عادة إذا قطع الملياردير "جيمس دايسون" -مؤسس واحدة من كبرى شركات الإلكترونيات الاستهلاكية في المملكة المتحدة- عهدًا، فلا يتراجع عنه، وهو ما جعل قراره بالتخلي عن مشروع تصميم سيارة كهربائية في شهر أكتوبر، بمثابة المفاجأة للجميع.
أعرب "دايسون" لموظفيه عن بالغ أسفه للتخلي عن مشروع "السيارة الرائعة" في ما وصفه البعض بأنه "تراجع مدفوع بالتواضع"، وفي حين أن هذا ربما يكون صحيحًا، فإن قرار الملياردير البريطاني كان مدفوعًا بالحكمة أيضًا، إذ لا تعرف مشاعر الخوف من الفشل طريقًا إلى قلب الرجل.
لكي ينمو أي نشاط تجاري، يجب اتخاذ قرارات صعبة، وهذا لا ينطبق على المشاريع الجديدة ولكن استراتيجية الشركة ككل، وقد تم فصل "جون فلينت" من منصب الرئيس التنفيذي لمصرف "إتش إس بي سي" في أغسطس، لأن مجلس الإدارة اعتقد أنه يتجنب الخيارات الصعبة.
السرعة الحاسمة
- مهمة الرئيس التنفيذي هي اتخاذ القرارات لا سيما الصعب منها، خاصة عندما تواجه الصناعات تعطلًا بنماذج أعمالها، مثلما فعل "مانفريد كنوف" عندما تولى قيادة أعمال الخدمات المصرفية للأفراد في "دويتشه بنك"، وقرر سريعًا الدفع بخطة لتوفير 1.4 مليار يورو (1.56 مليار دولار) من التكاليف السنوية.
- رغم تحذير "كنوف" من عدم صبره، يبدو أنه كان مدركًا تمامًا لحقيقة أن سابقيه لم يمضوا وقتًا كافيًا في "دويتشه بنك" لإثبات قدراتهم، في موقف مناقض لشركة "بوينغ" التي اتُهمت مؤخرًا بعدم الحياد لاستغراقها وقتًا طويلًا للفصل بين أدوار رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي.
- في الحقيقة، يبدو أن "بوينغ" ما زالت تصر على تجاهل عامل الوقت منذ البداية، فبعد حادث تحطم طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية من طراز "737 ماكس 8" في شهر مارس، استغرق الأمر من مسئولي الشركة أكثر من أسبوع ليعربوا عن أسفهم ويظهروا تعاطفهم مع ضحايا الحادث.
- هذا التأخر وقلة التصريحات حول أسباب الحادث والإجراءات المتبعة بعده خلقت "فجوة تعاطف" بين الشركة والجمهور، وبدا مسئولو "بوينغ" كما لو أنهم بلا مشاعر ولا يرغبون في الاعتراف بالمصاب الأليم الذي يعاني منه أهالي الضحايا.
- مرت الأشهر منذ ذلك، واطمأن المستثمرون إلى أن الشركة لن تلجأ إلى إزاحة "دينيس مويلينبرغ" من منصب رئيس مجلس الإدارة، لكن ذلك تغير فجأة في الحادي عشر من أكتوبر عندما قررت وضع "ديفيد كالهون" في هذا المنصب، ليركز "مويلينبرغ" على المهام التنفيذية.
منبع الخطأ
- إن التردد أمر شائع في الشركات التي تواجه احتمالات هائلة في الأوقات التي يكافح فيها المسؤولون التنفيذيون لتقييم البدائل الاستراتيجية المستقبلية، ويشعر الكثير من المديرين بالإحباط بسبب تجمد عملية صنع القرار.
- في حالات مثل أزمة "بوينغ"، يكون هناك نهج متبع لمعالجة المشاكل التي قد تطال سمعة العلامة التجارية، وعادة ما يكون من واجب العلاقات العامة، ويعتمد بشكل رئيسي على التواصل بين الشركة والجمهور سريعًا وعاطفيًا وبشكل صادق.
- وفقًا لشركة "برنشتاين" لإدارة الأصول، فإن الشركات التي تمر بأزمة تحتاج إلى الإجابة سريعًا وبكفاءة عن أسئلة أصحاب المصلحة، وليس الركض والاختباء كما يفعل الكثيرون بعفوية.
- على أي حال، لا يكون الخطأ دائمًا بسبب الرئيس التنفيذي، فبعض المديرين يمكنهم اتخاذ القرارات البسيطة المرتبطة بمناصبهم بكل ارتياح، لكن عند ترقيتهم إلى مستوى أعلى يشعرون بالغموض وعدم اليقين، وتكون النتيجة تذبذباً في اتخاذ القرار، ويميلون إلى استخدام حسهم الشخصي بدلًا من البيانات.
قاعدة "الخمس ثوان"
- التردد يمكن أن يؤثر على الرئيس التنفيذي، ولعل ذلك يفسر استخدام الرئيس التنفيذي المؤقت لـ"إتش إس بي سي" قاعدة "الخمس ثوان" لحث المديرين على الوصول إلى قرارات، فبعد عرضهم للخيارات والاستراتيجيات، يطلب منهم التوقف بضع ثوان ليختاروا واحدة.
(قاعدة الخمس ثوان، هي رواية متداولة في الغرب تقول إنه إذا سقط من أحد الطعام على الأرض، فإمكانه أن يلتقطه ويتناوله بأمان حال كان بمقدوره فعل ذلك خلال خمس ثوان)
- يتيح "نويل كوين" الوقت بعد ذلك للمديرين التنفيذيين للتفكير أكثر في خياراتهم الغريزية وتغيير رأيهم إذا رغبوا في ذلك، لكن الفكرة تكمن في الإجبار على استخدام الحدس بعد النظر في الأدلة، لأن ذلك يساعد على تجنب التعرض لحالة الجمود عندما تكون الإجابة صعبة المنال.
- القرارات الحاسمة لها مكاسب، مثل تجنب بعض المخاطر التي تخلق حالة من الضبابية حول العلامة التجارية وحتى فقدان المديرين لوظائفهم، كما أن المستثمرين ووسائل الإعلام ينجذبون إلى القصص الواضحة ولا يحبون عدم اليقين.
- أيضًا ربما يكون الأمر ممتعًا، إذ يقول عالم النفس الحائز جائزة "نوبل"، "دانييل كانيمان": يفكر المدير في نفسه كقبطان لسفينة في بحر عاصف، ويحتاج للاستجابة بمهارة للعوامل المحيطة به، لذا من الأفضل له أن يختار وجهة بشجاعة والإبحار نحوها بدلًا من التجول في نفس المكان.
- يقول "كانيمان" إن حتى أولئك الذي يتصرفون بحكمة وحسم لا يزالون عرضة للخطأ وليسوا معصومين، محذرًا مما سمّاه "تأثير الهالة" حيث يُعتقد أن المسؤول الذي نجح من قبل سينجح في أي مشروع يدخله بعد ذلك.
- كان "دايسون" واضحًا عندما تخلى عن مشروعه كما كان واضحًا عندما أعلنه، وذلك بسبب الصعوبات التي يعتقد أنها في الطريق، فالأمر يصبح صعبًا للغاية عندما يضع قائد النشاط الشركة بأكملها في مسار جديد فقط لاكتشاف العقبات.
المصادر: فايننشال تايمز، سي إن إن، أرقام
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}