عندما تجري بحثًا عن أمر ما على الإنترنت، تظهر النتائج في ترتيب محدد، وفي بعض الأحيان قد تبحث عن أحد أنواع الجوالات مثلًا فلا تظهر لك صفحة الشركة المنتجة، لكن تظهر صفحات تبيع هذا الجوال، بما يثير تساؤلًا حول سبب ظهور نتائج البحث بهذه الطريقة؟ وكيف يمثل ذلك بابًا لصناعة كبيرة تتنامى يومًا بعد يوم؟
صناعة تتضاعف
ويعتمد "جوجل" ومعه بقية مواقع البحث على "خوارزميات" تحدد كيفية ترتيب نتائج البحث، تتعلق بعشرات العوامل، ولكن أهمها ما يعرف بمدى مصداقية الموقع وطريقة كتابة النصوص، ولكن لأن هذه الخوارزميات آلية فإنه كثيرًا ما يتم خداعها بحيث تظهر نتائج البحث بشكل مخطط.
فمع الكتابة بأسلوب يعرف بـ"صديق محركات البحث" (SEO) يمكن ضمان الحصول على ترتيب جيد، ومع استخدام حجم محدد للمحتوى تزداد الفرص، ومع الوصول إليه من خلال السوشيال ميديا تزداد فرص الترتيب الأفضل أيضًا، ولتحقيق كل هذا توجد صناعة كبيرة.
وتقدر مجموعة "بي كيو ميديا" حجم سوق صناعة المحتوى في الولايات المتحدة بحوالي 12 مليار دولار عام 2016 وتتوقع وصولها إلى 24 مليار دولار بحلول عام 2021، بما يشكل معدل نمو سنوي في حدود 20%.
ويجعل هذا صناعة المحتوى من ضمن أعلى 5 صناعات نموا في العالم خلال العقد المقبل، في تقدير موقع "بالانس" خاصة في ظل استفادة الصناعة من النمو المضطرد في اقتصاد البيانات الذي يشكل المحتوى عصب أساس له.
وتشير دراسة لـ"أيكونوميك جروبس" إلى أن صناعة المحتوى التجاري تزدهر في ظل مقاومة المستخدمين المضطردة للإعلانات، حيث إن 71% من مستخدمي الإنترنت لا يفضلون تلقي معلوماتهم عن المنتجات من الإعلانات ويفضلون في المقابل الحصول على "معلومات أصيلة" بما يقصد به محتوى غير إعلاني.
المحتوى "الأصيل"
وتشير دراسة لمجموعة "أدوب" إلى أن 75% من المستخدمين قد يقبلون معلومة عن منتج ما بوصفها "حقيقة" إذا حصلوا عليها من "مصدر أصلي" ولا يقبلون نفس المعلومة إذا جاءتهم على هيئة إعلان سواء كان على الإنترنت أو وسائل الإعلام التقليدية.
ودفع هذا منتجي القهوة في البرازيل إلى تمويل دراسات بقرابة 20 مليون دولار لأربع جامعات غربية، لإثبات فوائد القهوة صحيًا، ثم نشروا نتائج هذه الدراسات في العديد من المواقع، على هيئة تقارير صحفية وليست إعلانات دفوعة الأجر لضمان الحصول على النتيجة أفضل كثيرًا من إنفاق هذا المبلغ في حملة إعلانية عالمية لبيان فوائد القهوة.
فالكثير من المستخدمين للإنترنت ولوسائل التواصل الاجتماعي لا يتحرجون في نقل المحتوى التقليدي باعتباره "لا يضعهم موضع الشبهات" بينما يترددون من نشر الإعلانات لأنها قد تجعلهم يبدون في موضع المتحيز بشكل لا يرغبه غالبية الناس.
ويدعم صناعة المحتوى حقيقة انصراف الكثيرين عن وسائل الإعلام التقليدي لصالح الإنترنت، حتى أن 84% من جيل الألفية لا يثق بما يتلقاه عبر وسائل الإعلام التقليدية، بينما يثق أفراده بما يتلقونه عبر الإنترنت وفقًا لدراسة لـ"مكارثي جروب".
ويتأثر 20% من جيل الألفية بالمحتوى الإلكتروني الذي يتعرض له عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدرجة تفوق حتى تأثره بالمحتوى الذي يتلقاه عبر المواقع التقليدية بما يعكس تأثيرًا متصاعدًا لتلك المواقع (المؤثرة بالفعل).
ولعل هذا هو ما دفع متصفح "جوجل" لاتخاذ خطوته الأخيرة في محاولة احتواء التصاعد الكبير في قيمة تلك المواقع لدى المستخدمين من حيث تلقي المحتوى، بأن جعل تلك المواقع "ممكن العثور عليها" من خلال عملية البحث، وهو ما لم يكن قائمًا قبل عام تقريبًا إلا بصورة ضيقة للغاية.
