نبض أرقام
09:33 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

إعادة إنتاج الفشل .. هل تنتهي إنتل إلى مصير نوكيا بعد الانهيار الدراماتيكي لقيمتها؟

2024/09/14 أرقام - خاص

خاطب الرئيس التنفيذي السابق لشركة "نوكيا"، "ستيفن إيلوب" موظفيه للمرة الأخيرة قبل استقالته وبعد بيع أعمال الجوال لـ "مايكروسوفت" في عام 2013، حيث قال بصوت مخنوق وعين تملؤها الدموع: "لم نرتكب أي خطأ، ولكن بطريقة ما، خسرنا".

 

ورغم الجدل حول صحة الواقعة، لكنها تتشابه إلى حد كبير مع مذكرة أرسلها "إيلوب" بالفعل لموظفيه في عام 2011، قال فيها إن الشركة "خسرت حصتها في السوق، وحصتها في عقول العملاء، وخسرت الوقت، وتخلفت عن منافسيها واتجاهات السوق بسنوات".

 

 

تجسد هذه الكلمات المأساة التي أنهت تاريخ شركة كانت يومًا مثالًا يحتذى به للنجاح والتفوق التكنولوجي، حيث هيمنت – عند ذروتها – على نحو 50% من سوق الجوالات العالمي في عام 2007، قبل أن تهبط حصتها إلى 3% بعد 6 سنوات.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

بلغ سعر سهم "نوكيا" قرابة 62 دولارا عند ذروته في عام 2000، قبل أن يهبط إلى ما دون 3 دولارات في عام 2012، وفيما تجاوزت أرباحها 11 مليار دولار في عام 2007 خسرت الشركة أكثر من 3 مليارات دولار في 2012.

 

هذا الواقع المؤسف المتزامن مع سلسلة من الإخفاقات الاستراتيجية الداخلية والمنافسة المتزايدة عالميًا من "آبل" و"سامسونج" وغيرهما، دفع الشركة إلى بيع وحدة الجوالات التي شكلت جوهرة التاج في أعمالها، مع إعادة الهيكلة للتركيز على معدات الشبكات فقط.

 

ورغم أن "نوكيا" تحولت منذ ذلك الحين من "قدوة" إلى "عبرة" في عالم الأعمال، لكن لا يبدو أن الجميع أدرك الدرس بشكل كامل، ومن الصادم أن شركة مثل "إنتل" التي كانت ولا زالت واحدة من أهم مصنعي الرقائق في العالم، تواجه مصيرًا مشابهًا إلى حد كبير.

 

 

"إنتل" التي تأسست قبل 56 عامًا – يفوق عمر منافستها "إنفيديا" التي تأسست عام 1993 – استحوذت على أعلى حصة (بنسبة 9.4% أو ما قدره 51 مليار دولار) من سوق أشباه الموصلات العالمي في عام 2023، متفوقة على "إنفيديا" (49 مليارًا) و"سامسونج" (44 مليارًا).

 

ومع ذلك، فإن الأسابيع الأخيرة لم تكن رؤوفة بهذا التاريخ العريق، حيث تراجعت القيمة السوقية للشركة من 210 مليارات دولار بنهاية 2023 إلى ما يقترب من 80 مليار دولار حالياً، وهبط سهمها 61% خلال نفس الفترة إلى ما دون 20 دولارًا، مقارنة بـ 75 دولارًا عند ذروته عام 2000.

 

ماذا حدث؟

 

- في الأول من أغسطس، أعلنت الشركة خسارة صافية قدرها 1.6 مليار دولار في الربع الثاني مقارنة بصافي دخل بلغ 1.47 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي، وأعلنت خطة لخفض التكاليف بنحو 10 مليارات دولار وتسريح 15% من العمالة، كما علقت توزيعات الأرباح.

 

- كان رد فعل المستثمرين عنيفًا، حيث انخفض السهم في اليوم التالي بأكثر من 26%، في أسوأ أداء يومي له منذ عام 1974، ومسجلًا أدنى مستوى له منذ عام 2013، عند قرابة 21.50 دولار، ما دفع المساهمين إلى مقاضاة الشركة بسبب خسائرهم.

