نبض أرقام
02:23
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

بلمسة سحرية .. كيف يتم التلاعب بالدخل التشغيلي وخداع المساهمين؟

2019/06/21 أرقام - خاص

عندما يريد السحرة أو أصحاب خفة اليد إبهار الناس، يقومون بإخراج الأرنب من القبعة بعد أن يضربوه بعصاهم السحرية بينما يقولون تعويذتهم الشهيرة "أبراكادبرا".

 

ولكن هناك من يتفوق على هؤلاء السحرة ويقدم عرضاً أكثر إبهاراً من ذلك بكثير، ونحن هنا نقصد المسؤولين التنفيذيين في الشركات المدرجة بالبورصة، الذين لديهم طرقهم الخاصة في إنشاء شيء من اللاشيء عندما يتعلق الأمر بالأرباح والإيرادات المبلغ عنها في التقارير المالية.

 

 

وعلى عكس السحرة، لا يحتاج المسؤولون التنفيذيون إلى عصا سحرية أو إلى التمتمة بأي تعويذة لخداع المستثمرين وبيع الوهم لهم، بل كل ما يحتاجون إليه هو بعض الأساليب البسيطة التي تشمل على سبيل المثال التلاعب ببند المكاسب المحققة لمرة واحدة أي غير المتكررة في عملية أشبه بإخراج الساحر للأرنب من قبعته.

 

وللأسف تلجأ الكثير من الشركات المتعثرة مالياً إلى اتباع بعض الأساليب التي تجعل نتائجها المالية تبدو أفضل مما هي عليه في الواقع باستخدام المكاسب المحققة لمرة واحدة والتي هي بالأساس مكاسب غير مستدامة، في تضليل واضح ومتعمد من قبل الإدارة للمستثمرين.

 

 

والمشكلة هي أن المستثمرين عند محاولتهم تقييم أداء أي شركة يركزون بشكل كبير على تحليل الإيرادات الناتجة عن العمليات الأساسية للشركة (الدخل التشغيلي)، ويتجاهلون بشكل غريب المكاسب والخسائر الناتجة عن مبيعات الأصول والاستثمارات وغير ذلك من المصادر غير المرتبطة بأعمال الشركة الأساسية (الدخل غير التشغيلي) رغم أهميتها الكبيرة.

 

بداية الفساد

 

في أواخر تسعينيات القرن الماضي وفي خضم فقاعة "دوت كوم" جذبت شركات التكنولوجيا الناشئة انتباه أغلب المستثمرين، في حين أن شركات التكنولوجيا الكبيرة كانت تصارع من أجل استعادة بريقها. في ذلك الوقت كانت إضافة كلمة "دوت كوم" إلى نهاية اسم أي شركة كفيل برفع سعر السهم إلى مستويات غير مبررة.

 

لم يكن الأداء الاقتصادي الفعلي والحالة الصحية لأساسيات الشركات محل اهتمام الأغلبية الكاسحة من جمهور المستثمرين والذي كان يعاني من غياب شبه تام للوعي والمنطق وتسيطر عليه أوهام النمو المجنون لأسعار أسهم تلك الشركات.

 

 

بعض هذه الشركات ازدهر، مثل "ياهو"، بينما انزوت أخرى في عباءة شركات كبرى في السوق كما حدث في صفقة اندماج "إيه أو إل" مع "تايم وارنر". ولكن أغلب هذه الشركات خرج من السوق، وربما أشهرها "إي تويز" التي أعلنت إفلاسها في عام 2001، وذلك بعد عامين فقط من بلوغ قيمتها السوقية نحو 11 مليار دولار.

 

اهتمام المستثمرين المبالغ فيه بالشركات الناشئة في ذلك الوقت وضع الكثير من الضغوط على شركات التكنولوجيا الكبيرة، وهو ما أدى إلى تورط بعضها في أنشطة تهدف لخداع السوق وإظهار الوضع المالي للشركة بشكل أفضل مما هو عليه بالفعل. وهذا هو ما فعله عملاق البرمجيات الأمريكي "آي بي إم".

 

كيف تتلاعب بالمساهمين بسهولة؟

 

في عام 1999 واجهت شركة "آي بي إم" وضعاً صعباً، بعد أن زادت التكاليف بمعدل أسرع من الإيرادات. فقد ارتفعت تكلفة السلع والخدمات (COGS) بنسبة 9.5% في حين نمت الإيرادات بمعدل بلغ 7.2%، مما أدى إلى انخفاض هامش الربح الإجمالي.

 

ورغم ذلك، قفزت الأرباح التشغيلية للشركة قبل احتساب الضريبة بشكل ما بنسبة 30%! هذا التباين الكبير بين معدل نمو الإيرادات وبين معدل نمو الدخل التشغيلي كان من المفترض أن يثير الشك لدى أي مستثمر دؤوب حريص على مصلحته، ويدفعه للبحث عن السبب ليتمكن من معرفة كيف حدث هذا.

