نبض أرقام
06:17 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

اقتصاد في ورطة.. إما اللون الأحمر وإما السجن

2019/07/26 أرقام - خاص

في ثلاثينيات القرن الماضي وفي عز انتشار الشيوعية توقف أحد مصانع معدات الحفر عن تسليم الآلات إلى مناجم الفحم التي كانت في أمس الحاجة إليها. لمعرفة السبب، زار مفتش حكومي المصنع ليفاجأ بمشهد محير. لقد وجد الرجل أن الآلات المؤخر تسليمها مصنعة بالفعل. إذن لماذا لا يشحنها المصنع إلى المناجم؟

 

 

وجه المفتش هذا السؤال إلى مدير المصنع الذي أوضح أن هناك أمرا حكوميا بطلاء الآلات بدهان أحمر، والمشكلة هي أن المصنع لا يوجد به سوى دهان أخضر اللون. وإذا قام بتسليم الآلات مطلية بلون غير الأحمر فقد يتعرض للسجن. ولذلك فضل مدير المصنع ترك الآلات في ساحة المصنع على تسليمها مطلية باللون الخطأ وتعريض نفسه للخطر.

 

بعد أن عرف السبب، طلب المفتش من وزارته أن تسعى للحصول على إذن خاص من السلطات المختصة للسماح لذلك المصنع بطلاء تلك الآلات باللون الأخضر. وبالفعل، حصل المصنع على الإذن وتم طلاء الآلات وتسليمها إلى المناجم التي عادت إلى العمل مرة أخرى.

 

أكبر تجربة اقتصادية في التاريخ

 

في الفترة التي شهدت هذه الحادثة كان الاتحاد السوفيتي ينفذ أكبر تجربة اقتصادية في التاريخ، ويحاول تأسيس مجتمع شيوعي مثل ذلك الذي لطالما حلم به كارل ماركس. مجتمع مختلف تماماً عن المجتمع الرأسمالي.

 

وقصة آلات الحفر التي ذكرناها للتو تعطينا لمحة حول طبيعة التباين الواضح بين القواعد الاقتصادية في ظل النظامين الرأسمالي والشيوعي.

 

لو كان هذا المصنع في أمريكا أو بريطانيا لما وجد مدير المصنع نفسه مضطراً لأخذ أي تعليمات من الحكومة حول الكيفية التي يصنع به الآلات ناهيك عن لون الطلاء الذي سيقوم بطلائها به. يمكن للمصانع البريطانية أن تطلي آلاتها باللون الوردي أو ترسم حتى عليها رسوما كرتونية إذا أرادت. وإذا لم يعجب هذا العميل فستكون العقوبة هي انخفاض مبيعات المصنع وليس السجن.

 

 

لكن في الاتحاد السوفيتي أخذت الدولة على عاتقها مهمة تحديد كل شيء يتعلق بالنشاط الاقتصادي، فقد كانت هي من تقرر ما السلع التي يجب تصنيعها وكيف يجب تصنيعها ومن الذي يحق له الحصول عليها، وغير ذلك من أدق التفاصيل.

 

كانت هناك خطط حكومية تحدد للمصانع عدد الجرارات التي يجب تصنيعها وعدد الأحذية ومقاساتها. بل حتى الناس أنفسهم كان يتم تنظيم أدق تفاصيل حياتهم من قبل الحكومة. فأي مواطن يريد مكاناً جديداً للعيش فيه كان عليه أن يتقدم بطلب للحكومة كي تسمح أو لا تسمح له.

 

وللحصول على الخبز والصابون كان على الجميع الذهاب إلى المتاجر الحكومية التي تحدد فيها الأسعار من قبل المسؤولين وليس من خلال قوى العرض والطلب في السوق.

 

هذه الطريقة في تحديد كيفية استغلال الموارد تسمى بـ"التخطيط المركزي". فبدلاً من النظر إلى ما يحتاجه السوق كان على المصانع اتباع أوامر الحكومة بغض النظر عن أي شيء.

 

الكل سواء.. الذكي والغبي

 

الاختلاف الآخر الواضح بين الرأسمالية والشيوعية يتمثل في الكيفية التي يتم بها تحديد دخل الفرد. ففي ظل النظام الرأسمالي إذا كنت تعمل بجد وتقوم بوظيفتك على نحو جيد فستجني الكثير من المال، وربما ما ستجنيه سيكون أكثر مما تحتاج إليه فيصبح بوسعك الادخار.

 

 

لكن في ظل الشيوعية تمضي الأمور على نحو مختلف. فالجميع يتلقى نفس الأجر من الحكومة بغض النظر عن إنتاجيتهم، وفي نفس الوقت لا يحصلون إلا على ما يحتاجون إليه فقط وليس عائدات ما يفعلونه هم وما يبذلونه من جهد مهما تجاوز ما يبذله الآخرون. فلا يهم ما إذا كان مجهودك البدني وقدراتك العقلية أكثر أو أقل من الآخرين لأن الجميع في النهاية سيحصل على نفس الأجر.

 

وعد القادة الناس بأن الشيوعية ستؤدي إلى وفرة مادية غير عادية، وأن هذا النظام الاقتصادي أكثر عقلانية وإنسانية من الرأسمالية الشريرة التي كرهها الشيوعيون والتي جعلت أصحاب الأعمال الرأسماليين أغنياء على حساب العمال.

 

لماذا فشلت؟

 

واحدة من أكثر القصص الشعبية الروسية شهرة تتحدث عن مفرش مائدة سحري يفرش ذاتياً وتظهر عليه أشهى أنواع الطعام بأعجوبة. كان من المفترض أن تجعل خطط الحكومة هذه القصة حقيقة، ولكنها لم تفعل، ولم تستطع سد احتياجات الناس الأساسية من الغذاء والكهرباء والنفط.

 

كان على المواطنين الوقوف طوال اليوم في البرد القارس من أجل الحصول على الطعام. وتعبيراً عن استيائه من هذا الوضع كتب أحد المواطنين على جدار أحد المصانع: "أرحب بالخطة الخمسية بمعدة فارغة". ففي بداية الثلاثينيات، أي قرب نهاية الخطة الخمسية الأولى كان الملايين يعانون من الجوع.

 

 

ولكن لماذا واجه الاقتصاد السوفيتي هذه المشاكل الضخمة؟ ربما المشكلة في الشيوعية ذاتها كنظام. ففي ظل النظام الشيوعي لا ترتبط أرباح الناس بما يبذلونه من جهد لأنهم في النهاية يحصلون جميعاً على نفس الدخل.

 

في ظل نظام كهذا ما الذي قد يدفع أي شخص للقيام بمهام ترهقه جسدياً أو عقلياً؟ بل ما الذي قد يدفع أي شخص للقيام بأي شيء أصلاً؟ الشيوعية فشلت كنظام اقتصادي ببساطة لأنها تفتقر إلى الحوافز التي تحمل أي شخص على بذل أي جهد.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.