في سبيل زيادة أرباحها، تلجأ الشركات لوسائل عدة، بعضها مشروع كأن تقرر عمل تحسينات على منتجاتها، وتسعى للوصول إلى العميل وإرضائه وتسويق ما تنتج، وبعضها غير ذلك بأن "تخدع" المستهلك ليشتري وتتنوع أساليب خداع الشركات للمستهلكين بشكل كبير.
تضليل
وأحد أهم أساليب التضليل وأكثرها شيوعًا منح المُنتج صفات غير حقيقية، وعلى سبيل المثال فإن شركة "دانون" للمنتجات الغذائية والألبان اضطرت لدفع 45 مليون دولار كتعويضات قبل 5 أعوام في الولايات بسبب إعلان يدعي قدرة الزبادي الخاص بالشركة على تحسين أداء الجهاز المناعي وعملية الهضم بسبب بكتيريا (مفيدة) مخصصة لذلك في المُنتج.
وفي عام 2008 رفعت مستهلكة أمريكية دعوى قضائية تطالب فيها بإثبات خطأ ادعاءات الشركة، وبعد عامين حصلت على تعويض، بسبب ما رأته المحكمة تسعيرًا باهظًا للمنتج (أكثر 30% من المنتجات المماثلة دون تلك البكتيريا) فيما أكدت الدراسات على المُنتج عدم وجود ما يُميزه عن غيره.
كما أمرت المحكمة الشركة بإزالة كافة أشكال الدعاية التي تشير لتفوق الزبادي الذي تنتجه، وذلك على الرغم من إعلانها عدم ارتكابها أي خطأ وأنها دفعت التسوية لكي "تتجنب التكلفة، والإلهاء الذي يسببه تورطها في نزاع قضائي".
ومن ذلك أيضًا حكم محكمة أمريكية على شركة أغذية أمريكية بتعويض 2.5 مليون دولار لكل المتضررين من إعلانها بحصول الأطفال على 25% من احتياجاتهم من الفيتامينات من أحد منتجات الشركة بينما اتضح خطأ هذه الادعاءات بشكل كامل.
إخفاء للحقائق
ومن بين الطرق التي يلجأ إليها المنتجون للتضليل عدم توضيح المواصفات كاملة، ومن ذلك ما يحدث مع بيع أجهزة الكمبيوتر كثيرًا على سبيل المثال، فقد تكون ذاكرة الوصول العشوائي (الرام) 16 جيجا على سبيل المثال، وبسعر أقل كثيرًا (حوالي 30%) من سعر منتجات منافسة، وذلك بسبب وجود عوامل أخرى مؤثرة تتعلق بعملها حالة توصيلها مع أخرى ومدى توافقها مع اللوحة الرئيسية (مازر بورد).
ولا يهتم المُنتج بتوضيح التفاصيل إلا إذا كانت تخدمه، ولذلك تشير دراسة لجامعة "يل" الأمريكية إلى أن التفاصيل الدقيقة للمنتجات لا يتم توضيحها في 78% من المنتجات على الأقل، وتزداد النسبة إلى أكثر من 80% في حالة البيع عبر الإنترنت، وإن قدم بعض المُنتجين عرضًا تفصيليًا لمواصفات المُنتج ولكن يلزم دخول المستهلك عليه ولا يظهر تلقائيًا.
ويمتد عدم توضيح مواصفات المنتجات ليشمل صياغة المعلومات بشكل مخادع، ومن ذلك ما تفعله المنتجات المبيضة للأسنان، حيث تتحدث عن "تنظيف طبقة المينا" التي تكسو الأسنان، بينما تقوم غالبيتها بما يشبه عملية التقشير لتلك الطبقة بما يؤدي لتآكلها والإصابة بآلام الأسنان ولو بعد حين.
معلومات صحيحة ولكن استنتاجات خاطئة
ومن بين أشهر أساليب الخداع المُتبعة تقديم بعض المعلومات الصحيحة مع الوصول منها لاستنتاجات خاطئة، ومن ذلك ما يفعله بعض منتجي زيوت الطعام النباتية حول غياب "الدهون المشبعة" منها نهائيًا على الرغم من أن هذا أمر طبيعي ولا يحتاج لإثبات من الناحية العلمية أولًا.
كما أن غالبية الأبحاث العلمية أثبتت احتياج الإنسان لكافة أنواع الدهون (بكميات محددة بالطبع)، ولذلك فإن تقديم غياب الدهون المشبعة عن الزيوت النباتية بوصفه ميزة مطلقة أمر يفتقر للصحة، لا سيما أن حصول الإنسان على دهون من الزيوت بكميات كبيرة تضره بطبيعة الحال.