 

 

ما سنفعله الآن هو بالضبط ما كان يجب على مستثمري الشركة الأمريكية فعله في ذلك الوقت. ولكن على أي حال، انظر إلى قائمة الدخل الخاصة بالشركة والصادرة منها عن أنشطتها خلال عام 1999.

 

قائمة الدخل الخاصة بعام 1999 الصادرة عن شركة "آي بي إم" بالمليون دولار

البند

عام 1998

عام 1999

نسبة التغير

الدخل

81667

87548

7.2 %

تكلفة السلع والخدمات

(50795)

(55916)

9.5 %

الربح الإجمالي

30872

31929

3.4 %

المصروفات الإدارية والعمومية

(16662)

(14729)

(11.6 %)

البحث والتطوير

(5046)

(5273)

4.5 %

الدخل التشغيلي

9164

11927

30.2 %

مصاريف غير تشغيلية

(124)

(170)

--

صافي الدخل قبل احتساب الضريبة

9040

11757

30 %

الضريبة

(2712)

(4045)

--

صافي الدخل

6328

7712

21.9 %

 

أول شيء تستطيع أن تلاحظه بسهولة وبمجرد النظر هو التباين الواضح والغريب بين معدلي نمو بندي "المصروفات الإدارية والعمومية" و"تكلفة السلع والخدمات". فالأول انخفض بنسبة 11.6% في حين أن الثاني نما بنسبة 9.5%.

 

أما الملاحظة الثانية فهي أن نمو كل من الدخل التشغيلي وصافي الدخل قبل احتساب الضرائب بمعدل 30% لكل منهما يبدو غريبا ومفاجئا بالنظر إلى أن المبيعات نفسها لم تنم بأكثر من 7.2%.

 

والتفسير الوحيد للنمو الكبير الذي شهده هذان البندان في قائمة الدخل هو أن هناك مكاسب غير متكررة كبيرة ضمتها الشركة بشكل ما إلى دخلها التشغيلي وأخفتها عن الأنظار في نفس الوقت.

 

وهذا فعلاً ما حدث. ففي الجزء الخاص بالإيضاحات في تقرير البيانات المالية الصادر عن الشركة، أشارت "آي بي إم" إلى تحقيقها ربحاً قدره 4.1 مليار دولار من بيع شبكتها العالمية لصالح شركة الاتصالات الأمريكية "إيه تي آند تي" مقابل 5 مليارات دولار في أغسطس 1998.

 

 

لكن المشكلة هي أن "آي بي إم" قامت باستخدام تلك المكاسب في تحسين دخلها التشغيلي وذلك من خلال خفض قيمة بند "المصروفات الإدارية والعمومية" بذلك المبلغ. وهكذا قامت "آي بي إم" بإخفاء وضعها المالي المتدهور بطريقة سحرية عن أعين المستثمرين، وبالتحديد أولئك الذين لا يهتمون بالتفاصيل منهم.

 

إذا نظرنا إلى الجدول التالي الذي قمنا خلاله بتعديل نتائج "آي بي إم" من خلال إزالة أثر المكاسب المحققة لمرة واحدة سنلاحظ كيف ستتغير الصورة تماماً.

 

قائمة دخل شركة "آي بي إم" (المعدلة) بالمليون دولار

البند

1999 (الصادرة عن الشركة)

1998 (المعدلة)

نسبة التغير

الدخل

87548

81667

7.2 %

تكلفة السلع والخدمات

(55916)

(50975)

9.5 %

الربح الإجمالي

31929

30872

3.4 %

المصروفات الإدارية والعمومية

(18786)

(16662)

12.7 %

البحث والتطوير

(5273)

(5046)

4.5 %

الدخل التشغيلي

7870

9164

(14.1 %)

مصاريف غير تشغيلية

(170)

(124)

--

صافي الدخل قبل احتساب الضريبة

7700

9040

(14.8 %)

الضريبة (معدل 34.4%)

(2694)

(2712)

--

صافي الدخل

5051

6328

(20.2 

 

كما يوضح الجدول، تبدو نتائج "آي بي إم" بعد إزالة المكاسب المحققة لمرة واحدة مروعة للغاية إذا قارنها مع الأرقام الصادرة عن الشركة. فإزالة المكاسب الهائلة التي تم خصمها بشكل غير صحيح من بند المصروفات الإدارية والعمومية من شأنه أن يتسبب في ارتفاع قيمة ذلك البند من 14.7 مليار دولار إلى 18.8 مليار دولار.

