نبض أرقام
09:46 م
توقيت مكة المكرمة

2024/12/20
2024/12/19

ثورة التجزئة.. كيف غير طرد بريدي من حياة الطبقة المتوسطة؟

2019/05/25 أرقام

في الثامن من نوفمبر 1873، نشرت صحيفة "شيكاغو تريبيون" تحذيراً من شركة "مونتجمري وارد أند كو" واتهمتها بالاحتيال والنصب على المواطنين خاصة في المناطق الريفية بسبب أسعار منخفضة بشكل مبالغ فيه على 200 سلعة، وفقا لـ"بي بي سي".
 

الأكثر من ذلك أن شركة "مونتجمري وارد" لم تعرض الـ200 سلعة في متاجرها كما أنها لم توظف أي وكلاء لبيعها بل كانت صورا في منشورات، وذكرت الصحيفة أن هذه السلع بعيدة عن أنظار العامة ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق صندوق بريدي معين.
 

تخوف مسؤولو الصحيفة لاحقاً من الدعاوى القضائية بعد أن أدركوا أن "وارد" يتبع نموذج أعمال جديداً غير مسبوق في العالم، وبعدها بعدة أسابيع، طبعوا اعتذاراً، واستغلته الشركة على منشوراتها السلعية.
 

ولكن ما هو نموذج "مونتجمري" الفريد من نوعه الذي أجبر صحيفة "شيكاغو تريبيون" على الاعتذار؟
 

 

البريد
 

- في عمر العشرينات، عمل "آرون مونتجمري وارد" في متجر بمدينة "شيكاغو" ثم كموظف للمبيعات في متاجر "مارشال فيلد" التي كانت شهيرة في المجتمعات الريفية.

 

- اكتسب "وارد" من العمل في "مارشال فيلد" خبرة التعامل مع الزبائن والسلع المطروحة، وأدرك أن العديد من المتاجر العامة في الريف كانت تضع أنواعا محدودة من المنتجات وبأسعار باهظة.

 

- لاحظ المزارعون ذلك أيضاً وكانوا يبحثون عن بدائل وطرق أخرى للحصول على سلعهم بأسعار رخيصة، وكان وقتها البريد مزدهراً لكنه لم يكن أمراً شائعاً، فقد اعتمد عدد قليل من الشركات على هذه الوسيلة.

 

- لمعت في رأس "وارد" فكرة طموحة وبسيطة في نفس الوقت، وهي استغلال البريد في بيع العديد من السلع مباشرة وبأسعار رخيصة وتنافسية ويترك للمستهلكين دفع رسوم الخدمة البريدية والتوصيل حتى لو لم يعجبوا بالسلعة التي تم توصيلها، يمكنهم رفضها وإرسالها مجددا على حسابهم.

 

- علم صحفيو "شيكاغو تريبيون" بهذا الأمر وهاجموا في منشوراتهم الصحفية أسلوب "وارد" ووصفوه بالاحتيال على الزبائن وأنه استغلال من شركته للمواطنين في المناطق الريفية.


 

راضٍ أم تسترد أموالك؟
 

- أعطى "وارد" للعالم نموذجاً فريداً في التسويق والبيع، وهو "هل أنت راض عما وصلك من منتج، أم تريد استرداد أموالك؟" وبدأت هذه الفكرة التسويقية بالترويج لـ200 سلعة على منشورات الشركة، وبعد عامين فقط، شمل الإعلان 2000 سلعة في سجل من 72 صفحة.

 

- على سبيل المثال، شملت المنشورات السلعية إمكانية شراء عشرات المظاريف بلون الكناري أو عشرة فتائل كيروسين صغيرة مقابل 55 سنتاً فقط، أو شراء بطانية مقابل 6.50 دولار.

 

- طبع "وارد" شهادات رضا العملاء على منشوراته السلعية لمزيد من الترويج والحصول على ثقة الزبائن، وذكر البعض منهم أن السلع كانت معروضة بنصف الثمن.

 

- اختير سجل سلعه لاحقاً كأحد أكثر الكتب المؤثرة على المواطنين في الولايات المتحدة قبل عام 1900، وأشارت جهات مجتمعية وقتها إلى أن منشورات "وارد" السلعية أثرت بشكل كبير في الطبقة المتوسطة على وجه الخصوص.

