نبض أرقام
09:32 م
توقيت مكة المكرمة

2024/12/20
2024/12/19

"وكأني أشعر بمصيبة قادمة" .. لماذا يصر المستثمرون على تقدير البلاء قبل وقوعه؟

2019/06/14 أرقام - خاص

في الأشهر السابقة على انتخابات الرئاسة المكسيكية التي جرت في يونيو من عام 2000، ظهر فجأة على الساحة السياسية وجه جديد آمن الكثير من المكسيكيين بقدرته على إنهاء سيطرة "الحزب الثوري المؤسساتي" الذي حكم المكسيك لأكثر من 80 عاماً وحلحلة قبضته على السلطة.


 

هذا الوجه الجديد هو "فيسينتي فوكس" مرشح حزب العمل الوطني المعارض والذي أظهرت استطلاعات الرأي في ذلك الوقت تفوقه على مرشح الحزب الثوري المؤسساتي الحاكم "فرانسيسكو أوتشوا"، وهو ما أغضب كثيراً قيادات الحزب الحاكم التي أقلقها احتمال خسارة مرشحهم.

 

قبل أسبوعين فقط من انعقاد الانتخابات خرج مرشح الحزب الحاكم على المكسيكيين ليعرب عن أمله ألا تقع أعمال شغب أو تسيل دماء في الشوارع إذا ما خسر حزبه الانتخابات، وهي التصريحات التي تم تفسيرها على أنها تهديد مستتر من "أوتشوا" رغم إنكاره لذلك.

 

على الفور وعلى إثر تلك التصريحات خسر سوق الأسهم المكسيكي 20% من قيمته السوقية وتراجعت قيمة البيزو بنفس النسبة خلال أسبوع واحد. فجأة أصبح العنف السياسي الذي كان غير محتمل قبل عدة أيام هو الاحتمال الأبرز والأقرب بالنسبة للمستثمرين ورجال الأعمال.

 

لكن بعد أسبوعين فقط، عُقدت الانتخابات وفاز "فوكس" مرشح المعارضة بفارق 6% من الأصوات. وعقب إعلان النتائج الرسمية مباشرة عقد "فوكس" مؤتمراً صحفياً أعرب خلاله عن ثقته في الاقتصاد المكسيكي وتعهد بمباشرة عدد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.


 

مرت الانتخابات بسلام ودون أي عنف أو أعمال شغب. وفي غضون يومين من إعلان النتيجة ارتد سوق الأسهم المكسيكي عاكساً خسائره واستعاد البيزو مستواه الذي كان عليه قبل أسبوعين.

 

الشاهد هو أن الضربة التي تعرض لها كل من سوق الأسهم والعملة المحلية كانت نتيجة خوف المستثمرين من العنف السياسي المحتمل الذي لم يحدث. والواقع في ذلك الوقت كان يشير إلى أن هذا الاحتمال ضئيل جداً، ورغم ذلك اعتبره المستثمرون الاحتمال الأبرز والأقرب لأن قدرتهم على تقييم الاحتمالات تأثرت بمشاعرهم وتحديداً الخوف.

 

لماذا نبالغ؟

 

في بيئة إشكالية ومليئة بالتحديات التي تتأثر بها عملية صنع القرار مثل سوق الأسهم، يرتكب أكثر الناس أخطاءً منهجية أثناء محاولتهم تقدير الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة ومآلاتها. وغالباً ما تكون هذه الأخطاء ناتجة عن التأثيرات المتحيزة لمشاعرهم أثناء تحليلهم للمعلومات الغامضة أو غير الواضحة.

 

نظراً لأننا كبشر بشكل عام، نقوم في أغلب الأحيان ببناء توقعاتنا للأحداث المستقبلية استناداً إلى كيفية تذكرنا لما حدث في الماضي فإننا نتأثر بشكل كبير بالأحداث الدرامية التي تترك انطباعاً قوياً في ذاكرتنا.


 

على سبيل المثال، يوجد لدى الكثير منا هاجس من حوادث وقوع وتحطم الطائرات النادرة جداً بسبب أنها تحظى باهتمام ضخم من وسائل الإعلام. كما يمكن لأي حدث دراماتيكي أو مؤلم في حياتنا أن يشوه تفكيرنا ويشل قدرتنا على اتخاذ القرار الصحيح.

 

إذا صادفتنا حادثة مرورية على الطريق أثناء ذهابنا للعمل، فسيرتفع لدينا احتمال حدوث واحدة لنا. وبالمثل، سيزيد خوفنا من احتمال الموت بالسرطان لو أن لدينا صديقا أو قريبا مات بسبب ذلك المرض.