 

في الوقت نفسه، سينخفض الدخل التشغيلي الخاص بالشركة بنفس المبلغ، ليتراجع من 11.9 مليار دولار إلى 7.9 مليار دولار. أي أن كلا من الدخل التشغيلي وصافي الدخل قبل احتساب الضريبة ستنخفض قيمتهما بـ4.1 مليار دولار.

 

إذا استطلعت التغير الذي شهدته بقية البنود بعد التعديل ستلاحظ الاختلافات المثيرة بوضوح. ففي الواقع ارتفعت المصاريف الإدارية والعمومية بنسبة 12.7% ( ولم تنخفض بنسبة 11.6% كما ادعت الشركة)، كما انخفض كل من الدخل التشغيلي وصافي الدخل قبل احتساب الضرائب بنسبة 14.1% و14.8% على التوالي (بدلاً من الزيادات التي أشارت إليها الشركة والبالغة 30.2% و30% على التوالي).

 

خلط الحابل بالنابل

 

ما فعلته "آي بي إم" فعلته قبلها شركة "بوسطن تشيكن" مالكة حقوق الامتياز الخاصة بسلسلة المطاعم الشهيرة "بوسطن ماركت"، والتي استخدمت إيراداتها من أنشطة الاستثمار، وتحديداً الفوائد التي كانت تجمعها من المدينين في تحسين شكل دخلها التشغيلي الذي كان في أسوأ حالاته.

 

فوائد الديون لا تعامل كدخل تشغيلي إلا من قبل البنوك والشركات المالية الأخرى، لأن هذا جزء من نشاطها الأساسي، وذلك على عكس شركة مثل "بوسطن تشيكن" التي هي بالأساس شركة مطاعم. وبالتالي فإن الفوائد التي تحصلها عن الديون التي أقرضتها لأصحاب الامتياز لا يمكن معاملتها كدخل تشغيلي وإنما يجب أن تعامل كدخل استثماري.

 

لكن "بوسطن تشكين" لم تأبه بذلك وضمت دخلها الاستثماري إلى دخلها التشغيلي، ونتيجة لذلك فشل العديد من المستثمرين في ملاحظة أن النشاط الأساسي للشركة الأمريكية يحقق فعلياً خسائر كبيرة.

 

 

في الواقع، كان مصدر جميع أرباح الشركة تقريباً من أنشطة لا علاقة لها بأعمالها الأساسية مثل إيرادات الفوائد المحصلة عن القروض ورسوم الخدمات المختلفة المفروضة على أصحاب الامتياز.

 

المدهش هو أن التقرير المالي الصادر عن الشركة في عام 1996 شمل إشارة تحذيرية شديدة الوضوح، ولكن للأسف لم ينتبه إليها أغلب المستثمرين وهي إشارة الشركة إلى أن المطاعم المملوكة للامتياز تسجل خسائر كبيرة. فقد ارتفعت خسائر تلك المطاعم من 148.3 مليون دولار في عام 1995 إلى 156.5 مليون دولار في 1996.

 

الآن، لدينا شركة مالكة لحقوق الامتياز بالإضافة إلى بعض المطاعم تقول إنها تسجل أرباحاً كبيرة، في حين أن المطاعم ذاتها تسجل خسائر ضخمة، فكيف يستقيم الأمر؟ بالتأكيد هناك شيء ما خاطئ، لأن هذا الوضع غير طبيعي على الإطلاق، وأي مستثمر لديه قدر قليل من المنطق يجب أن يتساءل كيف يمكن لـ"بوسطن تشيكن" صاحبة حقوق الامتياز أن تحقق مثل هذه الأرباح؟

 

الإجابة كان من السهل التعرف عليها من خلال النظر إلى القوائم المالية الخاصة بالشركة بعين فاحصة.

 

ببساطة لم يكن المصدر الرئيسي لإيرادات الشركة عملاء المطاعم بل أصحاب الامتياز أنفسهم. فما حدث هو أن "بوسطن تشيكن" قامت في البداية بجمع المال من سوق الأوراق المالية في صورة أسهم وسندات، قبل أن تقرض ذلك المال إلى أصحاب الامتياز.

 

 

وعندما بدأ مؤجرو حقوق الامتياز في سداد تلك القروض وفوائدها، سجلتها "بوسطن تشيكن" باعتبارها دخلا تشغيليا، وهو ما ينافي الحقيقة. فهذه الأموال لا علاقة لها من قريب أو بعيد بنشاط الشركة الأساسي.

 

شكلت فوائد تلك القروض الجزء الأكبر من الدخل التشغيلي للشركة. ونظراً لأنه تم خلط هذه الأموال مع إيرادات مبيعات المطاعم كان اكتشاف ذلك التلاعب صعباً بعض الشيء، ولكنه لم يكن مستحيلاً على المستثمر الحذر الذي ينظر أين يضع قدميه قبل أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة