أكد الخبراء ان اكتشاف حقل نفطي عملاق في خليج المكسيك مؤخرا يمثل دليلا دامغا على ان النفط يوجد في اعماق الارض وانه يتشكل بصورة طبيعية على اساس غير منقطع، واشار الخبراء الى ان تلك المنطقة كانت قد شهدت نضوب النفط فيها قبل سنوات وعادت مجموعة شركات نفطية لتعلن من جديد اكتشاف واحد من اضخم حقول النفط في المكسيك والذي من شأنه ان يزيد من حجم الامدادات النفطية للولايات المتحدة بنسبة 50%.
وهذا ما أكدته ندوة نظمها المكتب الاعلامي لنائب رئيس الوزراء الاماراتي الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان في شهر يوليو من العام الحالي في ابوظبي حول مسألة أصل النفط ومستقبله، حيث قالت ان النفط مادة عضوية تتجدد في اعماق الارض ولاتنضب. وقال الخبير النفطي جيروم كورسي في معرض تعليقه على اكتشاف حقل النفط في خليج المكسيك في 6 من شهر سبتمبر الجاري ان النفط ليس من انتاج بقايا الحياة النباتية والحيوانية القديمة وانما تقوم الارض بانتاجها بصورة طبيعية.
واضاف قائلا: لطالما رفضنا النظريات القائلة إن الغاز والنفط منتجان بيولوجيان، وأشار بهذا الصدد الى ان اكتشاف شركة شيفرون هذا بخليج المكسيك يؤكد رأينا القائل بان الخليج يعد مصدرا ضخما للنفط والغاز الطبيعي ويدعم الخبيرين كورسي وكريغ سميث نظرية طورها احد العلماء في الاتحاد السوفياتي السابق في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي وهو البروفيسور نيكولاي كودريافتيس تفيد بان النفط يعد منتجا غير عضوي في عمق الارض. ومنذ أن تم اكتشاف النفط في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم يتوقف ظهور النظريات الجديدة حول كيفية تكوّنه في باطن الأرض. وإذا كان العلماء متفقين على أن النفط الطبيعي هو عبارة عن خليط من الهيدروكربونات التي في أغلبها سلاسل مستقيمة بأربطة أحادية «مشبعة»، إلاّ أنهم مختلفون حول الطريقة التي تكوّن بها. وكانت إحدى النظريات التي راجت كثيراً تقول، إن منشأ النفط هو بقايا كائنات عضوية «إنسان أو حيوان» كأن يكون قد حدث موت جماعي لقطيع من الحيوان في مكان ما وبفعل عوامل الطبيعة من حتّ وتعرية. فقد اندفنت أشلاء هذا القطيع في الأرض وتفسّخت في أحواض وتحوّلت مع مرور الزمن إلى نفط. أو كأن يكون قد حدث زلزال مفاجئ لمدينة عامرة بالسكان والحيوانات، فاندفنت هذه الأحياء تحت الأرض ومن ثم تحوّلت إلى نفط. لكن نظرية أخرى تبناها العالِم الكيميائي الروسي الشهير ديميتري مندليف الذي وضع الجدول الدوري للعناصر، تقول، إن النفط مادة من أصل غير عضوي، بل إنه نشأن من جراء تفاعلات كيماوية بين عناصر مختلفة في أعماق الأرض.
وقد استشهد العالِم مندليف على قوله هذا، إن الدراسات الجيولوجية في روسيا أثبتت أن هناك حقلاً نفطياً في سيبيريا قد تشكّل حديثاً. ومعنى ذلك أن النفط لن ينتهي من الأرض، بل هو في حالة تشكّل مستمرة ولا نهائية. والواقع أن هذه النظرية فيها الكثير من الواقعية، خاصة إذا عرفنا أن الأرض تشكّلت من مواد جاءت من أعماق الكون، وكانت هذه المواد عبارة عن خليط من الروابط اللاعضوية البسيطة التي كانت تحتوي بدورها جميع العناصر الموجودة اليوم على سطح الأرض. وكانت هذه العناصر قد انبثقت بدورها عن العنصر البدئي «الهيدروجين» أول وأخفّ العناصر. وهذا العنصر البدئي كان العنصر الأول والوحيد الذي انطلق عن البدء، عن الانفجار الكوني الأول، وقد بدأ كل شيء بالهيدروجين، ومن تحويرات الهيدروجين تشكّلت بقية العناصر التي دخلت في روابط كيماوية مع بعضها في الأرض، فتشكّلت المعادن والفلزات، وتشكّل النفط. ولما كانت العناصر التي تشكّل النفط بسببها ما زالت موجودة في الأرض، فإن احتمال دخول هذه العناصر في تفاعلات مستمرة مع بعضها يبقى أمراً قائماً. ومن هنا، فإن هناك احتمالاً كبيراً في أن يبقى النفط في حالة تشكّل