يعد "استقلال الطاقة" مفهومًا معقدًا، غالبًا ما يتم اختصاره في بعض الحسابات البسيطة للغاية، فإذا كان إنتاج البلاد من النفط اليومي مثلًا يعادل 20 مليون برميل، والاستهلاك يبلغ 19.9 مليون برميل، يعتبر ذلك استقلالًا، بحسب تقرير لـ"فاينانشيال تايمز".
وفقًا لهذا المقياس، سيبدو أن الولايات المتحدة حققت هدف الاستقلال في مجال الطاقة والذي تطارده منذ عهد الرئيس "ريتشارد نيكسون"، إذ يبلغ متوسط وارداتها الصافية من النفط والسوائل المرتبطة به نحو 620 ألف برميل يوميًا في العام، ما يعادل 3% فقط من إجمالي الاستهلاك.
وفي العام المقبل، من المتوقع أن تحقق فائضًا صغيرًا، ومع ذلك، فإن هذا الحساب البسيط لأمن الطاقة في الدولة يحجب بعض التفاصيل المهمة، والتي تظهر أن الاستقلال في الحقيقة لا يعني شيئًا من هذا القبيل.
أمريكا تصدر ما لا تحتاج له
- خلال العقد الماضي، تراجعت أهمية "أمن الطاقة" في الأجندة السياسية الأمريكية، نتيجة طفرة النفط الصخري، لكن من المحتمل أن تظهر مرة أخرى خلال العقد المقبل، وأحد أسباب ذلك هو أن الحساب البسيط لمفهوم الاستقلال يتجاهل التدفقات الكبيرة الداخلة والخارجة، التي تشكل الحسابات الصافية.
- في الأشهر الأربعة حتى أبريل الماضي، استوردت الولايات المتحدة ما معدله 7 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام، وصدرت 2.8 مليون برميل يوميًا من الخام و3.8 مليون برميل من المنتجات والسوائل.
- يتجاهل الرئيس "دونالد ترامب" هذا التعقيد، وقال في كلمة ألقاها خلال افتتاح منشأة "كاميرون إل إن جي" لتصدير الغاز الطبيعي المسال: إننا نتعاون مع دول أخرى، ونستخدم طاقتهم، لكن يمكننا التوقف في أي وقت نريد.
- الأمر ليس بهذه السهولة، إذ تستورد الولايات المتحدة النفط وتصدره في نفس الوقت لأن صناعة التكرير لديها تم تشكيلها لتركز بالأساس على معالجة النفط الثقيل، وليس الدرجات الأخف التي يتم إنتاجها في حقول النفط الصخري المحلية.
- من المنطقي اقتصاديًا استيراد الخام الثقيل من بلدان مثل السعودية، وبناء محطات تصدير مكلفة للإمدادات الأمريكية بدلًا من محاولة تكريره في المصافي المحلية غير المصممة أساسًا للتعامل معه.
عقبات تعرقل الطموح الأمريكي
- إن التحرك لوقف التدفقات الداخلة والخارجة كما أشار "ترامب"، سيخلق صعوبات هائلة ويتسبب في زيادة أسعار الوقود، والحقيقة أن تحويل الولايات المتحدة إلى الاكتفاء الذاتي من النفط أمر لا يمكن التفكير فيه إلا في حالة حدوث أزمة قاسية.
- هذا يعني أن الولايات المتحدة ستظل في المستقبل المنظور عرضة لما يحدث في أسواق النفط العالمية، ولا يمكن أن تغض الطرف ببساطة عما إذا كان هناك خطر يهدد بتعطيل حركة مرور الناقلات عبر مضيق هرمز.
- مع وصول صافي واردات النفط تقريبًا إلى الصفر، فإن الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة أقل تعرضًا لارتفاع أسعار الخام، لكن سيكون هناك تأثير توزيعي على الدخل، حيث سيستفيد العمال والمستثمرون في صناعة النفط على حساب المستهلكين، خاصة أولئك الذين يشترون الكثير من الوقود.
- زادت الشكوك حول مستقبل إمدادات النفط والأسعار في الآونة الأخيرة بعد موجة من الاضطرابات التي أضرت بالسلامة المالية لصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، مثل "بايونير ناتشورال ريسورسيز" التي خفضت ربع قوتها العاملة.
- مصدر آخر لعدم اليقين هو احتمال استعادة الديمقراطيين للبيت الأبيض في انتخابات العام المقبل، ويرجع ذلك لتبنيهم سياسة تدعو للتصدي لخطر التغير المناخي، وتحدث بعضهم بالفعل عن إمكانية تقييد إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}