإفريقية، ودمج عملتي أستراليا ونيوزيلندا.
 

- قال الصندوق في بيان الدعوة النقاشية المنشور على موقعه الإلكتروني: من المفترض أن يتميز المستوى القادم من التكتل (العملة العالمية الموحدة) بوجود نفس الكفاءة التجارية ووفورات الحجم والخصائص الأخرى التي تقود التكتلات ذات العملات الإقليمية.
 

 

- رغم أن هذه التوقعات لم تكن دقيقة تمامًا، لكن حتى الحجج المقابلة لم تكن أكثر دقة، فمثلًا استشهد المعارضون باضطرابات اليورو منذ إطلاقه واعتبروا محاولة احتواء الاقتصادات المختلفة في عملة موحدة (حتى إن كانت متقدمة) تشكل مخاطرة كبرى.
 

- لكن في ذلك الوقت، أثناء النقاش الذي أداره صندوق النقد الدولي عام 2000، لم يكن مر على إصدار العملة الأوروبية الموحدة سوى عام واحد، وها هي الآن بعد 20 عامًا أكثر تماسكًا وقوة، وأصبحت ثاني أكثر العملات العالمية نفوذًا.

 

ما العوامل المشجعة؟
 

- تقضي العملة الموحدة على تكاليف المعاملات المرتبطة بالعمليات المالية الدولية، وهو ما يؤثر على سلوك المواطنين العاديين الذين يخططون للإنفاق في الخارج وكذا الشركات متعددة الجنسيات ذات التوجهات الخارجية، بحسب تقرير للموقع التعليمي البريطاني "يو كيه إسايز".
 

- اختلاف العملات يخلق الكثير من العقبات والحواجز، فمثلًا مبادلة عملة بأخرى يترتب عليه دفع رسوم إضافية، حيث تطلب البنوك التي تجري هذه المعاملات عمولة مقابل خدماتها، والتي تصل إلى مستويات مرتفعة في بعض الأحيان.
 

- القضاء على عمليات تبادل العملات يمكِّن الاتحادات النقدية من تحقيق وفرة في الموارد، فعلى سبيل المثال قدرت المفوضية الأوروبية في العقد الأول من القرن الجاري الوفورات من استخدام العملة الموحدة بما يتراوح بين 13 ملياراً إلى 20 مليار يورو سنويًا.
 

 

- الفرق بين أسعار صرف العملات يشكل عقبة أمام التدفق الحر للتجارة، لكن مع اختفاء هذا الفرق، فإن الاتحاد النقدي يزيل بذلك حاجزاً تجارياً رئيسياً ويشجع على زيادة المعاملات بين أعضائه.
 

- في دراسة أجراها اقتصاديون عام 2003، خلصوا إلى أن التجارة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي زادت بنسبة تتراوح بين 8% إلى 16% منذ إنشاء الاتحاد النقدي الخاص بهم.

 

لماذا لا يبدو الأمر ممكنًا؟
 

- أبرز عيوب العملة العالمية الموحدة أنها تسلب قدرة الدول على التحكم في سياساتها، فبعدما كانت البلدان قادرة على ضبط سياساتها النقدية بشكل مستقل للتأثير على سير اقتصادها، لن يكون بمقدور البنوك المركزية فعل ذلك عن طريق ممارسات مثل التحكم بالفائدة وأسعار الصرف.
 

- العيب الرئيسي الآخر هو الاختلافات بين اقتصادات الدول، فلا يوجد سوى عدد محدود من الدول المتقدمة ذات الاقتصادات القوية، وبقية الاقتصادات (خاصة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية) ضعيفة نسبيًا، وربط الجميع بعملة واحدة يعني إثقال الاقتصادات القوية بأعباء الضعيفة.
 

 

- إذا تعرضت دولة ما لأزمة، سيضطر الآخرون إلى إنفاق مواردهم لضمان استقرار الأوضاع، تمامًا كما حدث في أزمة الديون اليونانية، حين اضطرت ألمانيا إلى إقراض 110 مليارات يورو لإنقاذ البلد من الإفلاس، وهي أزمة أدت إلى تآكل الثقة في اقتصادات المنطقة.
 

- يقول الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصاد "بول سولمان" لإذاعة "بي بي إس": العملة المشتركة تعني سياسة اقتصادية مشتركة، وهو أمر صعب المنال بين المجموعات مختلفة الثقافات والعادات، وقد تسبب ذلك في حرب أهلية في الولايات المتحدة قديمًا راح ضحيتها مئات الآلاف.
 

- الاقتصادي الحائز على جائزة "نوبل" لتحليله حول العملة العالمية الموحدة "روبرت مونديل" يرى أن نجاح العملة الموحدة يستلزم شروطاً هي، تنقل العمالة عبر المنطقة، والتنظيم المالي المشترك، ووجود كيان سياسي يغطي المنطقة، والرغبة في تحمل البطالة والتضخم خلال الاضطرابات الإقليمية.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة