نبض أرقام
12:16 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21

لماذا لا ينجح التقييم السنوي للموظفين في تحقيق أهدافه؟

2019/05/07 بي بي سي

 

مهما كان النشاط الذي تعمل به هذه الشركة أو تلك، فإن نجاحها يعتمد في نهاية المطاف على موظفيها، حتى وإن زادت درجة اعتمادها على بعضهم دون آخرين.

 

فلكل شركة - كبر حجمها أو صَغُر - نجومها الذين يزيدون مستوى إنتاجيتها ويدفعونها لتحقيق نتائج أفضل. لكن إذا ما نحيت هؤلاء الأشخاص جانبا، فستجد موظفين آخرين يلحقون الضرر بالمؤسسة من خلال أدائهم المتواضع.

 

ولأن نجاح الشركة أو فشلها يعتمد في النهاية غالبا على مدى كفاءة موظفيها، فإن رؤساء مجالس الإدارات والمديرين الذين يريدون النجاح لمؤسساتهم، يواجهون مهمة عسيرة في تحديد من هم الموظفون الأكفاء وتمييزهم عن أولئك الذين لا يبلون بلاء حسنا.

 

وبينما توجد في بعض المجالات - كالرياضة على سبيل المثال - معايير واضحة يمكن من خلالها تحديد مستوى كفاءة أداء المنخرطين فيها، فإن الأمر قد يكون أكثر صعوبة في ميادين أخرى.

 

ولهذا تنفق الشركات ملايين الدولارات وتكرس ساعات لا حصر لها لإجراء عمليات مراجعة وتقييم للأداء، ولاستنباط قوائم تتضمن المعايير الضرورية لتحديد مستوى أداء موظفيها. فضلا عن ذلك، أجرى الباحثون في مجال إدارة الأعمال دراسات مكثفة للغاية بشأن هذا الملف.

 

لكن ماذا عن النتائج التي تحققت على هذا الصعيد حتى الآن؟ يمكن للإجابة على هذا السؤال الاستعانة برأي إلاين بولاكوس الخبيرة في شؤون الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "بي دي آر آي"، التي تقدم استشارات في مجال الإدارة وتتخذ من ولاية فرجينيا مقرا لها. تقول بولاكوس إن كل الأدلة المتوافرة تشير إلى أن المحاولات السابقة التي جرت لتصنيف وتقييم الموظفين من حيث الأداء لم تُحسّن على ما يبدو أداءهم على نحو ملموس، كما لم تعط الشركات التي يعملون فيها أي مزايا تنافسية.

 

وتضيف "انتهى المطاف بهذه العمليات لأن تكون مكلفةً على نحو هائل، دون أن يكون لها أي تأثير على مستوى الإنتاجية".

 

 

ورغم ما بذل من جهود ومحاولات، لم يتمكن أحد بعد من بلورة نظام تقييم من شأنه أن يحدد بشكل موثوق به الشركات التي تنعم بموظفين أكفاء، ويتعرف على تلك التي يوجد فيها عاملون متوسطو المستوى.

 

وفي هذا الصدد، تستشهد بولاكوس بتقرير نُشر عام 2012، وتضمن تصنيفات وتقييمات لأكثر من 23 ألف موظف يعملون في 40 شركة، وأظهر أنه لا توجد أي مؤشرات تفيد بأنه كان لهذا التقييم أي تأثير على أرباح تلك الشركات أو خسائرها. وقالت في هذا الشأن "لم يكن لعمليات تقييم مستوى الأداء أي صلة بأداء المؤسسة بأي شكل من الأشكال".

 

وتقول بولاكوس إنه من بين كل الطرق المُستخدمة لتصنيف الموظفين من حيث كفاءتهم، فإن القيام بذلك عبر اللجوء إلى تلك العملية المخيفة التي تُعنى بتقييم الأداء من خلال إجراء مقابلات مع العاملين بشكل سنوي أو نصف سنوي هو أمر غير مفيد، بل وربما يكون مضرا.

