يتجه العالم سريعًا نحو التخلي عن المعاملات النقدية، وتقود بلدان مثل السويد والنرويج هذا المسار الذي قطعتا فيه شوطًا كبيرًا، وتمضي الصين في الاتجاه ذاته، إذ من المقرر ألا يتلقى سائقو سيارات الأجرة نظير خدماتهم نقدًا، بحسب تقرير لـ"التلغراف".
بالنسبة إلى السويد، تُظهر بيانات البنك المركزي أن 13% فقط من المواطنين استخدموا النقدية في معاملاتهم خلال عام 2018، لكن في بلدان أخرى مثل المملكة المتحدة، ورغم التراجع الحاد للمعاملات النقدية، ظل الطلب على النقد ينمو بقوة، وتضاعفت قيمة الأوراق النقدية المتداولة بين عامي 2005 و2017.
قلق المواطنين
- ما يحدث في المملكة المتحدة يعكس قلق الناس من فكرة الاحتفاظ بأموالهم كأصل رقمي لدى المصارف، فمنذ الأزمة المالية التي وقعت قبل عشر سنوات والتي هددت بانهيار النظام المالي كاملًا وخسارة المودعين لكل شيء، أصبح الناس يثقون باحتفاظ النقد بالقيمة أكثر من البنوك.
- ضاعفت أسعار الفائدة المنخفضة للغاية من ذلك الأثر، لكن النقطة المهمة أيضًا في الأموال الورقية أنها تصدر عن البنوك المركزية، وبالطبع هناك العديد من الطرق التي تؤدي إلى فقدان قيمتها مثل التضخم أو الحريق أو السطو أو غيرها.
- لكن أهم ميزة لها أنها لا تضيع بإفلاس أحد، كما أنها لا تزال محصنة إلى حد كبير عن أعين السلطات الرسمية، بما في ذلك رجال الضرائب والشرطة، لذلك سيكون هناك دائمًا طلب على النقد، في الواقع لا يزال يعتمد عليه 2.7 مليون شخص يوميًا في بريطانيا.
- كانت الشركة البريطانية الأصل للدفع الإلكتروني "وورلدباي" جزءًا غير معروف من مصرف "بنك أوف سكوتلاند"، وتم بيعها مقابل مبلغ قليل نسبيًا (نحو 2.6 مليار دولار) تحت ضغوط من المفوضية الأوروبية كجزء من الشروط المتعلقة بحزمة الإنقاذ الحكومي للبنك.
- استُثمرت أموال كثيرة في الشركة منذ ذلك الحين، واندمجت بعد ذلك مع منافسة أمريكية من نفس الحجم تقريبًا، ومؤخرًا بلغت قيمة نشاطها التجاري 43 مليار دولار وفقًا لعملية الاستحواذ التي أقدمت عليها مجموعة التكنولوجيا المالية الأمريكية "إف آي إس".
تهديد للنظام المصرفي
- شركات مثل "وورلدباي" تجعل النقود أداة هامشية لدرجة أنه قد يصبح في النهاية من المستحيل استخدامها كوسيلة للدفع، وربما يبدو كل ذلك على ما يرام، لكن إذا اختفت النقود، فلن يتمكن الجمهور من الوصول إلى وسيلة دفع تضمنها الدولة.
- يشكل ذلك خطرًا حقيقيًا يتمثل في تحول سوق المدفوعات إلى محمية خاصة بشركات الدفع مثل "وورلدباي"، بمعنى أن الجمهور سيعتمد على حلول الدفع التي تقدمها كيانات خاصة، وهو ما لا يمكن اعتباره تطورًا صحيًا، إذ يعد حماية النظام النقدي أحد الأدوار الأساسية للدول.
- يقول البنك المركزي السويدي: إذا لم يكن لدى الدولة أي خدمات لتقدمها كبديل لسوق الدفع الخاص المركز بشدة في أيدي حفنة شركات، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع القدرة التنافسية، ويخلق نظام دفع أقل استقرارًا، وينذر في النهاية بتآكل الثقة بالنظام النقدي.
- تكمن المشكلة في أن محاولات البنوك المركزية لتطوير بدائلها الرقمية الخاصة لها جوانب سلبية محتملة، ولا يتعلق الأمر هنا بأداوت مثل "بتكوين" المشكوك فيها أو العملات الرقمية المشابهة لها، وإنما بدائل إلكترونية تُسهل على المواطنين إجراء المعاملات برعاية البنوك المركزية.
- أكبر عيب هو أنها قد تكتسب شعبية كبير جدًا، وإذا تبنى الجمهور مثل هذه الأموال الإلكترونية على نطاق واسع، فقد تحل محل الودائع المصرفية، وتترك المقرضين متعطشين لأموال المودعين.
أهم الحلول المقترحة: الترقب
- في ورقة عمل نشرت العام الماضي، اقترح الباحثان لدى بنك إنجلترا "مايكل كومهوف" و"كلير نون" معالجة هذه المخاوف من خلال إخضاع أي عملة رقمية جديدة تابعة للبنك المركزي لمجموعة من المبادئ الأساسية.
- يشمل ذلك سعر فائدة قابلاً للتعديل، وعدم السماح بتحويل الودائع المصرفية إلى النقد الإلكتروني الجديد، واعتبار هذه العملة الجديدة أداة مختلفة عن احتياطيات البنوك المركزية ولا يمكن استبدال هذه بتلك.
- مثل هذه الشروط تضمن بقاء النظام المصرفي في وضعه الحالي دون تأثر كبير، وأوصى الباحثان، بترقب تجربة البنك المركزي السويدي في هذا الصدد لمعرفة كيف ستمضي الأمور قبل الإقدام على محاكاة المحاولة.
- في النهاية ستكون هذه النقود الجديدة بمثابة مكافئ رقمي دقيق للأموال التقليدية، ما يفقد الأخيرة بعض بريقها، ويبقى القول إن التهديد التكنولوجي للنماذج المصرفية وأنظمة الدفع التقليدية أصبح حرجًا بالفعل، لكنه على وشك أن يزداد خطورة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}