يعد الإنفاق الحكومي أحد أهم السبل التي تستخدمها الحكومات المختلفة من أجل دفع عجلة النمو، وفي سبيل ذلك تنفق الدول النامية على البنية التحتية لتطويرها بما يحقق هدفين، الأول خلق حالة من الرواج الاقتصادي والثاني وضع أسس صلبة للنمو.
فجوة كبيرة
وتكشف دراسة للبنك الدولي عن أن الدول النامية تعاني فجوة كبيرة في البنية التحتية، فهناك 940 مليون شخص دون كهرباء، و663 مليون نسمة يفتقرون إلى مصادر لمياه الشرب النظيفة، و2.4 مليار ينقصهم مرافق الصرف الصحي إما بشكل تام أو جزئي.
هذا فضلًا على الأعداد التي لا تحصى غير القادرة على الوصول إلى العمل والتعليم بسبب غياب أو ارتفاع تكلفة خدمات النقل، أو هؤلاء الذين لا يحصلون على علاج جيد بسبب نقص المشافي أو الكوادر البشرية اللازمة لهذا الأمر.
وعلى الرغم من الجهود "المنطقية" لسد تلك الفجوة في البنية التحتية، إلا أن دراسة البنك الدولي تشير إلى أن هناك "إهدارا" واسعا في هذا المجال، حيث إن قرابة 35% من الإنفاق على البنية التحتية يتم بلا تخطيط مسبق جيد بما يجعلها تحقق هدف الرواج دون تحقيق أهداف طويلة المدى.
وهناك مثال تقدمه الولايات المتحدة في هذا الإطار، فشبكة الطرق الأساسية التي تمت إقامتها قبل قرن من الزمان لها تأثير يعادل أكثر من 200% تأثير كافة الطرق التي تمت إقامتها بعد ذلك على الرغم من أنها تساويها تقريبًا في الامتداد.
ويؤشر هذا إلى أنه حتى في دولة مثل الولايات المتحدة فبعض أشكال البنية التحتية قد تكون "زائدة على الحاجة"، وإذا كان الحال كذلك في دولة متقدمة، فإن الأمر يزداد سوءًا في البلدان النامية في ظل الفقر الاقتصادي والحاجة إلى استغلال الموارد بصورة أكثر كفاءة.
إنفاق "ذكي"
وعلى سبيل المثال فإن الإنفاق اللازم عالميًا من أجل حصول كل هؤلاء الذين يحتاجون إلى المياه النظيفة تتراوح بين 116- 142 مليار دولار، إلا أن إنفاقاً يراعي "الأولويات" من شأنه جعل خُمس هذا المبلغ كافيًا لإيصال المياه النظيفة لأكثر من ثلثي المعوزين.
وينطبق الأمر ذاته على الطرق حيث سيصبح الإنفاق أكثر جدوى إذا ما تم التركيز على دمج منطقة نائية بعينها في شبكة الطرق بالشكل الملائم بما يشكل دفعة قوية للإنتاج في تلك المنطقة.
وما يحدث على أرض الواقع أن الكثير من الدول النامية تنفق بشكل تدريجي من أجل تحقيق "كل الأهداف" في وقت واحد، بما يجعلها تفشل في تحقيق أيٍّ من أهداف التنمية، ويكون الإنفاق غير مجد على الرغم من حجمه الكبير.
وبشكل عام يكفي إنفاق الدول النامية لما يقرب من 1% من الناتج المحلي الإجمالي على البنية التحتية، حتى عام 2030، كي تعيد النسبة ذاتها إلى الاقتصاد، ويتمكنون من سد نسبة تتراوح بين 46-61% من العجز في البنية التحتية (التباين في النسبة راجع للاختلاف في طبيعة الدول الجغرافية والاقتصادية).
مراعاة للبيئة أيضًا
ولتحقيق الاستفادة العظمى من الإنفاق على البنية التحتية، يجب إدماج القطاع الخاص فيها، وتضرب الدراسة مثالًا بالمملكة المتحدة التي تمكنت من تقليص نفقاتها على إنشاء المباني الحكومية بنسبة 20% بسبب اتباع نماذج رقمية في التصميم والتنفيذ.
مثل هذه الوفورات الكبيرة من شأنها مساعدة الدول النامية على تحقيق درجة عالية من كفاءة استغلال المواد وتسمح لها بالتوسع بدرجة أكبر في إنشاء البنية التحتية.
كما ساعد إدماج القطاع الخاص في إنشاء البنية التحتية على تقليص التكلفة بنسب تراوحت بين 10-15% في دول مثل ماليزيا وهونج كونج، إذ يشارك القطاع الخاص بمعايير كفاءة أفضل، ويحصل في المقابل على مزايا، مثل الإعفاءات الضريبية، تجعله يقبل بالمساهمة المباشرة في إنشاء البنية التحتية.
وفي النهاية يجب الانتباه إلى أن توفير البنية التحتية بكفاءة أعلى لا يخدم الدول النامية اقتصاديًا فحسب، ولكنه يحافظ على البيئة بها أيضًا، بما ينعكس إيجابيا من خلال توفير الثروات التي يتم إهدارها في بنية تحتية بلا طائل ، ثم في الحفاظ على البيئة التي تتدهور بفعل جهود التنمية التي لا تتم مراعاتها في غالبية الدول النامية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}