عندما يضرب الكساد الاقتصاد فإنه يقدم تحديات جمة وفرصًا قليلة، وكثيرًا ما تم النظر إلى قطاع سلع الرفاهية، والتي تضم اليخوت والسيارات الفارهة والساعات الباهظة الثمن وغيرها، على أنها "محصنة" ضد الركود، حيث تعتمد على أصحاب الثروات، الذين يأتي تأثرهم بالركود بدرجة أقل من غيرهم.
اليخوت مثلًا
ويستند هؤلاء الذين يفترضون عدم تأثر سلع الرفاهية على حقيقة أن أغنى 5% من الأمريكيين شهدت نسبة ثرواتهم (من أصل مجمل ثروات الأمريكيين) نموًا مستمرًا خلال العقدين الأخيرين على الأقل بما في ذلك إبان الأزمة المالية العالمية (2007-2009) بما يجعل مشترو سلع الرفاهية في وضع محصن.
ويتناقض هذا ما عرضته "بلومبرج" في تقرير لها مؤخرًا حول معاناة صناعة اليخوت حول العالم بسبب مخاوف الركود، حيث أصبحت أحد أكثر الصناعات تراجعًا بنسبة 7% متوقعة خلال العام الحالي، بل شهدت شركات بعينها، التي تصنع اليخوت الكبيرة للغاية، تراجعًا بنسبة 40% في حجم المبيعات.
بل وكثيرًا ما يكون الطبقات الأغنى هم الأسرع في الانخفاض بنفقاتهم، حيث إنهم من يرصدون أية مشكلات اقتصادية سلبية قد لا يدركها هؤلاء الأقل اهتمامًا بالاقتصاد، وبالتالي يعمدون إلى التقليل من نفقاتهم بشكل ملحوظ، وذلك حتى قبل أن يشهد الاقتصاد ككل تراجعًا أو كسادًا.
وبناء على ذلك يشير تقرير لشبكة "سي.إن.بي.سي" إلى أن أغنى 1.5 مليون مالك لمنازل في الولايات المتحدة خفضوا نفقاتهم بنسبة 5% في الربع الثاني من عام 2019، وذلك عند بدء الحديث فحسب عن احتمالية الوصول إلى حالة من الركود في نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل.
لماذا؟
وتقول الشبكة في تقريرها إن هذا كان لافتًا في ظل عدم تأثر مستويات ثقة المستهلك العامة إلا في نهاية الربع الثالث من العام الحالي، وتحديدًا في جزء من شهر أغسطس وشهر سبتمبر بأكمله، بما يؤشر لوجود شكل من أشكال "الإنذار المبكر" الذي يعمل لدى هؤلاء الأعلى ثروة بطبيعة الحال.
هناك سببان رئيسيان لتراجع مشتريات الطبقة الأغنى، منها إدراكهم لمدى خطورة الأسواق المتقلبة وتباطؤ النمو العالمي، حيث تمتلك أعلى 10٪ ثروة في الولايات المتحدة أكثر من 80٪ من الأسهم في الولايات المتحدة، لذلك فهي أكثر حساسية للتأرجحات الأخيرة في الأسهم والسندات.
أيضًا، ونظرًا لأن العديد من الأثرياء يمتلكون أيضًا شركات تعمل في الخارج أو لديهم "تعرض" (احتكاك) خارجي، فقد أصبحوا بمثابة نظام إنذار مبكر للعواصف الاقتصادية التي تتشكل حول العالم، بل وكثيرًا ما يتسببون نتيجة لحذرهم الزائد في انخفاض نفقات الطبقة المتوسطة بما يلحق بالأغنياء الضرر في نهاية المطاف.
فوفقًا لشبكة "فوربس" انخفضت مبيعات السيارات الفارهة التي تزيد عن مليون دولار في الولايات المتحدة، وهي نادرة، بنسبة 50% خلال نصف العام الأخير، بينما انخفضت تلك بين 750 ألف إلى مليون دولار بنسبة 35% لتبقى السيارات دون ذلك السعر دون تأثر كبير (وإن شهدت مبيعات السيارات في الولايات المتحدة تراجعًا عامًا ولكن ليس بتلك النسب الكبيرة).
القيمة مقابل المال
وتشير دراسة لجامعة "طوكيو" إلى أن مبيعات الساعات الفارهة (والتي تصنفها الدراسة أغلى من 50 ألف دولار) تراجعت بنسبة 60% في اليابان إبان الأزمة المالية العالمية، بينما تراجعت مبيعات السيارات الفارهة بنسبة 30%، ومبيعات المجوهرات بنسبة 34%.
وترجع الدراسة مثل هذا التراجع إلى اهتمام جزء كبير من الطبقة الأغنى بمفهوم الحفاظ على الثروة، فحتى حال إقدامهم على شراء سلع باهظة الثمن، فإن نسبة 84% من الطبقة الأشد ثراءً تهتم بمفهوم القيمة مقابل المال بدرجة كبيرة، وكذلك بحال الاقتصاد الذي يضمن إمكانية إعادة البيع بشكل سريع وبمقابل جيد.
وعلى الرغم من ذلك، يشير تقرير لموقع "كوراتز" إلى أن صناعة الموضة في الولايات المتحدة تبدو محصنة ضد الركود، حيث نجحت بيوت الأزياء الخمسة الأكبر في النمو بنسبة 7% إبان الأزمة المالية العالمية، بما يجعلها غير معرضة بشدة لتأثيرات الركود السلبية.
ويرجع ذلك إلى ضآلة نسبة ما ينفقه الأثرياء على مثل تلك السلع مقارنة بدخولهم ومدخراتهم، بما لا يجعلها موضعا لنفس التحليل من حيث القيمة مقابل المال، فضلًا عن عدم أخذ عنصر سعر إعادة البيع في الحسبان، لأنه لا يتم "تقليديًا" إعادة بيعها، لتبقى فرضية عدم تأثر سلع الرفاهية بسبب الركود مخطئة للغاية، حيث إنها تتأثر بمجرد "نذره" وليس تحققه واقعًا على الأرض.
المصادر: بلومبرج، "سي.إن.بي.سي"، "فوربس"، دراسة لجامعة "طوكيو"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}