خلال العقد الأخير لم تشهد أي من المدن الرئيسية المائة في العالم انخفاضا في أسعار الإيجارات، بل شهدت الغالبية الكاسحة منها زيادات كبيرة فيها بما يثير التساؤلات حول ضرورة فرض سقف للإيجارات، وخاصة في تلك المناطق التي تواجه طلبًا كبيرًا على العقارات في مواجهة قلة المعروض.
فوائد ولكن
ويشير مركز دراسات "بروكينجز" إلى أن فرض حد أقصى لزيادة الإيجار يبدو حتميًا، خاصة في ظل وصول نسب الزيادة في الإيجارات في بعض المدن الأمريكية إلى 33% في بعض المدن الصاعدة بشدة خلال السنوات الخمس الأخيرة، بما يزيد الأعباء المالية على الأفراد والشركات على حد سواء.
وأجرت دراسة لجامعة "ستانفورد" تقييمًا لتجربة فرض سقف للإيجارات في بعض مناطق وأحياء مدينة "سان فرانسيسكو" الأمريكية، التي شهدت فرض قيود على الإيجارات تتغير باستمرار سواء من حيث القيمة أو المناطق ولكن "المبدأ" بقي قائمًا.
وتسبب تقييد الإيجارات في المدينة الأمريكية في زيادة نسبة بقاء المستأجرين في الأماكن التي قيدت فيها الإيجارات بنسبة 20% عن المناطق الأخرى، وهو ما يعد نتيجة إيجابية رائعة، خاصة مع قصر الزيادة السنوية في بعض الأماكن على نسبة 1% فحسب بما يجعل استمرار المستأجر في نفس المكان أمرًا ميسورًا.
وفي المقابل تراجعت نسبة المعروض من العقارات للتأجير -خاصة من جانب كبار ملاك العقارات- بنسبة 15%، وأدى هذا التراجع في المعروض إلى زيادة في أسعار الإيجارات بنسبة 5.1% على مستوى المدينة وضواحيها بالكامل بما يعكس أثرًا سلبيًا.
تراجع المعروض
وتشير دراسة لـ"بروكينجز" إلى أن المناطق الأمريكية التي شهدت تحديد سقف للإيجارات كان من الممكن أن تزيد تكلفة الإيجارات فيها بنسبة 40-50% خلال العشرين عامًا الماضية، بما يؤشر لفارق تراكمي 2-2.5% سنويًا في العام بين سعر الإيجار المطبق وسعر إيجار السوق الحر، وهو فارق كبير للغاية بالطبع.
وتزداد أهمية هذا الفارق مع ملاحظة أن مستوى الزيادة في أسعار الإيجارات في الدول المتقدمة والنامية عادة ما يكون أعلى من المستوى العام للتضخم، بما يؤشر إلى أن السيطرة على الزيادة في الإيجارات أحد أهم وسائل السيطرة على التضخم بشكل عام.
واللافت هنا أن فرض حد أقصى للإيجارات في بعض المناطق التي تشهد زيادة مضطردة في مستوياتها فحسب يؤدي إلى تراجع فوري للمعروض فيها، ويتم تعويض هذا النقص من تلك الأماكن التي لا يقر بها وجود سقف للإيجارات بما يجعل الإيجارات ترتفع على المستوى القومي.
بل وتظهر في بعض الدول سوق سوداء للإيجارات بأن يلجأ المؤجر إلى تحصيل مبالغ تفوق الإيجار المتفق عليه والمُثبت في عقد الإيجار، ويستخدم تجديد عقد الإيجار أو بعض الخدمات التي يتحكم فيها المالك، للضغط على المستأجر ودفعه للقبول بهذه الازدواجية في الأسعار.
التجربة السويدية
والبديل يبدو فيما يعرف بـ"التجربة السويدية" حيث أقرت استوكهولم منذ ستينيات القرن الماضي وضع حدود لزيادة الإيجارات على المستوى القومي وليس على مستوى مناطق بعينها، وذلك لتلافي العيوب المرتبطة بإقرار سقف للإيجارات على مستوى مدينة أو إحدى مناطقها.
وعلى الرغم من ذلك، ظهرت سلبيات أخرى لعل أهمها ما يعرف بـ"الإسكان النمطي" أي قلة المعروض من الإسكان الفاخر بشدة (حوالي 40%) قياسًا إلى بقية دول أوروبا، حيث يصبح الاستثمار الفاخر غير جاذب لأصحاب رؤوس الأموال.
كما أن وضع حد للإيجارات (وليكن 10 يوروات للمتر) ينفي "عنصر التميز" عن بعض العقارات، فإذا كان سعر السوق الحر في حي راق يزيد على ذلك كثيرًا فكل العقارات سيتم تأجيرها عند الحد الأقصى، بغض النظر عن تميز أي عقار (من حيث الموقع أو التشطيبات أو غيرهما).
ولذا يجب عمل مواءمة واضحة بين الخيارات الثلاثة المطروحة، وهي وضع سقف للإيجارات على المستوى القومي، أو على مستوى بعض المناطق، أو عدم وضع سقف على الإطلاق، مع ملاحظة أن لكل خيار منهم عيوبه ومميزاته، ليكون القرار في النهاية خاضعًا لظروف كل دولة وحالة اقتصادها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}