في سبعينيات القرن الماضي اعتاد المسؤولون والسياسيون استخدام سياسات أسعار الفائدة من أجل تعظيم شعبيتهم، فبخفضها لمستويات متدنية للغاية تزيد الاستثمارات، ولكن ذلك قد يقلل من المدخرات، بما يؤثر بالنهاية على الاستثمار، وفي المقابل فإن رفع الفائدة يزيد من تدفق الاستثمارات الخارجية، ولكنه يتسبب في رفع مستويات التضخم.
مخاوف من "حرب طويلة"
وكان السبب وراء ذلك هو تراجع كبير في معدلات النمو في القوى الرئيسية للاقتصاد، لا سيما الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بما جعل البنوك المركزية تدخل حربًا طويلة رفعت فيها معدلات الفائدة حتى وصلت إلى 25% لبعض الفترات طمعًا في جذب رؤوس الأموال بما جعل التضخم يتنامى بشكل متسارع.
ومع تراجع معدلات النمو في غالبية الدول الأوروبية، والصين، وبدئها في اتجاه تنازلي في الولايات المتحدة، عادت المخاوف من "حروب البنوك المركزية" ويحذر "هاينير فلاسبيك"، الخبير الاقتصادي في الأمم المتحدة والوزير الألماني سابقًا، في دراسة لجامعة "فرانكفورت"، من أن ذلك يبدو قريبًا.
فمع المخاوف المتعلقة بالنمو في أوروبا، وخاصة في قوتيه الرئيسيتين ألمانيا وفرنسا، وانتهاء مفعول التخفيضات الضريبية لـ"ترامب" وتراجع النمو الصيني والأهم وصول معدلات تجارة التجزئة لأدنى مستوياتها منذ 15 عامًا في أكثر من دولة رئيسية تتعزز فرص حدوث ذلك.
ويعتبر "فلاسبيك" أنه حالة حدوث مثل تلك المواجهة فإن أوروبا ستكون أقدر على خوض "حرب طويلة" من الرفع المتبادل لأسعار الفائدة، وذلك لأكثر من اعتبار، لعل أولها إقرار قانون "دود فرانك" عام 2010 في الولايات المتحدة والذي يحد من قدرة البنك المركزي أو الحكومة الأمريكية من إقراض المؤسسات المتعثرة.
ميزة أوروبية
ويستدل "فلاسبيك" بالأزمة المالية نفسها، ففي الوقت الذي انطلقت فيه الأزمة من الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة لم تتمكن إلا من ضخ 1.5 تريليون دولار فحسب في نظامها المالي لتدارك آثار الأزمة، بينما ضخت الدول الأوروبية قرابة تريليوني دولار في نظامها المالي.
كما أن التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب رفعت مستوى الديون الأمريكية إلى 22 تريليون دولار، وأي زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية ستعني زيادة تكلفة السندات التي تصدرها الولايات المتحدة وارتفاع ما يعرف بـ"تكلفة خدمة الدين".
وفي المقابل فإن مستوى الدين الحكومي في أوروبا لا يتعدى مستوى 86% على مستوى دول الاتحاد ككل، بما يسمح لها بالمزيد من التمويل لبرامج مستقرة وطويلة المدى لرفع أسعار الفائدة دون أن يشكل ذلك عبئًا كبيرًا على اقتصاداتها.
وفي الوقت نفسه فإن تدني معدلات التضخم بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة (0.7-3%) سيسمح لها برفع أسعار الفائدة دون خشية تأثير ذلك على خروج معدلات التضخم عن السيطرة، بما سيعني ابتعاد الاستثمارات عن الدول النامية، لعجزها عن رفع أسعار الفائدة فوق قيم معينة لمعاناتها بالفعل من تضخم متفجر.
التضخم "يستيقظ"
وفي الوقت الحالي يبدو الاتجاه الرئيسي في المستقبل القريب نحو خفض أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية الرئيسية، كأداة مساعدة للتغلب على تراجع النمو الاقتصادي العالمي، والذي بدأت نذره المقلقة بتقلص حجم التجارة العالمية بنسبة 0.9% خلال الربع الأخير من العام المنصرم في أداء هو الأسوأ منذ قمة الأزمة المالية في عام 2009.
ولكن مع شح الاستثمارات تلجأ الدول لرفع أسعار الفائدة بينما يمنع التضخم أخرى من رفعها لتبقى متذبذبة بين صعود وهبوط وتستفيد رؤوس الأموال من تحركاتها المستمرة عبر الحدود، بما يسمح لها بجني أرباح كبيرة دون عمل.
وتحذر "إيكونوميست" من أن استمرار التلاعب في أسعار الفائدة صعودًا وهبوطًا، سيؤدي إلى "بعث وحش التضخم من مرقده" دون المساهمة في إنعاش الاقتصاد بشكل عملي، إلا لفترات قصيرة بما يشبه عمليات الإنعاش للمرضى التي يمكن أن تفيد مرة ولكن لا تستمر إلى الأبد.
يأتي ذلك في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الأمريكي، وعدد من القادة السياسيين في الدول النامية التأثير على سياسات البنوك المركزية في دولهم، بما يجعل احتمالات الدخول في حرب أسعار فائدة، وربما عملات، أمرًا محتملًا للغاية خاصة إذا بدأت الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق في التفاقم.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}