 

وتضيف "هي عملية مسمومة بحق ويكرهها الناس. فأنت تخلق خطوات اصطناعية فقط لكي تبدو وكأنك أكملت مهمة التقييم بنجاح".

 

وتشير بولاكوس إلى دراسة تفيد بأن المقابلات التي تُجرى في إطار عمليات التقييم هذه تشهد تبني موقف دفاعي بشكل تلقائي حتى من جانب العاملين الأكفاء، وهو ما يحولها من اجتماعات يُفترض أن تكون منتجة ومثمرة إلى جلسات تسودها أجواء عدائية.

 

ويقول هيرمان أجينيس، المتخصص في مجال الإدارة بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، إن عمليات المراجعة السنوية لأداء الموظفين قد تكون مدمرة للغاية لثقافة الشركة، مضيفا "إنها مُحبطة. فالموظفون لا يعرفون ما الذي يتعين عليهم القيام به، ولا يرى المديرون أي قيمة لها أيضا. فهم يقومون بها فقط لأن إدارة الموارد البشرية طلبت منهم ذلك".

 

ويشير أجينيس إلى أن عمليات التقييم هذه تخضع في أغلب الأحيان إلى اعتبارات ذاتية تتصل بالقائم عليها، ولا تمثل عملية فحص ودراسة واقعية لأوجه القوة والضعف في أداء العاملين. ويقول إن بعض المديرين يقدمون عمدا تقييمات متحيزة في أعقابها، مشيرا إلى أنه رأى شخصيا أحد هؤلاء المديرين وقد منح موظفا سيء الأداء تصنيفا جيدا، لا لشيء سوى لإمكانية أن يقود ذلك إلى أن يترقى هذا الموظف ويغادر بالتبعية الوحدة التي يرأسها ذلك المدير.

 

رغم ذلك، مازال بعض الخبراء في شؤون إدارة الموارد البشرية يرون فوائد ما في تقييم أداء العاملين عبر إجراء مقابلات التقييم السنوية هذه في الشركات والمؤسسات.

 

من هؤلاء، سوزان لوكاس، التي قالت في منشور على مدونتها الإلكترونية الشهيرة، في فبراير/شباط الماضي، إن ذلك الأسلوب ليس سيئا بالكامل، فهو "يقدم رؤية كلية لمستويات الأداء والتفاعل مع العمل والانخراط فيه في مختلف أرجاء الشركة. وإذا بدت نتائج أي مجموعة من العاملين ثابتة لا تتغير، فإن ذلك يمكن أن يشير إما إلى وجود نقطة مضيئة أو مشكلة محتملة يجدر إمعان النظر فيها".

 

 

وقد شجع العدد المتزايد من الدراسات التي تشكك في أهمية وقيمة إجراء عمليات مراجعة وتقييم الأداء الوظيفي للعاملين عبر هذه الطريقة الكثير من الشركات لإعادة النظر في اللجوء إليها.

 

وفي هذا السياق، قررت شركات كبرى، مثل "ديل" و"مايكروسوفت" و"آي بي إم" و"جنرال إليكتريك" وغيرها، التخلي عن هذه العملية برمتها، وذلك في خطوة أحدثت صخبا وجلبة إعلامية.

 

لكن دراسة استقصائية أُجريت عام 2018 أظهرت أن 80 في المئة من الشركات مازالت تلجأ إلى تلك الطريقة وبشكل رسمي كذلك، وهو ما تفسره بولاكوس بالقول إن "تغيير السلوك في المؤسسات أمر عسير بحق".

 

على الجانب الآخر، تظل الشركات التي تتخلى بالفعل عن تقييم الأداء بهذا الأسلوب بحاجة - حسبما يقول أجينيس - إلى اتباع طريقة يتسنى لها من خلالها مراقبة أداء موظفيها ومتابعته.