 

- لم تكن الأخبار على مدار الأيام التالية في صالح "إنتل"، حيث أفادت تقارير باستقالة أحد أبرز أعضاء مجلس الإدارة بشكل مفاجئ وسط خلاف بشأن استراتيجية الشركة، وأشارت تقارير أخرى إلى أنها تدرس إجراءات بينها فصل الأعمال وبيع الوحدات لتجاوز "أصعب فترة في تاريخها".

 

- في إجراء قد يساعد على تدهور سمعتها بشكل أكبر، أصبح سهم الشركة مهددًا بالحذف الآن من مؤشر "داو جونز" بسبب خسائره الحادة هذا العام، بعدما كانت هي و"مايكروسوفت" أول شركتين تكنولوجيتين تُدرج أسهمهما بالمؤشر في التسعينيات، حيث بات سهم "إنتل" الأسوأ أداءً والأدنى سعرًا.

 

 

إرث ثمين يتلاشى .. ما الحل؟

 

- منذ تأسيسها في عام 1968، ارتبط اسم "إنتل" بتقليص حجم الإلكترونيات ولمدة أربعة عقود تقريبًا، حيث كانت تطرح باستمرار ترانزستورات جديدة بنصف حجم سابقتها، فيما بات يعرف لاحقًا باسم "قانون مور"، نسبة إلى أحد مؤسسي الشركة.

 

- بالتالي، كان عدد الرقائق التي يمكن وضعها على نفس رقاقة السيليكون تقريبًا يتضاعف، مع إمكانية بيعها بنفس السعر والحفاظ على الربحية، وهذا سمح للشركة بالسيطرة على سوق رقائق الذاكرة، ثم هيمنت على سوق المعالجات الدقيقة التي دعمت ثورة الحواسيب الشخصية.

 

- في الوقت الحاضر، لم يعد من الإطراء ربط "إنتل" بقانون "مور" في سياق واحد بعد النتائج الفصلية المخيبة للتوقعات في آخر فصلين، والتي دفعت القيمة السوقية للشركة إلى الانهيار في حين نمت قيم شركات أخرى بفضل الزخم حول الذكاء الاصطناعي.

 

- يشكل ذلك خيبة أمل وقلق كبيرين للرئيس "جو بايدن"، والذي وضع "إنتل" في قلب استراتيجيته للنهوض بصناعة الرقائق، حتى أنه أعلن عن حزمة تمويل بقيمة 20 مليار دولار، لكن الشكوك حول حصول الشركة على هذه الأموال باتت أكبر وأكثر منطقية الآن.

 

- قد تعرض مشاكل "إنتل" قدرة الحكومة على تحقيق أهدافها السياسية للخطر، والتي تشمل إنشاء سلسلة إمدادات آمنة من الرقائق المتطورة للبنتاغون، وصنع خُمس المعالجات المتقدمة في العالم بحلول عام 2030.

 

- كتب "بات جيلسنجر" الرئيس التنفيذي للشركة في رسالة إلى الموظفين في أغسطس: "تكاليفنا مرتفعة جدًا، وهوامشنا منخفضة للغاية"، ويتوقف مستقبل "إنتل" الآن على خطة تحول جديدة، والتي من المقرر أن يقدمها "جيلسنجر" إلى مجلس الإدارة في الأيام المقبلة.

 

ما الخطأ الذي اقترفته؟

 

- بدأت قبضة "إنتل" على السوق في التراخي منذ عقد من الزمان تقريبًا، وحدث هذا لعدد من الأسباب، بما في ذلك الثقافة الداخلية التي تميزت بالرضا المتزايد عن النفس والنفور من المخاطرة، والفشل في توقع الاتجاهات التكنولوجية ومواكبة المنافسين، تمامًا مثل "نوكيا".

 

- في أواخر العقد الأول من القرن الجاري، أعمت الأرباح الضخمة من أعمال الحواسيب "إنتل" عن الطلب المتزايد على رقائق الجوالات، وتمسكت بتصنيع معالجاتها حتى مع تحول المنافسين إلى نموذج "التصنيع دون مصانع" من خلال الاستعانة بمصنعين خارجيين مثل "تي إس إم سي" التايوانية.