مستمرة، وبالتالي أن يستمر وجوده في الأرض إلى ما لا نهاية. لكن لا شك أن هذه النظرية تحتاج إلى البرهان القاطع لتأكيد صحتها وهناك الآن شبه إجماع عالمي على أن النفط سينتهي من الوجود بنهاية القرن الحالي، وهذا يعني أن النفط ليس في حالة تشكّل مستمرة مثل طائر الفينيق كلما احترق عاد إلى الوجود، بل إن خزاناته في الأرض محدودة وما إن تفرغ هذه الخزانات حتى ينتهي عصر النفط إلى الأبد. فهل سيشهد الإنسان - يا ترى - انتهاء عصر النفط، أم أن نظرية التكوّن المستمر للنفط ستثبت أنها حقيقة وليست خيالاً. إن هذه الأسئلة هي التي دعتنا إلى التفكير بعقد ندوة حول مستقبل النفط وكان الدكتور كونسطونتين ب. دوداريف، الخبير الروسي في شؤون النفط والغاز قد قال امام الندوة التي نظمها المكتب الاعلامي لنائب رئيس الوزراء الاماراتي في ابوظبي يوليو الماضي، إن معظم الأكاديميين والسياسيين والاقتصاديين يعتقدون بحزم أن موارد الهيدروكربون قابلة للنضوب بالرغم من أن وجهة النظر السائدة هذه لم تكن فريدة أو غير قابلة للجدل، مشيرا إلى أن نظرية الأصل العضوي تفترض أن النفط قد تشكل في الماضي السحيق من جراء عملية تحول للمواد العضوية الميتة المتراكمة في طبقات رسوبية والمتمركزة في بنيات جيولوجية مسامية مغطاة بطبقات كثيفة من التربة والتي تسمى «صخور مصطبية».
وتطرق إلى نظرية المنشأ غير العضوي للنفط لافتا إلى أن المواد الهيدروكربونية وفق هذه النظرية هي في تشكل مستمر نتيجة اتحاد الكربون مع الهيدروجين في أعماق الأرض تحت درجة حرارة وضغط هائلين في الطبقات العميقة لجوف وغلاف الأرض لينساب نحو الأعلى مجدداً بذلك تعبئة المستودعات الموجودة باستمرار. وحيث أن مصادر الكربون والهيدروجين المطلوبين لتشكيـل النفـط موجودان في الأرض والجو بلا حدود، فإن كافـة الحوارات والنقاشات حول النضـوب السـريـع المحتمـل للنفـط والغاز الطبيعـي تفقد صحتها. ونوه بأن الدليل الذي أصبح سائداً بشكل أكبر من ذي قبل يؤيد وجهة النظر التي تفترض تجديد تعبئة مستودعات النفط الأصلية في حقول النفط التي بصدد التطوير كما يحدث الآن بفضل نزوح النفط بشكل عمودي نحو الأعلى من مناطق أعمق لجوف الأرض.
وتحدّث السيد دوداريف عن العالم الروسي ديمتري مندليف، الذي كان أول من استنتج أن «نظرية الأصل العضوي» مشكوك بها وقدّم بالمقابل نظرية المنشأ غير العضوي للبترول التي أعلنها في اجتماع الجمعية الروسية للكيمياء في 15 أكتوبر 1876. ووفقاً لهذه النظرية، فإن البترول هو منتج ناشئ عن تفاعلات بين هيدروكسيدات المعادن والماء في أعماق الأرض تحت درجة حرارة وضغط عاليين جداً.
واعتقد العالم الروسي أنه أثناء تشكل الجبال، كانت الماء تخترق أعماق الأرض لتصل إلى الكتل المعدنية عبر شقوق في قشرة الأرض، ويؤدي التفاعل بين الماء وكربيدات الحديد إلى تشكل هيدروكسيدات معادن وهيدروكربون مثل الميتان. وعبر هذه الشقوق الموجودة في قشرة الأرض، كانت المواد الهيدروكربونية تصعد إلى الطبقات العليا من قشرة الأرض لإشباع الطبقات المسامية مشكلة بذلك حقول النفط والغاز. وخلال زيارته لمنطقة باكو في أذربيجان أدرك مندليف أنه غالباً ما تتواجد حقول النفط في هذه المنطقة بجوار الشقوق الموجودة في قشرة الأرض. وكان هذا تفسير غير قابل للجدل لتأكيد صحة نظريته حول الأصل غير العضوي للنفط. وقد تم دعم نظرية التشكل غير العضوي أو الكربيدي للنفط والغاز ببراهين جديدة قدمها علماء فيزياء الفلك. فقد أظهرت أبحاث أطياف الأجرام السماوية تواجد مركبات الكربون والهيدروجين في الجو المحيط بالمشتري وكواكب كبيرة أخرى وكذلك في الأغطية الغازية للمذنبات. وحيث أن الهيدروكربونات تتواجد بكثرة في الفضاء، فلدينا الحق أن نفترض أن عمليات تركيب المواد العضوية من مواد غير عضوية هي بصدد التنفيذ، وهذا بالضبط ما حاول ديمتري مندليف إثباته.