 

ويضيف "تواصل الشركات، التي تقول إنها أوقفت عملية تصنيف موظفيها وتقييمهم، استخدام هذا الأسلوب، لكن بمسميات أخرى مختلفة".

 

ومن بين أسباب ذلك ضرورة أن يكون لدى المديرين بعض المنطق، في ما يتعلق بتبرير اختيارهم لموظفين دون غيرهم لنيل ترقيات أو زيادات في الراتب. فإذا لم تكن هناك بيانات بشأن أداء هؤلاء الموظفين، ربما سيؤدي ذلك إلى أن تسود الفوضى عملية الاختيار هذه. بل إن الشركات والمؤسسات قد تكون عرضةً كذلك في بعض الحالات لأن تُرفع ضدها دعاوى قضائية، إذا لم تكن لديها طريقة تبرر من خلالها قراراتها بشأن الترقيات والزيادات في الرواتب.

 

ويقول أجينيس إن نجاح المديرين في التعرف بشكل دقيق على درجة كفاءة موظفيهم يتطلب منهم أن يزيدوا من جهودهم على صعيد ممارسة مهامهم الإدارية بشكل يومي. ويعني ذلك أن يعكفوا على مراقبة أداء الموظفين يوميا، وأن يعطوهم ردود فعل وملاحظات بشكل آني، سواء بشأن ما يؤدونه بشكل جيد أو بخصوص الجوانب التي يمكن لهم تحسين أدائهم فيها.

 

ويضيف "عندما يصبح الحوار الدائر بين المدير ومرؤوسيه يتناول أداءهم، ولا يكون التقييم مجرد أمر يحدث مرة واحدة سنويا، سيصير التقييم مسألة شديدة السهولة ومباشرة ولا تنطوي على مفاجآت".

 

وأكد أجينيس ضرورة الحصول على معلومات حول مستوى أداء العاملين من أشخاص مختلفين في منظومة العمل وليس من المديرين فقط، كأن يستمع المسؤول عن تقييم موظف ما إلى زملائه والمشرفين عليه. فبحسب أجينيس "المصدر الأفضل للمعلومات لا يتمثل في المدير في أغلب الأحيان".

 

ويقول سيمور أدلر، المسؤول في شركة لتقديم الاستشارات في مجالي الإدارة والموارد البشرية تتخذ من لندن مقرا لها، إن من الأفضل اتباع طرق تتسم بالبساطة في تقييم أداء الموظفين وتصنيفهم.

 

ويحذر أدلر من أن الاعتماد على مقاييس موضوعية، مثل أرقام المبيعات أو عدد أيام التغيب عن العمل وغيرها، قد لا يشكل استراتيجية ناجحة لتقييم أداء العامل كما يظن البعض؛ إذ أن البيانات المستقاة من متابعة مقاييس مثل هذه قد تكون مضللة وبشدة. فربما لم يكن نجاح مندوب مبيعات ما في بيع الجانب الأكبر من المنتجات يعود إلى مهارته أو حماسته، وإنما لكونه محظوظا أو يرجع إلى أن المنطقة التي خُصصت له لممارسة نشاطه فيها كانت أفضل حالا من غيرها.

 

ولذا يقول أدلر إنه بالرغم من أن الاعتماد على المقاييس الموضوعية يبدو أمرا مباشرا وواضحا، فإنه يتعين على المرء وضع كل العوامل الخارجة عن سيطرة الموظف موضع الحسبان حينما يُقيّم أداءه.

 

 

لكن التقييم اليومي ومنح ملاحظات للعاملين على أدائهم بشكل مستمر لا يمثل كذلك حلا سحريا، برأي أدلر.

 

فبالإضافة إلى أن ذلك يشكل مهمة تبدو شاقة، فإن ثمة ثغرة لا يستهان بها تشوبه، ألا وهي أن غالبية الموظفين يعملون بشكل جيد إذا لم يكونوا خاضعين لمراقبة وتدقيق مستمرين.