 

 

- أدت الأخطاء المتكررة في التصنيع إلى تأخير إطلاق وحدات المعالجة المركزية الجديدة، وسمحت لشركة "إيه إم دي" بكسب حصة إضافية في السوق، وتخلفت "إنتل" عن الاستفادة من زخم الذكاء الاصطناعي الذي رفع قيمة "إنفيديا" من 360 مليار دولار بنهاية 2022 إلى 3 تريليونات دولار مؤخرًا.

 

- افترضت "إنتل" أنها ستكون قادرة على مواصلة جني الأموال من وحدات المعالجة المركزية والعودة لقانون "مور" الذي أصبحت "تي إس إم سي" رائدته بسبب الأخطاء الإنتاجية للشركة الأمريكية، لكن ثبت أن هذا "وهم"، على حد تعبير أحد المحللين.

 

- انخفضت إيرادات "إنتل" من 79 مليار دولار في عام 2021 إلى 55 مليار دولار في الأشهر الاثني عشر المنتهية في يونيو، مع تباطؤ الطلب الدوري على وحدات المعالجة المركزية، فيما يصر "جيلسنجر" على أن عملية إنتاج جديدة ستكون جاهزة بحلول العام المقبل.

 

ماذا عن المستقبل؟

 

- يتوقع محللون أن تشمل خطة "جيلسنجر" المرتقبة مزيجًا من عمليات التسريح الإضافية، وبيع شركة أو شركتين تابعتين وربما تأجيل خطط لبناء مصنع بقيمة 32 مليار دولار في ألمانيا، حيث إن إنقاذ شركة بحجم "إنتل"، يتطلب تغييرات جذرية عدة.

 

- يقول "جيلسنجر" (الذي يرى محللون أنه تولى قيادة الشركة في 2021 بعدما تدهورت الأمور بالفعل)، إن رقائق "إنتل" عالية الجودة سوف تصبح قريبًا متاحة، وسيفي العملاء بالتزامات الشراء غير المكتملة التي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار.

 

- هذه الإيرادات، بالإضافة إلى وفورات التكلفة، ومبيعات الأصول، و8.5 مليار دولار في هيئة منح و11 مليار دولار في صورة قروض من الحكومة الأمريكية، تسمح للشركة بالتقدم مجددًا وجذب الطلبات، وعندما تتعافى يمكنها فصل أعمال التصنيع.

 

- قد يكون هناك هدف آخر، وهو مصانع أشباه الموصلات التابعة للشركة، والتي التزمت "إنتل" بإنفاق عشرات المليارات من الدولارات عليها، بالتعاون مع حكومات مختلفة، مثل منشآت أريزونا وأوهايو، والتي بدأت العمل عليها ضمن برنامج "بايدن" لدعم صناعة الرقائق.

 

 

- هذا قد يعالج جزئيًا الحالة المريرة التي تعيشها الشركة، عقب تحول التدفق النقدي الحر إلى النطاق السالب في عام 2022 وتفاقم منذ ذلك الحين، وبعدما تجاوز 10 مليارات دولار سنويًا في النطاق الموجب سابقًا.

 

- في الأشهر الأخيرة، أصبحت وول ستريت مفتونة للغاية بفكرة تقسيم "إنتل" إلى كيانات عدة منفصلة، بعدما كان التكامل الوثيق بين عمليات التصميم والتصنيع دائمًا جزءًا أساسيًا من هويتها، وهو إجراء قد يعني نهاية الشركة كما نعرفها.

 

- فهل تشهد الشركة أخيرًا انفراجة، أم ستضع أخطاء الإدارة حدًا لتاريخ "إنتل" العريق مع إمكانية الحفاظ على ما تبقى من قيمة للمستثمرين، أو ربما يتواصل مسلسل القرارات الخاطئة ونزيف القيمة، وينتهي بها المطاف أخيرًا إلى مصير "نوكيا" بالضبط.

 

المصادر: أرقام- الإيكونوميست- بلومبرج- بي بي سي- الجارديان- كومبانيز ماركت كاب- فيجوال كابيتاليست- بيانات فاكت ست- ميديوم

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.