على الرغم من أن اتفاقية التجارة الحرة (جات) أقرت مبادئ حرية التجارة العالمية، من خلال التخلص من كافة أشكال القيود المباشرة في التبادل التجاري، مثل الجمارك، وغير المباشرة، مثل دعم الصناعات المحلية، فإن بعض أشكال الدعم لا تزال قائمة بأشكال مختلفة مثيرة للجدل والصراعات.
الدعم غير المباشر
ويشكل دعم الطاقة أحد أشهر أشكال الدعم الحكومي للقطاع الخاص، ومن ذلك ما تشير إليه تقديرات الحكومة الأمريكية حول قيام الحكومة الصينية ببيع الفحم بتخفيض يصل إلى 30-70% عن سعره العالمي للشركات الصناعية، ولا سيما تلك التي تعمل في مجالات تريد الصناعة تشجيعها مثل الحديد والصلب والبنية التحتية.
ولا شك أن الحصول على الطاقة بسعر زهيد يساعد الشركات الصناعية بشدة، ولعل ذلك هو أحد المسائل العالقة في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل اتهام الأولى للثانية بتقديم "دعم خفي" للمنتجين.
ويتميز هذا الشكل من أشكال الدعم بأنه "غير مباشر"، وبالتالي لا يثير الكثير من الشبهات في المؤسسات الدولية، وهو في ذلك يشبه الدعم الذي تقدمه ألمانيا للمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة من خلال إقامة مؤسسات بحثية تقدم منتجاتها البحثية للشركات الألمانية لتستطيع منافسة الشركات العملاقة.
وتقول دراسة للمكتب القومي الأمريكي للدراسات الاقتصادية إنه على الرغم من عدم وجود الدعم المباشر للصناعات في الولايات المتحدة فإن الحكومة تستغل أسلوب منح التعاقدات في محاولة لمنح شركات بعينها أو لدفعها للتوسع في أبحاث بعينها ولا سيما في مجالي الدفاع والبنية التحتية.
الدعم الضروري
وكثيرًا ما تصف المراجع الاقتصادية دعم المزارعين، وهو ما يحدث في غالبية دول العالم المتقدمة والنامية بالدعم "الضروري"، حيث تقل الربحية في المجالات الزراعية في الدول المتقدمة عن المجالات الصناعية بـ70%، وفي الدول النامية بـ40-50%.
لذا فإن عدم حصول المزارعين على دعم في الكثير من الدول حول العالم يعني ببساطة تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار منتجاته بشكل مضطرد قبل توازن العرض والطلب عند منطقة سعرية قد تفوق إمكانات الكثيرين وتتسبب في معاناتهم من الجوع أو سوء التغذية.
ويشير موقع "بالنس" إلى أن عدم حصول منتجي 3 محاصيل زراعية تحديدًا (القمح والذرة والأرز) على الدعم سيكون له آثار مدمرة إنسانيًا بسبب اعتماد العالم عليها في توليد ما يقرب من 80% من السعرات الحرارية.
طلب وهمي و"مُخدر"
وتشير دراسة للمكتب القومي للدراسات الاقتصادية الامريكي إلى أن الأزمة التي تعترض الشركات التي تحصل على الدعم تكمن في حصولها على "طلب وهمي" بسبب قدرتها على بيع السلع والخدمات بسعر أقل من الطبيعي لحصولها على الدعم.
وتضرب الدراسة المثل بصناعة السيارات في الاتحاد السوفيتي، ثم في جمهورية التشيك، فبسبب حصول الصناعة في الاتحاد السوفيتي على الطاقة مجانًا تقريبًا كانت الصناعة قادرة على منافسة نظيرتها الغربية، حيث لم تتحمل 30-40% من تكلفة الإنتاج، ولكن ذلك كان يعني أن الدولة كانت تقدم دعمًا غير مباشر للمستهلك الذي يشتري السيارات السوفيتية.
ولذلك تشير دراسة لـ"هارفارد" إلى أن الدعم يجب أن يكون لفترة محدودة وفي إطار برنامج زمني محدد حتى يكون مجديًا، وتضرب المثل بصناعة السيارات في البرازيل، حيث حصلت على دعم بدأ بحوالي 35% من تكلفة إنتاج السيارات.
ومن خلال برنامج استمر 15 عامًا (منذ عام 1993 وحتى 2008) تقلص الدعم تدريجيًا، وتغيرت صوره كذلك من دعم طاقة إلى إقرار تخفيضات ضريبية، وبحلول هذا التاريخ (2008) أصبحت البرازيل في صدارة الدول الناشئة في تصنيع السيارات دون التمتع بأي دعم حكومي بأي شكل من الأشكال.
فالدعم يجب أن يكون كـ"الدواء" الذي يعالج تأخر الصناعات، ولكن الاستمرار في منحه لفترات طويلة ودون تناقص في الجرعات سيجعله يتحول إلى "إدمان" ليتحول الأمر إلى "مُخدر" ضار لا دواء شاف.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}