سيتحدد بقاء أو خروج مئات من مؤسسات التقسيط التي تمارس نشاط التمويل من السوق المحلية بطريقة غير نظامية بعد نحو 56 يوما، حيث تنتهي المهلة التي منحتها لها مؤسسة النقد “ساما” للحصول على ترخيص مزاولة المهنة منتصف محرم المقبل.
وتنتشر تلك المؤسسات في عدد من المدن وتتركز في الرياض وجدة مستفيدة من الكثافة الكبيرة للسكان ومحتاجي السيولة من أصحاب المشاريع الصغيرة الذين لا يتمتعون بسجل ائتماني نظيف.
وتعتمد في عملها على بيع سلع وبطاقات إعادة شحن عبر مندوبي تسويق جوالين مزودين بهواتف تحمل شرائح مجهولة وتتخذ من شقق سكنية في أحياء شعبية مقرا لإدارة أعمالها، وغالبا تستهدف العمالة الوافدة أكثر من المواطنين لعدم انكشاف أمرها وسهولة تحصيل الأقساط منها.
وتتراوح مدد التقسيط بين 60 و90 يوما في حين تشترط ضمان المحل التجاري أو كفالة صاحب المحل لغير السعوديين وتركز على أصحاب المحلات التجارية مثل الملابس والمشاغل والتموينات وغيرها من المنشآت الصغيرة.
وتحت ستار السجل التجاري الرسمي يحاولون إقناع المقترضين بنظامية عملهم كمؤسسات وشركات تمويل في حين ينص سجلها وفق موقع الوزارة التجارة على أن مجال نشاطها هو بيع الأجهزة الكهربائية والالكترونية ومواد البناء والأثاث بالتقسيط.
سجن وغرامة
توعدت مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما” مزاولي أصحاب هذا النوع من التمويل والمخالفين للوائح وأنظمة ساما، بعقوبة السجن والغرامة التي تصل إلى نصف مليون ريال، اعتبارا من العام الهجري المقبل، وذلك إنفاذا لأحكام نظام مراقبة شركات التمويل الذي اشترط الحصول على ترخيص لمزاولة التمويل.
وأوضح مصدر مطلع في مؤسسة النقد لـ”مكة”، أن النظام الجديد سيحظر على أي جهة مزاولة نشاط التمويل بدون ترخيص، مبينا أن “ساما” أمهلت الشركات والمؤسسات التي تعمل في هذا المجال مدة سنتين لتصحيح أوضاعها تنتهي بنهاية العام الهجري الحالي، مضيفا أن المؤسسات ملزمة بتزويد مؤسسة النقد قبل منتصف محرم العام المقبل بخطة لتسوية أوضاعها أو الخروج من القطاع.
وأكد المصدر أن العاملين الحاليين سيعتبرون مخالفين بعد انتهاء المهلة وستصل العقوبات حينها للسجن عامين أو الغرامة بما يصل إلى 500 ألف ريال، أو تطبيقهما معا.
عقود إذعان
قال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إن سوق التقسيط في السعودية غير منظمة خاصة في جانب حقوق المقترضين، حيث تقوم كثير من الشركات بفرض شروط تعجيزية لضمان حقوقها؛ تشبه عقود الإذعان، دون النظر إلى حقوق الأول، مشيرا إلى أن السوق بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة تقوم على وضع الأنظمة واللوائح، التي تلزم كل الأطراف لمعالجة الوضع الراهن الذي يفتقر إلى تحقيق الكفاءة فيما يتعلق بالحقوق.
وقال إن سوق التقسيط بها الكثير من شركات التقسيط الجيدة بما في ذلك البنوك وشركات تقسيط السيارات، إلا أن هناك كثيرا من المكاتب التي تقدم الخدمة وتعدّ خيارا وحيدا أمام من يعاني من خلل في السجل الائتماني ليجد سهولة التعامل معها، فهي لا تقيد العميل ولكنها في الوقت ذاته تستغل حاجته وترفع عليه الأسعار.
ومن المعلوم أن سوق التقسيط تشهد إقبالا من الأفراد في ظل ارتفاع متطلباتهم، حيث أغلبيتهم من أصحاب الدخل المحدود الذين يلجؤون إلى شركات التقسيط لتلبية احتياجاتهم، وهذا الأمر دفع إلى ظهور شركات متعددة ومتنوعة تقدم الخدمة.
فوائد من 20 إلى 30 %
رصدت جولة استقصائية لـ”مكة” إحدى تلك المؤسسات بجدة، حيث وزعت منشورات دعائية تستهدف تمويل المقيمين العاملين في المحلات التجارية، بفوائد ربحية بين 20% و30% بحسب الفترة الزمنية، بين 60 يوما و90 يوما وبأقساط يومية، من خلال تسليم العملاء بطاقات إعادة شحن وبيعها لمؤسسات أخرى تتعامل معها لتنفيذ عملية البيع وحصول المقترض على السيولة نقدا.