المحتوى ضد الإعلان
وتلجأ الأعمال أيضًا إلى صناعة المحتوى بصورة متزايدة على حساب الإعلانات بسبب استخدام 67% من المستخدمين للإنترنت من جيل الألفية ما يعرف بـ"الأد بلوكر" أو "مانع الإعلانات" وفقًا لدراسة لـمجموعة "انتومي" للدراسات الإعلامية.
واللافت هنا وجود ما تصفه مجموعة "هافاز جروب" للدراسات الإعلامية بـ"الوعي الاستثنائي" لدى المستهلكين تجاه الشركات لخلق المحتوى حيث إن 84% من المستهلكين يتوقعون من الشركات أن "تخلق" المحتوى الذي يخدمها.
وعلى الرغم من ذلك إن المستهلكين أنفسهم ينقلون المحتوى الذي "لا يبدو إعلانيًا" بدرجة أعلى من الثقة عن المحتوى الإعلاني المباشر، بما يؤشر لعدم قدرة كثيرين من المستهلكين على تحديد المحتوى الأصيل شكلًا والإعلاني مضمونًا.
وتشير دراسة لمركز "بيو" لقياس الرأي إلى أن 60% من المستخدمين يرون المحتوى الذي يحصلون عليه في تقييم السلع "ضعيفا" في غالبية الأحيان بما يضطرهم إلى البحث بشكل موسع قبل اتخاذ قرارهم الشرائي.
وبناء على ذلك فإن المستهلك يتفقد في المتوسط 11.4 قطعة محتوى قبل اتخاذ قراره الشرائي في حالة السلع المعمرة، ويرتفع الرقم كثيرًا عن ذلك إذا ما تعلق الأمر بسيارة أو منزل، بما يؤدي لغياب "الولاء" لدى المستهلكين الذين يبحثون على الإنترنت عن سلعة وليس ماركة.
وما يؤكد هذا ما تكشفه الدراسة نفسها عن أن 74% من المستهلكين لن يهتموا باختفاء الماركات التي يشترونها عادة لإنه بوسعهم البحث عن بديل بشكل سريع.
ولتبيان تأثير صناعة المحتوى في هذا الأمر يكفي الإشارة إلى أن النسبة نفسها كانت 43% فحسب في عام 2012 بما يؤشر لتغير سريع للغاية في درجة "عدم الولاء" لدى المستهلكين على حساب "الاعتماد على تدفق المعلومات".
مهنة تنمو
وتشير مجلة "فوربس" إلى أن مهنة "صناع المحتوى" هي أكثر المهن نموًا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية بل وبعض الدول النامية خلال عام 2018، وذلك على الرغم من عدم وجود مناهج دراسية يتلقاها ممارسو هذه المهنة في غالبية الجامعات والمدارس حول العالم.
ولعل ذلك يبرر تقدير غالبية المستخدمين أن المحتوى الذي يتلقونه هو "رديء" أو "رديء للغاية" في أكثرية المواقع الإنترنت، ويخلق فجوة كبيرة في سوق "صناعة المحتوى" بين احتياجات السوق وبين منتجات النظام التعليمي.
ويشكل هذا الأمر أحد أهم التحديات التي تواجه تلك "الصناعة" في المستقبل القريب، مما دفع الكثير من المؤسسات التعليمية الغربية لتقديم دورات تدريبية "مهنية" تعطي الأساسيات لكتاب المحتوى بينما عليهم البقاء على اطلاع دائم بتغير "خوارزميات" البحث للبقاء دائمًا على قمة ترتيب المواقع.
ووفقًا لدراسة مركز "مكارثي" فإن نسبة تقل قليلًا عن 1% من المحتوى الموجود على شبكة الإنترنت تحظى بـ"فرصة جيدة" للظهور على مواقع البحث أيًا كانت كلمات البحث المستخدمة، بما يؤشر لحالة شديدة من التركيز أو الاحتكار بالأحرى في هذا المجال.
ويدعم هذا ما كشفت عنه "جوجل" نفسها من أن ثلثي المستخدمين يكتفون بالحصول على ما يريدون من معلومات من أول ثلاث روابط تظهر لهم عند البحث، وأن ما يقرب من 80% من المستخدمين لا يذهبون لـ"الصفحة الثانية" في البحث الذي يجرونه.
ويشجع هذا كتاب أو صانعي المحتوى على التركيز على الكيفية التي يقدمون بها المحتوى وطريقة الكتابة على حساب الجودة والمصداقية في الكثير من الأحيان بما يجعل الصناعة في وضع متدهور من حيث "القيمة" على الرغم من النمو الرقمي اللافت لحجم الصناعة ولمدخولاتها.
ولا شك أن البيانات السابقة كلها تقدم صورة عن أهمية "صناعة المحتوى" فضلًا على أسباب نموها المتسارع اقتصاديًا، ولكنها في الوقت نفسه تشير إلى أن "حرية الوصول للمعلومات" تبقى محل شك في ظل سيطرة هؤلاء الذين يمتلكون معرفة كيفية التعامل مع مواقع البحث (وأيضًا مواقع التواصل) على ما يصل إليك وتقرؤه، فهم يسيطرون على ما ترى ويحصدون الأرباح من وراء ذلك.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}