الكثير من المستثمرين الذين يخسرون أموالهم في السوق هم في الواقع وبعيداً عن أجواء السوق المشحونة أناس أذكياء جداً. ولكن إذا كانوا أذكياء فلماذا يخسرون؟ بعضهم قد يلوم الجهات التنظيمية أو الظروف الاقتصادية للبلد أو حتى استراتيجيتهم الاستثمارية الخاصة، ورغم أن كل ما سبق قد يكون به قدر من الصحة إلا أن أهم أسباب خسارة المال في سوق الأسهم هي العاطفة.
إن الاستثمار بالأسهم عملية مرهقة جداً بطبيعتها لنا كمستثمرين. فنحن نضع أموالنا على المحك ثم نجلس في الخلف نراقب تقلبها صعوداً وهبوطاً طوال اليوم. وفي بعض الأحيان تكون تلك التقلبات في صالحنا وفي أحيان أخرى يكون الحال هو العكس.
نفسية المستثمر
على الرغم من أن هناك استراتيجيات وأساليب مثل تحليل الاتجاهات التاريخية والتحليل الفني وتحليل النسب المالية من شأنها أن تساعدنا على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة إلا أن المستثمر المتوسط أو العادي يفشل في أكثر الأحيان في تحقيق أي مكاسب معتبرة، بل وتكون نتائجه دون المستوى إذا ما قارناها بأداء السوق بشكل عام.
في عام 2016 نشرت شركة البحوث الأمريكية "دالبار" دراسة تحت عنوان "التحليل الكمي لسلوك المستثمر"، وخلالها قامت بدراسة أداء المستثمرين في السوق الأمريكي بالمقارنة مع المؤشرات الرئيسية للسوق خلال الثلاثين عاماً المنتهية في عام 2015.
باختصار، خلصت تلك الدراسة إلى أن نفسية المستثمر كانت هي السبب الرئيسي وراء الأداء الاستثماري الضعيف. بعبارة أخرى، يستثمر الناس بعواطفهم وهو ما يؤثر على قدرتهم على اتخاذ القرار الصحيح خصوصاً حين يقعون تحت ضغوط كبيرة.
فكل أدوات وتقنيات التحليل المتاحة للمستثمرين اليوم لا تمنع أكثرهم من الوقوع في فخ عدد من التحيزات السلوكية الشائعة أثناء عملية اتخاذ القرار. ولكن الخبر السار هو أن المستثمر باستطاعته تحسين قدرته على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً وتجنب الأخطاء الاستثمارية الشائعة من خلال اكتساب وتطوير مهارة واحدة وهي الذكاء العاطفي.
الذكاء العاطفي
الذكاء العاطفي هو مصطلح قدمه لأول مرة عالم النفس "دانيال جولمان" في عام 1995 في كتابه الذي يحمل نفس الاسم، وعرفه على أنه قدرة الفرد على تحديد وإدارة مشاعره الخاصة ومشاعر الآخرين وفهمها بصورة سليمة واستخدامها لتوجيه الفكر والعمل وتحفيز الآخرين وتحفيز نفسه.
ويقسم "جولمان" الذكاء العاطفي إلى 5 مكونات أساسية: 1-الوعي الذاتي: وهو قدرة الفرد على فهم مزاجه وكيفية تأثير حالة ذلك المزاج على من حوله. 2- التنظيم الذاتي وهو قدرة الفرد على التحكم في اندفاعاته والسيطرة على عواطفه. 3- التحفيز الداخلي: وهو امتلاك الدافع والشغف اللازم لمتابعة الأهداف. 4- التعاطف: وهو القدرة على فهم ما يشعر ويمر به الآخرون. وأخيراً المهارة الاجتماعية وهي قدرة الفرد على إدارة وبناء العلاقات.
وبينما تلعب المكونات الخمسة دوراً مهماً في توجيه الفرد إلا أننا في مجال الاستثمار في أمسّ الحاجة إلى أول مكونين تحديداً وهما الوعي الذاتي والتنظيم الذاتي. فالمستثمر الذي لديه وعي بذاته يستطيع إدراك متى تبدأ عواطفه في التأثير على قدرته على صنع القرار العقلاني. وبالمثل، يمكن لأولئك الذين يتمتعون بالقدرة على التنظيم الذاتي السيطرة على انفعالاتهم وتجنب القرارات المتهورة التي قد يندمون عليها لاحقاً.
فهمنا لأنفسنا بشكل صحيح وإدراكنا لسلوكنا وعواطفنا وطبيعة استجابتنا العاطفية هي جميعها عوامل تمكننا كمستثمرين من الاستثمار بشكل أكثر ذكاءً من خلال الحد من تأثيرها السلبي على قراراتنا.
فعلى سبيل المثال إذا كان المستثمر يعرف من تجاربه السابقة أنه غير صبور ويهرع إلى التخلص من السهم بمجرد تعرضه لهزة، فيمكنه أن يعمل على كبح تسرعه وبدلاً من بيع السهم على عجل كما كان يفعل في الماضي يصبر لأن وعيه بذاته يخبره بأنه دائماً ما يتخذ قرارات متسرعة. لذلك يجب عليه أن يحافظ على رباطة جأشه ويذكر نفسه بأن الاستثمار عملية طويلة الأجل.
ما الذي يميز "وارن بافيت" عن الآخرين؟
حين يتعلق الأمر بالاستثمار يصبح الذكاء العاطفي أكثر أهمية من الذكاء التقليدي. فبينما يساعدك الأخير على تحليل وفهم استراتيجيات الاستثمار المعقدة فإن الأول يكسبك صفات الصبر والانضباط والرؤية وهي ثلاث مهارات حيوية تمكن المستثمر من التعامل مع تقلبات سوق الأسهم.
المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت" لم يحقق ما حققه لأنه أكثر ذكاءً من الجميع، ولكن لأنه امتلك الانضباط والثبات العاطفي الذي ساعده على الالتزام باستراتيجيته حين ساءت الأمور في السوق واهتزت الأرض من تحت أقدام الجميع.
فالاستراتيجيات التي يتبعها "بافيت" ليست سراً، ولكنه رغم ذلك حقق بها ما لم يحققه أي مستثمر لأنه كانت لديه المرونة العاطفية التي مكنته من تجنب الكثير من التحيزات السلوكية التي يقع فيها باستمرار غيره من المستثمرين.
يبحث المستثمرون دائماً عن طرق لتطوير وتحسين أدائهم، ولكن قلة قليلة جداً منهم هي من تلجأ إلى استخدام ذكائها العاطفي للتفوق على الجميع وخاصة في ساحة مثل سوق الأسهم التي تتميز بقدر من التنافسية. تركيز المستثمر على ذكائه العاطفي هي أفضل طريقة للتميز على باقي المشاركين في السوق.
باختصار، إن نجاحك كمستثمر في سوق الأسهم يتوقف على قدرتك على إخراج العاطفة من المعادلة، لأن وجودها يؤدي غالباً إلى كارثة. بعبارة أخرى يجب أن تتعلم أن تستثمر مثل الروبوتات.
أخيراً، إن إدراك المستثمر لمشاعره وعواطفه وفهم كيفية تأثيرها على قراراته الاستثمارية أصبح ضرورة وليس رفاهية. فمن خلال تعلمه كيفية تنمية ذكائه العاطفي سيصبح بإمكان المستثمر السير على خطى ناجحين مثل "وارن بافيت" وتعزيز مهاراته الاستثمارية وامتلاك ميزة عن باقي المشاركين بالسوق.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}