 

- ألهمت فكرة "وارد" بإرسال السلع عبر البريد وعرض خدمات إمكانية ردها واستعادة الأموال وأيضاً عرض منشورات سلعية منافسين آخرين على رأسهم متاجر "سيرز" – الشهيرة حالياً.


 

البريد والطلب
 

- بنهاية القرن التاسع عشر، كانت شركات الطرود البريدية توصل سلعا بقيمة 30 مليون دولار سنويا -نحو مليار دولار بالقيمة الحالية- وفي العقدين التاليين، ازدهرت هذه التجارة إلى عشرين ضعفاً تقريباً.

 

- أسهم توصيل السلع والطرود بالبريد في إنعاش الطلب وتحسين الخدمات البريدية في نفس الوقت خاصة إلى المناطق الريفية التي قلت فيها مكاتب البريد الأمر الذي دفع الحكومة لزيادة العمالة في البريد وتحسين شبكات الطرق وزيادة المكاتب.

 

- حققت فكرة توصيل السلع إلى الريف بالبريد نجاحات هائلة لـ"مونتجمري وارد" و"سيرز"، كما أن هذه الفترة وصفت بالعصر الذهبي للتوصيل بالبريد، وتنوعت الخدمات والسلع بأسعار تنافسية للزبائن.

 

- منحت هذه الفكرة اللامعة أرضية ثابتة لمتاجر التجزئة في العقود اللاحقة حتى يومنا هذا حتى مع تنوع الوسائل التكنولوجية، وبمرور الوقت، بدأ "مونتجمري" و"سيرز" بناء متاجر من أجل اللحاق بهذا الركب وعدم الاعتماد فقط على البريد.

 

- بحلول عام 1985، ألغت متاجر "مونتجمري وارد" فكرة الكتالوج الخاص بالسلع، وبعدها بسنوات، اتخذت "سيرز" نفس الخطوة، ثم جاء الإنترنت وظهرت "أمازون".

 

- هناك بنية تحتية عملاقة تنفذها الحكومات من طرق ووسائل اتصالات حديثة إلى المناطق الريفية، وربما سئم الزبائن من الخيارات القائمة في عالم متاجر التجزئة، وبالتالي، يأتي عصر الإنترنت الذي يجعل الشخص يتصفح السلعة ويطلبها من منزله بسهولة وبسعر أقل.


 

الصين
 

- في الصين، ظهر عمالقة تجارة التجزئة على الإنترنت "علي بابا" و"جيه دي دوت كوم" ودورهما في الخدمات البريدية لا سيما أن المواطنين يقضون أوقاتا في التسوق الإلكتروني أطول عند المقارنة بنظرائهم في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان مجتمعين.

 

- في نوفمبر 2018، حققت "علي بابا" رقما قياسياً جديدا فيما يعرف بـ"يوم العزاب" -أكبر موسم سنوي للتسوق في البلاد- حيث حققت مبيعات بحوالي مليار دولار في 85 ثانية فقط وبنحو عشرة مليارات دولار في أول ساعة.

 

- أصبح "يوم العزاب" أكبر موسم للتسوق الإلكتروني على مستوى العالم متجاوزاً "الجمعة العظيمة" و"إثنين الإنترنت" مجتمعين في الولايات المتحدة.
 

 

- تدرك الصين وغيرها من دول العالم الحاجة لمزيد من التحسين في البنى التحتية للطرق والإنترنت من أجل انخراط المناطق الريفية والطبقة المتوسطة بشكل عام في خيارات الاستهلاك.

 

- من هنا، تظل خدمة التوصيل بالبريد إلى المناطق الريفية هي المفضلة لدى العديد من الشركات الساعية للتوسع وزيادة المبيعات، وهو ما يظهر في خدمة "تاو باو فيليدجز" التي أطلقتها "علي بابا" للمناطق الريفية خصيصاً.

 

- بالطبع، ربما تحدث "تاو باو" الخاصة بالمناطق الريفية تغييرا في هذه المجتمعات وربما في ظهور عمالقة تسوق آخرين مثل "مونتجمري وارد".

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.