 

ويقول أدلر في هذا الشأن إنه ينصح الشركات التي يقدم لها استشاراته بأن تكف عن تقييم موظفيها وتصنيفهم، وبأن تتبع أسلوبا يطلق عليه "الإدارة عبر متابعة الاستثناءات". ويعني الرجل بذلك أن الموظفين ذوي الأداء الاستثنائي سلبا أو إيجابا، هم من يحتاجون اهتماما أكبر من جانب الإدارة.

 

فمن بين كل مئة موظف، يوجد ثلاثة أو أربعة يعانون بشكل كبير للغاية للوصول إلى مستوى الأداء المنشود منهم، ولذا يكونوا بحاجة إلى تدخل من قبل مديريهم، أو إلى تغيير المهنة من الأساس.

 

وعلى الجانب الآخر، ربما يكون هناك خمسة موظفين أو نحو ذلك شديدي الكفاءة في أدائهم، وهو ما يعني ضرورة أن يحظوا بمعاملة خاصة في ضوء أنهم يشكلون القوة الدافعة والمسببة لنجاح الشركة.

 

وفي دراسة أُجريت عام 2012، تبين أن 10 في المئة من حجم إنتاجية الشركة يعود إلى واحد في المئة من العاملين الأكثر كفاءة فيها. وهناك فئة ثالثة تتمثل في عاملين مجدين يتسمون بالكفاءة لكن أداءهم لا يتأثر بأي طابع استثنائي. وأشارت الدراسة إلى أن حجم إسهام هذه الفئة في إيرادات الشركة لا يتأثر، مهما كان الوقت الذي يقضيه أفرادها في المقابلات الخاصة بالتقييم السنوي لأدائهم.

 

وقد بلغت بعض الشركات مستوى متطرفا على صعيد تقدير موظفيها المتميزين، مثل غوغل التي كشف لازلو بوك، وهو أحد مديريها التنفيذين السابقين، في كتاب أصدره عام 2015 باسم "قواعد العمل!"، أنها تمنح، وبشكل دوري، لموظفيها الأعلى أداءً خمسة أو ستة أضعاف الأموال التي تعطيها لزملائهم على الدرجة الوظيفية نفسها، وربما أكثر.

 

ومن بين الأمثلة التي ضربها في هذا الشأن، أن واحدا من الموظفين تلقى ذات مرة علاوة في صورة سندات تصل قيمتها إلى مليون دولار، بينما لم تتجاوز قيمة السندات التي حصل عليها زميل له 10 آلاف دولار.

 

بطبيعة الحال، تمثل غوغل نموذجا متفردا في عالم الشركات من أوجه عدة. إذ تشير بولاكوس إلى أنها شركة تعتمد في نشاطها ووجودها على المعلومات والبيانات، ولديها وسائل لتقييم وتصنيف الموظفين، لا يمكن أن تعمل بالفاعلية نفسها في أي مؤسسة أخرى. ويشكل ذلك أحد الدروس المهمة في علم إدارة الأعمال في العصر الحديث، وهو أن على كل شركة تحديد الطريقة التي يمكنها أن تحقق من خلالها الاستفادة القصوى من موظفيها.

 

وتقول بولاكوس في هذا الصدد "عليك أن تُقيّم أهدافك الاستراتيجية. فما يمكن أن ينجح مع غوغل لن يعمل بالكفاءة نفسها مع أي شركة أخرى لا تتصف بالسمات التي تصطبغ بها غوغل".

 

وبرغم أنه في عالم المال والأعمال لا يوجد الكثير مما يمكن وصفه بأنه من بين الحقائق المعترف بها على مستوى العالم بأسره، فإن حقيقة واحدة منها ربما يصدق عليها هذا الوصف بحق، وهي أن عمليات التقييم السنوي للأداء هي أسوأ الطرق لتحقيق هذا الهدف.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.