وفي هذا الإطار أيضًا تبرز إعلانات "الشامبو" حيث تبدو "الرغوة" كثيفة للغاية ويبدو مستخدم السلعة سعيدًا بها، على الرغم من أن الرغوة لا علاقة لها إطلاقًا بفاعلية الشامبو، بل أن أكثر منظفات الشعر حفاظًا على الصحة لا يكون لها إلا القليل من الرغوة التي تسمح للمواد الفعالة في المستحضر بالانتشار فحسب.
وتشير دراسة لجامعة "أكسفورد" إلى استراتيجية ذكية يتبعها الكثير من المسوقين، وترتكز على إشعار المستهلك بالتميز لمجرد اقتنائه السلعة، فعلى الرغم من حظر القانون في بريطانيا لذلك إلا أنه يندر التزام الشركات بذلك.
حجب المعلومات
وأحيانًا ما تقدم الشركات على حجب بعض المعلومات، وعلى سبيل المثال، تم تغريم "وول مارت" 66 ألف دولار بسبب إعلان عن بيع 12 عبوة من المشروبات الغازية مقابل 3 دولارات، بينما تم بيعها بـ3.5 دولار في ولاية "نيويورك" فحسب، في تناقض مع عرض الشركة المعلن.
وعلى الرغم من تبرير الشركة لذلك بضرورة الإيفاء بما يُعرف بـ"ضريبة السكر" في ولاية "نيويورك"، إلا أن المحكمة ارتأت أن إعلان الشركة عن سعر معين يبقى ملزمًا في كافة الفروع، أو يكون عليها التنويه لوجود فروق سعرية في الولاية نفسها وخارجها.
ولا شك أن الاستراتيجية التسويقية القائمة على تغيير الشكل كل عام وبعض تفاصيل المنتج الحقيقية كل 3 أعوام تعتبر نوعا من الخداع للمستهلك قد يدفعه لتغيير لا يحتاجه أو لشراء مُنتج لا يختلف عما لديه إلا في بعض التفاصيل الصغيرة.
وعلى سبيل المثال، يعتبر موقع "جي.إس.إم.أرينا" المتخصص في شؤون الجوالات أن حوالي 50-65% من موديلات الهواتف المحمولة يمكن الاستغناء عنها في ظل وجود بدائل تقنية وسعرية لا تختلف كثيرًا عنها، ولكن الشركات ترغب في منح المستهلك "شعورًا زائفًا" بوجود مساحة كبيرة للاختيار.
شراء بلا هدف
ويدعم هذا التقدير حقيقة اعتماد غالبية الشركات المُصنعة للجوالات على نفس الشركات التي يحصل منها المنافسون على كافة أجزاء الجوال، بما في ذلك الشاشة والمعالج (بروسيسور) واللوحة الأساسية (مازر بورد) وغيرها بما يوحي بوجود فروق واقعية بين الشركات المتنافسة وإن أوحت إعلاناتهم بالعكس.
وفي هذا الإطار مثلًا، يعتبر موقع "سكيورتي إنتليجنس" المتخصص في شؤون التكنولوجيا أن 82% من مشتري أجهزة الكمبيوتر لا يحتاجون إلى المواصفات العالية التي يحصلون عليها، بل غالبًا ما يحتاجون إلى موديل أو حتى موديلين أقل مما يحصلون عليه.
ويتضح هذا الأمر في "المعالج" (البروسيسور) بصورة خاصة، فنحو 90% من المستهلكين يحصلون على معالج يفوق حاجتهم الفعلية بكثير، غير أن عدم امتداد التحديثات في البرامج إلا إلى الموديلات الحديثة (وهو ما يحدث في عالم الجوالات أيضًا) يجبرهم على اقتناء الموديلات الأحدث دون حاجة فعلية لها.
ولا شك أن الشركات لم تكن لتستطيع خداع المستهلك إذا لم يكن هو نفسه "قابلًا للخداع"، حيث تشير دراسة للجمعية الأمريكية للطب النفسي أن 60% من المستهلكين كانوا يسألون أنفسهم عما إذا كانوا يحتاجون لاقتناء السلعة التي يقدمون على شرائها عام 1985، وانخفضت النسبة إلى 10% فحسب في عام 2015.
المصادر: شبكة "إيه.بي.سي" الأمريكية، دراسة لجامعة "يل"، "سي.إن.إن"، "بيزنيس إنسايدر"، "سكيورتي إنتليجنس"، دراسة لـ"أكسفورد"، تقرير للجمعية الأمريكية للطب النفسي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}