خلال افتتاحها لمعرض السيارات الدولي في فرانكفورت في سبتمبر، شككت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" في قدرة صناعة السيارات الوطنية على الوفاء بهدف خطة التحول إلى النماذج الكهربائية بحلول عام 2023 والمحدد عند 65% من إنتاج القطاع.
في الحقيقة مخاوف "ميركل" كانت أكبر من مجرد التخلف عن موعد بلوغ هدف التحول إلى الطاقة النظيفة، واستند تشكيكها في الأساس إلى انكماش الصناعة والضغوط التي تتعرض لها في ظل الصراعات التجارية العالمية وتدهور سمعة السيارات الألمانية منذ فضيحة انبعاثات "فولكس فاجن".
على هامش المعرض، الذي انخفض عدد الشركات المشاركة فيه بمقدار الربع عن العام الماضي، ولم تحضره علامات تجارية كبرى مثل "تويوتا" و"فيات"، أقرت "ميركل" بأهمية قطاع السيارات لألمانيا، قائلة إنها صناعة مهمة للغاية لتحقيق النجاح الاقتصادي لبلادنا.
تصريحات "ميركل" تأتي بالفعل في وقت يعاني فيه الاقتصاد الألماني من التباطؤ، وتشهد صناعة السيارات الوطنية فيه واحدة من أسوأ فتراتها حيث تراجع الإنتاج والصادرات على حد سواء.
تقهقر ألماني
- بحسب تقرير لـ"بلومبيرج" انخفض إنتاج صناعة السيارات الألمانية مجتمعة بنسبة 12% هذا العام، وانخفضت صادراتها بنسبة 14%، في حين تراجعت مبيعات السيارات الأوروبية بنسبة 3% خلال الثمانية أشهر الأولى من عام 2019.
- هدف معرض فرانكفورت لتوفير منبر عالمي لصناعة السيارات الألمانية تقدم فيه خططها الكبيرة والباهظة لتطوير صناعة المركبات الكهربائية، لكن البلد الذي ابتكر محرك الاحتراق الداخلي فشل حتى في اجتذاب الاهتمام المعهود في السابق.
- في الحقيقة كان غياب بعض الشركات عن الحدث بسبب رغبة الإدارات في توفير المال، وأحيطت تحركات مسؤولي شركات محلية رئيسية مثل "مرسيدس" و"بي إم دبليو" و"فولكس فاجن" باحتجاجات النشطاء البيئيين بسبب تمسك الصناع بمحركات الديزل والبنزين.
- يقول تقرير لـ"دويتشه فيله": كانت صناعة السيارات الألمانية دومًا قوة دافعة للابتكار، لكنها اليوم تكافح من أجل مواكبة التطورات، وربما يتسبب ترددها في تبني النماذج الكهربائية في خطر وجودي لها.
- السيارات الكهربائية آخذة في الانتشار حول العالم، على سبيل المثال، في النرويج، تشكل النماذج الكهربائية أو الهجينة 65% من جميع المركبات المباعة في البلاد، في حين لم تتجاوز النسبة في ألمانيا 7%.
تزايد الضغط الشعبي
- قال الرئيس السابق لشركة "أوبل"، "كار توماس نيومان" إن المعرض فشل فشلًا كبيرًا، لكن الأمور لم تتوقف فقط عند غياب بعض الشركات الكبرى والاحتجاجات المتعلقة بالمناخ والمخاوف المتعلقة بالنمو (ويكأن هذه المشكلات وحدها لا تكفي للضغط على الصناع).
- عشية انطلاق المعرض، قُتل أربعة من المارة في برلين بعدما صدمتهم سيارة دفع رباعي، ما أثار جدلًا واسعًا حول الفائدة المجتمعية من هذه المركبات التي تشبه الدبابات وتحرق الكثير من الوقود الملوث للبيئة.
- في حين تعرضت مجلة "دير شبيغل" لانتقادات حادة، لتصدر إحدى سيارات "بورش" الرياضية لغلافها مؤخرًا، كان اللوبي المنوط به الدفاع عن كبار منتجي السيارات الألمانية، منظمة "في دي إيه"، مشغولًا باستقالة رئيسه "برنارد ماتيس"، الأمر الذي أثار تكهنات بفقدان الصناعة نفوذها السياسي.
- بالعودة للحديث عن السيارات الكهربائية والخطط المناخية المتعلقة بالحد من الانبعاثات، تساءل تقرير "دويتشه فيله" لماذا لا تفعل ألمانيا المزيد لمواكبة المنافسة، ما دام يبدو فجر حقبة جديدة لصناعة السيارات قد حان، مشيرًا إلى خطط بكين في جعل 20% من مبيعات المركبات من نصيب النماذج الكهربائية بحلول 2025.
- يقول "نيومان": عندما يكون بحوزتك وصفة للنجاح، فمن الصعب التخلص منها والبدء من نقطة الصفر مجددًا، ما نحتاج إليه هو عقلية جديدة، صحيح أننا سنفقد بعض الوظائف، لكننا سنضيف البعض الآخر.
السيارات تعني الكثير لبرلين
- رغم لهجة "ميركل" التي عكست شعورها بالأسف تجاه تخلف الصناعة عن هدف النماذج الكهربائية، يُلقي محللون جزءًا من اللوم على الحكومات المتعاقبة في برلين، والتي شجعت صناعة السيارات على مواصلة طريقها وقاومت التغيير.
- بجانب المخاوف المناخية، فإن أكثر ما يشغل الرأي العام الألماني هو مصير العاملين في صناعة السيارات حال استمر الانكماش أو تخلف الصناع المحليون عن الركب العالمي للتحول نحو الأنماط الكهربائية الصديقة للبيئة.
- توفر صناعة السيارات الألمانية أكثر من 800 ألف وظيفة داخل البلاد، وتمثل جزءًا كبيرًا من إنتاجها وصادراتها، لذلك سعت الحكومات السابقة جاهدة لحمايتها من اللوائح التنظيمية المزعجة، التي قد تعرقل توسعها أو تهدد الوظائف.
- لكن دوام الحال من المحال، وقد كان هناك بعض العوامل التي جعلت يد برلين مرتعشة في الدفاع عن درة التاج الصناعي الألماني، مثل فضيحة الانبعاثات الخاصة بـ"فولكس فاجن"، وتبني الكثير من الألمانيين مواقف مضادة للتغير المناخي.
- بين ضغوط الرأي العام بشأن جدوى السيارات الرياضية الضخمة، والنشطاء المطالبين بالمزيد من الانضباط تجاه البيئة، ومخاوف الحكومة بشأن الانكماش الحالي والتخلف المحتمل في المستقبل عن الاتجاهات العالمية، يبقى صناع السيارات الألمانية في موقف لا يحسدون عليه.
المصادر: أرقام، دويتشه فيله، بلومبرغ، ديلي اكسبريس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}