في وقت مبكر من صباح يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016، في أثناء التعاملات الآسيوية وقبل افتتاح الأسواق الأوروبية، تفاجأ المتداولون في سوق العملات والعالم أجمع، بهبوط قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار بأكثر من 6% خلال دقائق قليلة، ما دفعه إلى أدنى مستوياته في 31 عامًا، وعُرف آنذاك بـ"الانهيار الخاطف للباوند".
لم تكن تلك الحادثة الوحيدة أو الأخيرة من نوعها، فمؤخرًا، وتحديدًا في صباح اليوم الثالث لعام 2019، شهدت الجلسة الآسيوية جموحًا في حركة الين، وفي غضون سبع دقائق فقط، قفزت العملة اليابانية 8% أمام الدولار الأسترالي، مسجلة أعلى مستوى منذ عام 2009.
وفي الوقت ذاته، زادت العملة اليابانية بنسبة 10% مقابل الليرة التركية، فيما ارتفعت بنسبة 1% مقابل سلة من 10 عملات رئيسية، وهو ما وصفه المتعاملون بأنه انهيار خاطف -للعملات المتراجعة- آخر في سوق العملات.
كيف يحدث؟
- بحسب "إنفستوبيديا" فإن الانهيار الخاطف حدث محتمل الوقوع في التعاملات الإلكترونية ويؤدي (بسبب أوامر الحد من الخسارة) إلى تضخيم الخسائر، حيث تكون النتيجة عمليات بيعية سريعة قد تستغرق دقائق معدودة فقط، متسببة في تراجع حاد لقيمة الأصل.
- يمكن لحالات الانهيار الخاطف أن تعطل العمل في البورصات الرئيسية مثل بورصة نيويورك، التي شهدت حوادث مشابهة أوقفت خلالها التداولات لحين تطابق أوامر الشراء مع البيع، حتى يمكنها استئناف التداولات بشكل منظم.
- عادة ما يصعب تفسير أسباب الانهيارات الخاطفة (التي يعقبها تعاف نسبي سريع من الخسائر)، وفي بعض الأوقات تلتزم السلطات الرسمية الصمت إزاء هذه الحوادث، لكن الكثيرين يميلون إلى إلقاء اللوم على الخوارزميات التي تنفذ الأوامر بشكل تلقائي.
- ما أن يبدأ التراجع في قيمة أصل ما حتى تتسارع وتيرة الهبوط بفعل أوامر وقف الخسارة الإلكترونية، حيث تبدأ الخوارزميات المبرمجة مسبقًا التحرك سريعًا لتجنب خسائر جراء انخفاض القيمة، متسببة في ضغوط هبوطية أكبر على الأصل، في حالة تشبع عمليات البيع المكثف التي يجريها البشر في أسواق الأوراق المالية.
- بالنسبة لهبوط الدولار الأسترالي والليرة أمام الين مطلع هذا العام، برر المتداولون ذلك بأوامر البيع التي طالت العملتين، بينما أشار البعض إلى أن نفور المستثمرين من المخاطرة بعد الأداء السيئ لسهم "آبل" التي خفضت توقعاتها للمبيعات، لكن على أي حال تفاقمت الخسائر في النهاية بفعل نشاط الخوارزميات وضعف السيولة وإغلاق الأسواق في اليابان للعطلة، بحسب "بلومبرج".
هل يحدث في سوق العملات فقط؟
- الانهيار الخاطف أو التحركات الجامحة المفاجئة لا تقتصر فقط على سوق العملات، بل تمتد إلى كل الأصول التي يمكن تداولها بشكل إلكتروني، مثل الأسهم وحتى العملات الرقمية.
- من بين أشهر الانهيارات الخاطفة على الإطلاق، كونها محت قيمة الأصل كاملة تقريبًا، كان هبوط العملة الرقمية "إثيريوم" من 319 دولارًا إلى 10 سنتات خلال ثوان معدودة، ورغم الشكوك في وجود نشاط غير قانوني بالبورصات، وجه المختصون اللوم إلى أوامر وقف الخسارة التلقائية.
- خلال تعاملات الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران عام 2017، تم تداول العملة الرقمية بين النطاق 319 دولارًا و225 دولارًا، ومع انخفاضها بدأ تنفيذ مئات الأوامر البيعية بغرض وقف الخسارة وهو ما سرع وتيرة هبوط "إثيريوم" إلى أن كادت تفقد كامل قيمتها تمامًا.
- في السادس من مايو/ أيار عام 2010، فقد مؤشر "داو جونز" قرابة 9% من قيمته، في انهيار خاطف استغرق عشر دقائق ليمحو مئات المليارات من الدولارات من قيمة أسهم شركات مثل "بروكتور آند غامبل" و"جنرال إلكتريك"، لكنه قلص خسائره سريعًا وأغلق منخفضًا 3% فقط.
- خلال جلسة السادس من فبراير/ شباط 2018، والتي كانت من بين الأسوأ في تاريخ سوق الأسهم الأمريكي، هبط مؤشر "داو جونز" بنحو 800 نقطة في غضون 10 دقائق، وأُلقي باللائمة آنذاك على الحواسيب المبرمجة لتداول عدد كبير من الأسهم وبسرعة عالية وهو ما يكون له تأثير الدومينو عند بدء تنفيذ أوامر وقف الخسارة.
- في سوق السندات، هناك انهيار خاطف شهير أيضًا، ففي الخامس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014، انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات من 2.0% إلى 1.873% خلال دقائق، وكانت تلك وتيرة الهبوط اليومي الأكبر منذ عام 2009.
- اتهمت أطراف السوق الخوارزميات المسؤولة عن إجراء ما يقرب من 15% من التداولات الخاصة بسندات الخزانة، بالتسبب في هذا الانهيار الخاطف، وقالوا إنها عمقت من رد فعل السوق متسببة في تضخيم الخسائر.
- تقول "ماركت ووتش" في تقرير لها: يستغرق الأمر 300 ملي ثانية كي ينهار سهم من 10 دولارات إلى 0.0001 دولار ثم يتعافى مجددًا، وهو ما حدث لسهم شركة البرمجيات "كواليس" قبل سنوات، في واقعة شائعة تحدث في سوق الأسهم الأمريكي 12 مرة يوميًا.
دور المنظمين
- مع الاعتماد المتزايد على الحواسيب وخوارزمياتها المعقدة في تداول الأوراق المالية والأصول، ازدادت مواطن الخلل والأخطاء التقنية وحتى الانهيارات الخاطفة، ومع ذلك فإن البورصات العالمية مثل "نيويورك" و"ناسداك" و"سي إم إي" وضعت ضوابط وآليات أمنية لمنع الخسائر الهائلة، فرغم أنه لا يمكن منع هذه الحوادث إلا أن المشغلين استطاعوا تخفيف آثارها.
- كتب رجل الأعمال والسيناتور السابق "تيد كاوفمان" في مقال نشرته "فورتشن" عام 2016: وضعت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية نظامًا لوقف التداول أثناء التقلبات الحادة في 2010، لكنه لم يكن سوى إسعافات أولية للأسوق، وهو ما تأكد في عام 2015.
- في جلسة الرابع والعشرين من أغسطس/ آب عام 2015، شهدت الأسهم الأمريكية سقوطًا حرًا، ولم يكن للنظام الجديد أثر كبير، وهبطت أسهم مثل "جيه بي مورجان" و"فورد" بأكثر من 20%، فيما تراجع سهم "كيه كيه آر" بنحو 50%.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}