 

في الواقع، إن أي شيء يشوه قدرتك على تذكر الأحداث بطريقة متوازنة سوف يشوه تقييمك لاحتمالية أي حدث. وهذا التأثير بالمناسبة عادة ما يكون في الاتجاهين. بمعنى أننا عادة ما نقلل بشكل مفرط من احتمالية الخسارة إذا كنا قد حققنا مكاسب للتو، وفي نفس الوقت نبالغ في احتمالية الخسارة عقب تكبدنا للخسائر.

 

ما احتمال انهيار السوق؟

 

في دراسة نشرها في عام 2016 أشار الاقتصادي الأمريكي الشهير الحائز على نوبل للعلوم الاقتصادية "روبرت شيلر" إلى أن المستثمرين الأفراد يبالغون في تقديراتهم لاحتمال انهيار السوق، وأن مخاوفهم تتصاعد بعد انخفاض السوق وليس قبل ذلك.

 

في إطار تلك الدراسة طُلب من مجموعة من المستثمرين تقدير احتمالية حدوث انهيار في سوق الأسهم الأمريكي يشبه ذلك الذي حدث في أكتوبر 1929 أو أكتوبر 1987 حين هبط السوق في يوم واحد بنحو 13 و23% على التوالي.

 

واقعياً، انهيار بهذا الحجم في يوم واحد من النادر جداً جداً حدوثه ولا يتجاوز احتمال وقوعه الـ1%. لكن المستثمرين المشاركين في ذلك الاستطلاع اعتبروا أن ذلك الحدث ممكن جداً وقدروا احتمال حدوثه بـ19% تقريباً، وهو تقدير غير منطقي بالمرة.

 

يشير "شيلر" إلى أن ذلك يحدث بسبب وقوع المستثمرين تحت تأثير أحد اختصار عقلي سماه دانييل كانيمان "التوافر الإرشادي" ((Availability Heuristic، وهو مبالغة الناس في إعطاء قيمة لمعلومة لمجرد أنها متوفرة لديهم بغض النظر عن مدى دقتها.


 

نحن نقع عادة في هذا الفخ عند محاولتنا تقييم احتمالية وقوع حدث ما، حيث نعطي قيمة أكبر للحدث الذي يسهل علينا تذكر أحداث مشابهة له وتتوفر لدينا أمثلة شبيهة به. بعبارة أخرى، عندما يحاول الناس تقييم احتمالات حدوث شيء ما فإنهم عادة ما يميلون إلى الاعتماد على الأحداث التي يتم استدعاؤها بسهولة.

 

توضح ذات الدراسة أن وسائل الإعلام لها دور كبير في هذا الوضع، وذلك لأنها تركز بشكل كبير على الأخبار السلبية للسوق وتوليها اهتماما لا تولي عشره حتى للأحداث الإيجابية التي قد يشهدها السوق. هذه التغطية غير المتوازنة تؤثر بشكل سلبي على مشاعرنا وهو ما يشوه أحكامنا الاحتمالية.

 

عندما تكون النتيجة ممكنة ولكن غير محتملة يميل الناس إلى المبالغة في تقدير فرصة حدوثها، وهذا ما يسمى "تأثير الممكن". وعندما تكون النتيجة محتملة يميل الناس للتقليل من احتمال حدوثها وهو ما يسمى "تأثير اليقين".

 

لماذا نكره الغموض؟

 

عادة ما يكون لدى المستثمرين ردود فعل مبالغ فيها إذا كانت النتائج المحتملة قابلة للتخيل. فإذا عدنا إلى القصة التي ذكرناها في بداية التقرير حول الانتخابات المكسيكية فسنجد أن مجرد احتمال حدوث أعمال شغب في مكسيكو سيتي جعل صور العنف والفوضى والدمار وسفك الدماء تقفز في أذهان الناس ولا تفارق مخيلتهم.

 

لكن بما أن المستقبل مجهول والسوق تتغير ديناميكياته باستمرار فإن الماضي لا يمكنه أن ينبئنا أبداً بالمستقبل بشكل سليم.


 

الناس بشكل عام يكرهون الغموض، لأنه يشعرهم بعدم الراحة، ولذلك يلجؤون لاستخدام آلية الدفاع العاطفي التي تدفعهم بدورها للمبالغة في تقدير مخاطر البيانات الغامضة. وأثناء سعيهم للتخلص من هذا الوضع غير المريح يبالغون في تقدير احتمالية حدوث الأحداث السيئة لأنه يسهل تذكرها، وما دام كان من السهل تذكرها فهذه الأحداث يتم ذكرها أمامهم كثيراً، وما دام تُذكر فهي تحدث كثيراً مقارنة بغيرها.

 

ما نريد قوله باختصار هو أن سيناريو الكارثة الذي يسيطر على أذهان الكثير من المستثمرين ممكن (نظرياً) ولكنه يظل غير محتمل (عملياً). وكما أشارت دراسة "شيلر"، فإن الخوف من تراجع السوق قد يكون أكثر تكلفة للمستثمرين من التراجع نفسه.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.