يرى البعض أن هناك بعض الرواسب من حقبة الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون" موجودة في عهد "ترامب"، ومن أبرزها محاولات التدخل في السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، وتساءلت "الإيكونوميست": "كيف يمكن الحفاظ على استقلالية البنوك المركزية من التدخلات السياسية.
عام 1972، سعى "نيكسون" إلى إعادة انتخابه رئيساً لأمريكا وفي جعبته أدوات تعزز فوزه على رأسها اقتصاد قوي، واستهدف ممارسة ضغوط على رئيس الفيدرالي في ذلك الوقت "آرثر بيرنز"، في حين رأى مؤرخون أن "بيرنز" كان مرناً لتنفيذ مطالب "نيكسون".
بالمثل، يمارس "ترامب" ضغوطه الخاصة على رئيس الفيدرالي "جيروم باول" ويحاول نزع استقلالية البنك المركزي، وانتقد الفيدرالي بشكل متكرر بسبب قراراته وحثه على خفض الفائدة.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، جدد "ترامب" هجومه على الاحتياطي الفيدرالي، قائلاً إن سوق الأسهم كان سيرتفع من 5 آلاف إلى 10 آلاف نقطة إضافية حال لم يتخذ البنك المركزي إجراءاته.
التاريخ يعيد نفسه
- اختار "ترامب" بالفعل ثلاثة أعضاء لمجلس إدارة الفيدرالي كما أعلن ترشيح "ستيفن مور" و"هيرمان كاين" لشغل المقعدين المتبقيين، ووجهت انتقادات لبعضهم بأنهم ساسة وغير مصرفيين.
- تشكلت استقلالية الفيدرالي في حقبة "نيكسون"، ففي عام 1977، نشر الفائزان بجائزة "نوبل" في الاقتصاد "إدوارد بريسكوت" و"فين كيدلاند" ورقة بحثية عن مشكلة "تضارب الوقت".
- قال الباحثان إن الحكومات يمكنها أن تتعهد بالإبقاء على ضعف التضخم، ولكن من الصعب التنفيذ بمرور الوقت، وعندما يتوقع المواطنون ضعف التضخم، فإن هناك مزايا سياسية تكمن في انخفاض قيمة الدين (بناء على حسابات التضخم) وزيادة في مستويات الدخل الحقيقي.
- في غياب آلية لإبقاء التضخم منخفضاً، يتسارع نمو الأسعار، وفي ظل وجود أهداف للتضخم وقواعد سياسية، تجد البنوك المركزية نفسها وقد أصبحت أداة في يد الحكومات لتنفيذ تعهداتها.
- تكون الحكومات غالباً مسؤولة عن تحديد أهداف البنوك المركزية، بل إنها تعين مجالس إداراتها وتحدد أدواتها النقدية التي يمكن استغلالها لتوليد وظائف للمواطنين.
الساسة والفيدرالي
- استسلم العديد من رؤساء أمريكا المنتخبين لفكرة الضغط على صناع السياسة النقدية في الفيدرالي، على سبيل المثال، وخلال الأشهر التي سبقت انتخابات الرئاسة عام 1992، حث الرئيس الأسبق "جورج بوش الأب" رئيس الفيدرالي وقتها "ألان جرينسبان" على خفض الفائدة.
- لاحقاً، قال "بوش الأب" إن تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي بين الأمريكيين ترجع إلى سياسة الفيدرالي، وبالمثل، طالب الرئيس الأسبق "رونالد ريجان" "بول فولكر" – رئيس الفيدرالي – بعدم رفع الفائدة خلال انتخابات عام 1984.
- أما في الأزمة المالية العالمية، فقد وقعت بنوك مركزية حول العالم تحت ضغوط الساسة بسبب إجراءاتها غير التقليدية الهادفة لدعم الاقتصادات المتضررة، والتي تمثلت في إنقاذ البنوك والشركات المتعثرة.
- رغم كل ذلك، لم تمنع هذه التدخلات السياسية البنوك المركزية من إبقاء التضخم قرب مستويات منخفضة، بل بالعكس، أصبح الاقتصاديون يتساءلون عما إذا كان ضعف التضخم وخفض الفائدة والنمو قد تسببوا في المبالغة بشأن استقلالية تلك البنوك.
- كان التضخم مرتفعاً في سبعينيات القرن الماضي، وربما لم يكن السبب في السياسات النقدية، بل لعدم فهم العلاقة بين السياسة النقدية والتضخم.
- في ظل معدلات الفائدة المنخفضة في اقتصادات رئيسية، ربما تحتاج بنوكها المركزية لمراجعة أطر عملها لمنع تلك الاقتصادات من الوقوع تحت براثن الركود، وبدون تدخلات سياسية، من الممكن عدم اتخاذ تلك البنوك قرارات تمنع الركود.
ضغوط ضرورية على حساب الاستقلالية
- فاز رئيس وزراء اليابان في انتخابات عام 2012 بعد إطلاق تعهدات بإنعاش الاقتصاد، وبعد الفوز مباشرة، ضغط على البنك المركزي لتعديل سياسته النقدية، وكانت النتيجة نمو اقتصادي مبهر.
- في ظل استمرار العمل بالفائدة المنخفضة، ربما يعني ذلك حاجة البنوك المركزية لطلب مساعدة صناع السياسات المالية للتعاون في إنعاش الاقتصادات وحمايتها من الركود، وعند ذلك، سيعني هذا التعاون إضعاف استقلالية البنوك المركزية.
- بالعودة إلى "ترامب"، فإن الضغوط على الفيدرالي منطقية في ظل سعيه لإعادة انتخابه رئيساً، ويظهر ذلك جلياً في اختياراته لمرشحي مجلس إدارة البنك المركزي "مور" و"كاين" مع الأخذ في الاعتبار خبرتهما الاقتصادية خلال الأزمة المالية من مطالبات بإعادة معيار الذهب واتهامات لإدارة الرئيس السابق "أوباما" بإصدار بيانات اقتصادية خاطئة لزيادة حظوظه الانتخابية.
- تكمن الخطورة ليس فقط في إضعاف استقلالية الفيدرالي، بل في أن يصبح البنك المركزي سلاحاً سياسياً في يد الإدارات المتعاقبة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}