وتزاول المؤسسة التي تقع في مبنى متهالك وغير مهيأ من الداخل ودون وضع لوحة على المبنى من الخارج نشاط الإقراض بمبالغ تتفاوت قيمتها من 6 آلاف ريال إلى 60 ألف ريال للعمالة، شريطة أن يعمل المقيم في محل تجاري وتحت كفالة المحل، مقابل أن يكون كفيله سعوديا والذي يشترط حضوره لتوقيعهما على عقد يبرم بين الطرفين وتصل الضمانات إلى رهن البضائع والتوقيع على شيكات وكمبيالات.
أحد المندوبين وخلال حديثة لـ”مكة” بين أن المؤسسة لا تقرض السعوديين، وفي حالات نادرة يتم إقراضهم بمبالغ تصل إلى 30 ألفا، ويتم حينها طلب ضمانات عالية تصل إلى تحويل مركبته باسم المؤسسة إلى حين تسديد المبلغ أو التوقيع على شيكات كأقل الضمانات.
وبين المندوب أن المؤسسة تعمل في السوق منذ 3 أعوام في الرياض والآن بدأت تمارس نشاطها في جدة منذ 7 أشهر، مشيرا إلى أنها بدأت تخفض قيمة القروض إلى 15 ألفا كحد أقصى، لحين تسديد المتعثرات نظرا لعدم سداد عدد من العملاء.
ولفت إلى أن إجراءاتهم للمتعثرين تتم من خلال رفع شكوى بالمحكمة وتقديم الأوراق التي تم التوقيع عليها للمطالبة بسداد المبلغ كاملا، إضافة إلى سداد قيمة 2000 ريال غرامه تأخر وأتعاب محاماة تسجل على المتعثر في كمبيالات عند توقيع العقد.
وتشير العقود المبرمة التي اطلعت “مكة” على نسخة منها إلى أن عملية الإقراض تتم من خلال منح المقترض بطاقات إعادة الشحن “سوا” من فئة 10 ريالات وإرساله إلى مؤسسة تتعامل معها تشتري الكمية بواقع 9.5 ريالات لكل بطاقة، فيما يتم توقيعه على عقود تتضمن إجمالي قيمة الكمية المباعة وهامش ربح بين 20 و30%، وهو بذلك يتعرض لخسارتين الأولى أثناء البيع المباشر للبطاقات بخسارة نصف ريال للبطاقة الواحدة والثانية المبلغ المضاف إلى القيمة الإجمالية للبطاقات.
يطرح العقاريون سيناريوهات عدة تمثل أسبابا للمشكلة، إذ يرى عضو اللجنة العقارية في الغرفة الصناعية التجارية بالرياض عبدالعزيز العجلان أن السبب في المشكلة يعود إلى الخلل في آلية توزيع الأراضي، إضافة لعدم توفير خدمات تساعد المواطن لتوفير جزء من دخله.
رئيس اللجنة الوطنية بمجلس الغرف حمد الشويعر يرى أن تحميل المطور العقاري تكلفة توصيل الخدمات والبنى التحتية للأراضي يمثل عنصرا من عناصر المشكلة.
عضو اللجنة العقارية سلمان ابن سعيدان يرى أن تنظيمات وزارة الشؤون البلدية والقروية، وشروط توصيل خدمات الكهرباء والماء والإنارة والأرصفة، إضافة لمرافق السيول والصرف الصحي والتي أصبح يتحملها ملاك العقار أصبحت جزءا من المشكلة.
ووصف ابن سعيدان حجم ارتفاع أسعار الأراضي وفقا للأسباب السابقة بأنه يبلغ 66 %، إذ إن نزع الشوارع والمرافق وتوصيل الخدمات يزيد على الأرض تكلفة 66 %، فيما لو تم توصيل الخدمات والبنى التحتية مجانا وتحملت الدولة ثمن المرافق من مدارس ومساجد وشوارع فإن أسعار الأراضي ستنخفض بشكل كبير، لأن المعروض من الأراضي القابلة للتطوير سيكون كبيرا.
وضرب ابن سعيدان مثالا بأرض وزارة الإسكان في الرياض، إذ كلفت الوزارة 700 مليون لتوصيل الخدمات ومليارا للبنى التحتية.
وعزز الشويعر هذا التوجه مبينا أن 40% من الأرض يؤخذ كبنى تحتية، وهو ما يحمل على سعر الأرض، مضيفا “عندما كانت الدولة توصل الخدمات كانت الأسعار منخفضة، وفي الوضع الراهن الرسوم لن تجبر الملاك على البيع”.
وذكر ابن سعيدان أنه في إحدى السنوات بلغ ما وفره العقاريون على الدولة لتحملهم أعباء البنى التحتية وتوصيل الخدمات 300 مليون ريال، لكن هذا المبلغ في المقابل يحمل على المواطنين.
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: