"على الرغم من تحفظات البعض على نظام السوق الحرة، إلا أن قدرته على تحفيز النمو الاقتصادي هي أفضل "أمل" في إيجاد حلول للمشاكل العديدة في العالم بداية من الفقر وصولاً إلى تغير المناخ ولا أعتقد أن هناك مجالًا للتكتيك في ذلك".
عيوب الرأسمالية
هذا ما يؤكده "كولين ماير" في كتابه "الرفاهية: الأعمال الأفضل تعمل لأجل الصالح العام"، داعيًا أي شخص يشك في ذلك أن ينظر في تجربة الصين منذ إصلاحات سوق دنغ شياو بينغ في أواخر السبعينيات، حيث تم انتشال أكثر من 500 مليون شخص من براثن الفقر، وعلى مدار الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، كانت الصين أسرع اقتصادات العالم نمواً.
ومع ذلك، فإن النظام الرأسمالي للسوق الحرة الذي يدعم الطريقة التي نمارس بها أعمالنا يشوبه الكثير من العيوب، حتى أنه قد يفشل تماما في بعض الأحيان، ولعل أوضح مثال على ذلك هو ركود عام 2008.
كما يمكن أن يتسبب النظام الرأسمالى الحالي في خلق التفاوت الشديد في الثروة والدخل الشخصي، وما لم يتم تقنين ممارساته، فإنه من الممكن أن يسعى النظام الرأسمالي إلى تحقيق أهدافه مدفوعاً بتحقيق الأرباح فقط بغض النظر عما يمكن أن تخلفه تلك الممارسات من مشكلات وصدامات مع القيم المجتمعية أو الصالح العام.
ويضرب "ماير" مثالًا ببيع السيارات الملوثة والتي تتعارض مع مصلحة المجتمع بشكل أكبر، وقد أثارت تلك العيوب القلق في السنوات الأخيرة، حيث أدت العولمة المتحالفة مع التقدم السريع في التكنولوجيا إلى زيادة كبيرة في عدد وحجم وقوة الشركات متعددة الجنسيات وتأثيرها على حياتنا والتي لا تخضع سياساتها لأي حكومة.
الأولوية للمساهمين
وتضيف القصص العادية للمديرين التنفيذيين الجشعين والممارسات الاحتيالية شعورًا بأن النظام متكاتف ضد الفرد العادي مما أدى بدوره إلى تزايد عدم ثقة الجمهور في الشركات التجارية، فضلاً عن ظهور سياسيين كبار في أوروبا وأمريكا يدعون إلى التغيير بدءاً من الرئيس ماكرون وإليزابيث وارن وحتى حزب المعارضة الرئيسي في المملكة المتحدة الذي أصبح ينتخب قادة يطالبون علنًا بإنهاء الرأسمالية.
ويشير الكاتب إلى مقولة في رواية (ليوبارد) الشهيرة القائلة بأن "كل شيء يجب أن يتغير حتى يتسنى لكل شيء أن يظل كما هو" مشيرًا إلى أنها تنطبق على نظام السوق الحرة وضرورة تغيره أو بالأحرى تغير تفاصيله ليحقق سعيه "المعلن" للازدهار.
وعلى ذلك، كما يحتاج قادة الأعمال إلى إيجاد رد موثوق على الانتقادات المتزايدة بشكل عاجل، حيث فشل المدافعون عن الرأسمالية في إيجاد صوت مقنع أو تقديم أي طرق مميزة لتحسين كيفية فهم الأعمال حتى الآن.
ويرى "ماير" أن الغرض العام للشركات "تآكل تدريجيًا بسبب أولوية المساهمين" مما أدى إلى السعي وراء الربح وحده كهدف للأعمال. ويقول إن هذا لم يعد قابلاً للتطبيق و"يحتاج التفكير في الأعمال والتعليم للمضي قدمًا في تحديد هدف يتوافق مع نشاطها ودورها في المجتمع".
تعديل إجباري للمسار
وعلى الرغم من تأكيده على أن الشركات التجارية هي أدوات قوية لتعزيز رفاهية الإنسان، يدعو "ماير" إلى إعادة صياغة إطار (الشركة) التي ترتكز على القيم والأهداف التي تشمل الصالح الاجتماعي العام.
كما يدعو إلى تركز الملكية في أيدي المستثمرين الذين لديهم مصلحة حقيقية في الاستدامة طويلة الأجل وفي حوكمة الشركات التي تحمّل قادة الأعمال مسؤولية تحديد أهداف الشركات وتحقيقها .
ويصبح من الممكن بعد ذلك تخيل عالم من "الأشخاص والشركات الذين يسعون لتحقيق الأهداف التي يمكّنها القانون وفي نفس الوقت يضع عليها القيود، ويلزمها بالتنظيم والشراكة مع الحكومة" لتتحقق الاستفادة من الإمكانات الكاملة للشركات، وتستطيع –في الوقت نفسه- المساهمة في الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للجميع.
ويدعو "ماير" لتطبيق فكرته بشكل عملي وألا تقتصر حوافز الحكومات للشركات على التبرعات الخيرية فقط، وذلك من خلال التخفيضات الضريبية، ولكن تمتد لتشمل برامج التشغيل والتعليم ومراعاة البيئة، متبنيًا فرض "ضريبة الكربون" التي تستهدف تلك الشركات التي تسهم بصورة أكبر من غيرها في التلوث البيئي.
ويختتم "ماير" كتابه بالتأكيد على أن الوسيلة الوحيدة لكي تعدّل الشركات من سلوكها الحالي هو أن تصبح تكلفة مراعاتها للمصلحة العامة أقل من تكلفة عدم تحملها لها، بما يستلزمه ذلك من إصدار تشريعات ولوائح تسمح بمنح الأفضلية لـ"هؤلا الذين يهتمون بغيرهم".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}