وأشار إلى أنه في بداية القرن العشرين اعتاد بعض العلماء على تقبل أفكار مندليف، وتلقت نظريته حول المنشأ غير العضوي بعض الدعم في دراسات الجيولوجيين وفي خمسينيات وستينيات القرن العشرين احتد النقاش حول نظرية المنشأ الغير عضوي في الاتحاد السوفياتي.
وعبّر بعض العلماء السوفيات عن آرائهم حول احتمال صحة «الأصل الهجيني» للنفط كمنتج ناشئ عن تفاعـل كيميائـي بيـن الهيدروجين أو الميتان ومواد ذات أصل حيوي في أعماق الأرض. في تسعينيات القرن الماضي، أصدر حفار أميركي للتنقيب عن النفـط والغاز من هوستن يدعى تجي. إف. كيني - الـذي عمـل مـع ثلاثـة علمـاء روس بمن فيهم فلاديمير كوتشيروف، مـن جامعـة غوبكين الحكوميـة الروسيـة للنفـط والغاز - تقريراً حول التشكيل الغير عضوي للهيدروكربون.
وشرحت ورقة العمل النقاشات الديناميكية الحرارية التي تقول إن الميتان هو العنصر الهيدروكربوني العضوي الوحيد الذي يوجد في قشرة الأرض.
وناقش التقرير أيضاً النظريـة التـي تفيـد ضرورة وجود ضغوطات عالية تتراوح بين 25 و50 كيلوبار أو أكثر من أجل تشكيل جزئيات البترول الهيدروكربوني الطبيعي. وضمّن كاتبو التقرير أيضاً وصفاً عن التجارب المخبرية التي جرت في موسكو والتي أدت إلى تشكّل منتجات بترولية من الرخام والماء وأكسيد الحديد تحت ضغط 150 كيلو بار ودرجة حرارة 1500 م.
وأظهر الخبير الروسي أنه بينما يتفق الجيولوجيون حول إمكانية نشوء النفط الخام من وسائل غير عضوية، إلا أن معظم البترول المستخرج تجارياً كما يقولون هو من أصل عضوي. كما أنه تم الاعتراف حالياً بالعلاقة التي تربط حقول النفط والغاز مع أكثر المناطق نفاذية في قشرة الأرض - أي التصدعات والشقوق العميقة. فهذه المناطق التي تحتوي على صخور رسوبية تتضمن طبقات مسامية ونافذة غالباً ما تتعرض لتأثير السوائل والغازات القادمة من الغلاف العلوي للأرض.
وأوضح أن الدراسات الحديثة التي تبحث في التحركات التكتونية لقشرة الأرض أصبحت ذات أهمية متنامية خلال عمليات التنقيب عن النفط والغاز. وتعتمد هذه المعايير على التسلسل الهام جداً لنظرية «المنشأ غير العضوي» - بالقياس إلى العمر الصغير لبعض حقول النفط الحديثة جيولوجياً وخاصة في سيبيريا.
وأظهرت الدراسات الجيولوجية والجيوكيمائية أن الهيدروكربونات لا تتشكل فقط أثناء عملية تشكّل النفط بل أثناء عملية تشكل الخامات أيضاً. وتبين أن نظرية «المنشأ العضوي» لتكوين النفط محدودة جداً لشرح هذه الحقائق الجديدة.
ويخلص تحليل البيانات المتعلقة بزمن تشكل حقول النفط والغاز الذي أجراه بعض المختصين إلى أن معظم حقول النفط المعروفة حالياً تشكلت بعد عصر المايوسين. وهذا عني بما لا يتجاوز 26 مليون سنة وليس «مئات ملايين السنين» وفقاً لنظرية «المنشأ العضوي» وهناك المزيد من الدراسات التي تؤكد أن عملية تشكل بنيات نفطية وغازية محددة لم تكتمل بعد وما تزال مستمرة هذه الأيام.
وبالرغم من أن معظم علماء الأرض يدعمون نظرية المنشأ العضوي إلا أن نتائج وجهات النظر حول المنشأ غير العضوي للنفط تستخدم بشكل متزايد من قبل الجيولوجيين أثناء تأدية واجباتهم العملية بشكل مستقل عن موقفهم الشخصي فيما يتعلق بأصل تكون النفط والغاز.
تحليل التعليقات: