قال البنك المركزي الهولندي في تقرير نشره مؤخرًا إنه في حال كانت هناك إجراءات ضبط نقدي واسعة النطاق، فإن مخزون الذهب قد يكون ضرورة لإعادة بناء النظام النقدي العالمي، مضيفًا: الذهب يعزز الثقة في استقرار الميزانية العمومية للبنوك المركزية ويخلق شعورًا بالأمان.
إذا كان المعدن النفيس يخلق شعورًا بالأمان، فإن الحديث عنه بهذه الطريقة عادة ما يكون مقلقًا، مثلما حدث عندما فاجأ المستثمر الملياردير "راي داليو" الحضور في مؤتمر لمعهد التمويل الدولي، بحديثه عن إمكانية الهروب إلى الذهب بسبب مخاوفه بشأن الوضع المالي الأمريكي.
هذه ليست نقطة جيدة، فمنذ عام 2016، يشير رواد "وول ستريت" أمثال "جيمي ديمون" و"ستانلي دروكينميلر" إلى أن استحقاقات التقاعد والرعاية الصحية غير الممولة تشكل خطرًا يلوح في أفق الاقتصاد الأمريكي.
الأزمة المحتملة في الولايات المتحدة
- إحدى النظريات حول الأزمة الأخيرة في سوق الإقراض لليلة واحدة "الريبو"، هي أنها ناجمة عن العجز الفيدرالي وعدم رغبة المستثمرين خارج الولايات المتحدة في تمويله، لكن السيد "داليو" ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك.
- خلصت رؤية الملياردير إلى أن أزمة الاستحقاقات الأمريكية تعني أنه على الاحتياطي الفيدرالي مواصلة تضخيم ميزانيته العمومية إلى أجل غير مسمى، وأن يبقي أسعار الفائدة منخفضة للغاية (أو حتى سالبة) في المستقبل، حتى تتمكن البلاد من سداد التزاماتها.
- هذا من شأنه خفض قيمة الدولار، وفي السيناريو الأسوأ فإن هذا التدهور لن ينتهي أبدًا، ويقول "داليو": عند مرحلة ما، لن يرغب أحد في امتلاك ديون الولايات المتحدة أو عملتها وسيتطلع المستثمرون إلى أصول أخرى، وهناك اعتقاد بأن الذهب هو الأصل الوحيد الذي يمكنه تجاوز هذه البيئة.
- وفقًا للمحلل "لوك جرومين" فإن مدفوعات الاستحقاقات السنوية للولايات المتحدة، تصل إلى 112% من إيرادات الضرائب الفيدرالية ارتفاعًا من 103% قبل 15 شهرًا و95% قبل عامين، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى خفض "دونالد ترامب" للضرائب.
- مع احتمال خفض الضرائب مجددًا وفي ظل تخفيف السياسة النقدية لدعم الأسواق، ستتآكل الثقة بالدولار على المدى الطويل، خاصة مع تحول الصين إلى شراء المنتجات الرئيسية بعملتها الخاصة، والاعتماد بشكل أكبر على اليورو وتعزيز العلاقات من الشركات الأوروبية.
سر انتعاش الذهب
- عُرف الذهب بعلاقته السلبية القوية مع الأسهم، وخلال الأزمة المالية العالمية وما أعقبها، كان المعدن النفيس هو الأفضل أداء، حيث ارتفع بأكثر من 110% بين عامي 2007 و2011 في الوقت الذي هبط فيه سوق الأسهم 50%.
- نظرًا لإمداداته الثابتة ودوره الصناعي المحدود، فإن الذهب لا يتأثر أيضًا بدورة الأعمال مثل المعادن النفيسة الأخرى كالفضة والبلاتين، وهذا ما يجعله مقاومًا للتضخم نسبيًا، بل ويذهب البعض للاعتقاد بأنه من الأصول الجيدة للاقتناء أثناء الانكماش.
- يوصي "داليو" بتخصيص 5% إلى 10% من محفظة المستثمر للذهب، كوثيقة تأمين، وهو ما يراه محللون أمرًا سهلًا في ظل عدم احتياج المستثمر لاقتناء السبائك المادية اليوم، وإمكانية الاستثمار في الصناديق المتداولة التي تغنيهم عن التفكير في مسائل مثل التخزين والشحن والسرقة.
- يرى محللون ومستثمرون أن تصرفات الحكومات والبنوك المركزية تؤدي إلى تدهور قيم العملات، بسبب خفض فائدة الاقتراض بشكل حاد، وضخ المزيد من الأموال في النظام المالي، والدين الحكومي الهائل، وهي أمور يرونها مبررة لشراء أصول أكثر أمانًا.
- يقول المتداول المخضرم في سوق العقود والخيارات "جيم لاوريو": منذ نوفمبر 2018، عندما بدأ الفيدرالي التحرك نحو تخفيف سياسته ولهجته، تدافع المستثمرون نحو الذهب (الذي ارتفع بنسبة 14% هذا العام) وكذلك عملة "بتكوين" الرقمية رغم تقلباتها الحادة.
خطر طويل الأجل
- بشكل عام يقول مؤيدو الذهب، إنه أصل يوفر طريقة آمنة لتنويع المحفظة الاستثمارية، خاصة أنه يتحرك في اتجاه معاكس للأسهم، كما أنه يشكل وسيلة للتحوط ضد تآكل قيمة العملة وتفاقم التضخم والكوارث الاقتصادية، حيث يرتفع سعره في مثل هذا السيناريو.
- في المقابل، هناك أسباب تدعو إلى عدم شراء الذهب، ويقول الملياردير "وارن بافيت" إن المعدن النفيس لا يصلح كنوع من الاستثمار كونه لا يوفر دخلًا في صورة توزيعات أرباح كالأسهم أو فائدة كالسندات والودائع، كما أن عائده على المدى الطويل يكون ضئيلًا للغاية مقارنة بالأسهم.
- في ظل بيئة الفائدة المنخفضة الحالية، فإن المقارنة بفوائد البنوك ليست منطقية إلى حد كبير، كون ما يحصل عليه المرء من حساب التوفير أصبح منخفضًا بشكل تاريخي أيضًا.
- بالنسبة للمقارنة بالأسهم، فنعم قد تبدو أكثر نفعًا من المعادن النفيسة، لكن عندما يتعلق الأمر بالتحصن ضد انهيار السوق سيكون الذهب الحصن المنيع، والملاذ الآمن لحفظ القيمة.
- البعض يرى أنه حتى لو تراجعت قيمة الدولار وثقة الدائنين في قدرة أمريكا على سداد ديونها، ستظل الأسواق مرتفعة لفترة من الزمن، لكن العالم بأثره يشهد تراجعًا في العولمة، ويظهر التاريخ أنه عندما يحدث ذلك، ففي النهاية تنهار أسعار الأصول في أي بلد يرتبط بالنظام القديم .
المصادر: فاينانشيال تايمز، موتلي فول، سي إن بي سي، ريتشتوبيا
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}