الرواية
جزء من الراوية المكررة عن رواد الأعمال الناجحين رغم اختلاف تجاربهم، هو أنهم نجحوا في النهاية بعدما ذاقوا مرارة الفشل أولًا، وأغلب هؤلاء المستثمرين أيضًا يرددون عبارات مثل "حينما تفشل ستتعلم دروسًا قيمة من شأنها مساعدتك في المشروع التالي".
في الحقيقة هذه خرافة، ففي حين تبدو القصص عن الفرصة الثانية مسلية ومطمئنة، فإن بحثًا أجراه رئيس قسم ريادة الأعمال والابتكار في كلية إدارة الأعمال بجامعة أدنبره "فرانسيس غرين"، أظهر أن أغلب رواد الأعمال لا يتعلمون من أخطائهم.
والأكثر من ذلك، أنه في حال فشل رائد الأعمال لمرة واحدة يصبح عرضة للفشل من جديد بشكل أكبر، ويقول "غرين": الإيمان بأسطورة المغامر الذي يتعلم من فشله تقود إلى مزيد من الفشل وخيبة الأمل والإحباط.
من جانبه يقول "روس آلان برنس" المستشار المالي لمكاتب إدارة الثروات والمؤلف المشارك لكتاب "التخطيط لثروات النخبة وعالمك المالي الأمثل"، إن مفتاح الحكمة في عالم الأعمال هو التجربة، لكن التجربة بذاتها لا تتحول تلقائيًا إلى حكمة.
ويضيف: توفر التجربة الدروس المستفادة التي تمدك بالحكمة لاحقًا، لكن خوض التجربة لا يعني بالضرورة تعلم هذه الدروس، وإنما تأتي الحكمة من فحص التجارب وتحديد أسباب الفشل والنجاح، ومعرفة ما يجب فعله لتحسين التجربة.
الفشل في التعلم من التجربة
- هناك العديد من الأسباب وراء تكرار الفشل في عالم الأعمال، أهمها نفسي، فالتعلم عملية معقدة لا تتم عادة ببساطة ووضوح كما يأمل الناس، حيث من الصعب استخراج الدروس حول أخطاء التجربة السابقة ومعالجتها عند تطبيق فكرة جديدة.
- بعد تعاون مع الآلاف من رواد الأعمال والشركات الناشئة في الأوساط الأكاديمية والحكومية، وجد "غرين" القليل من الأدلة الموثوقة على أن الفشل يساعد الناس على تعلم النجاح، وخلص إلى أن مجموعة من القصص الشهيرة التي فشل أصحابها في البداية هي ما تتصدر المشهد.
- ينسى الناس بسهولة العدد الأكبر من رواد الأعمال الذين فشلوا ولم يتمكنوا من سرد حكاياتهم، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال؛ 50% فقط من الشركات الناشئة تبلغ عامها الخامس، ويكون العدد أقل كثيرًا عند مرحلة عمرية متقدمة، بحسب مكتب إحصاءات العمل.
- بالنظر في أعمال 8400 شركة ألمانية ناشئة أطلقها رواد أعمال سبق لهم الفشل، لم يتبين أنها كانت قادرة على تحقيق أداء أفضل من الشركات الأولى للمؤسسين، وفي الواقع، كانت نتائجها أكثر سوءًا، وكان رواد الأعمال أكثر عرضة للإفلاس.
- كشفت دراسة أجرتها كلية هارفارد للأعمال عن الشركات المدعومة برأس مال مغامر في الولايات المتحدة، عن أن رواد الأعمال الذين سبق لهم الإخفاق لم يكن من المرجح أن يحققوا نجاحًا بنسبة أكبر من نظرائهم الجدد.
ما سر الفشل في التعلم؟
- يقول "آلان برنس": في تجربتي، وجدت أن الكثير من رواد الأعمال يخفقون في التعلم من تجاربهم السلبية، وعندما تفشل المشروعات أو تتبخر مبادراتهم أو حتى شركاتهم، فإنهم يتراجعون ويستسلمون لألم الفشل.
- لكن هناك حقيقة مؤسفة أخرى، هي أن العديد من رواد الأعمال القادرين على التحرك مرة أخرى بعد مواجهة فشل كبير، يواصلون الفشل مرارًا وتكرارًا لنفس الأسباب التي أدت إلى إخفاقهم في المرة الأولى؛ إن إخفاقهم الأساسي يتمثل في عدم تعلمهم من التجربة.
- في عالم الأعمال، لا تكون عملية التعلم مشابهة لما في لعبة كرة القدم أو الشطرنج، حيث يواجه الفريق أو الشخص نفس العوامل والمؤثرات، فالأسواق تتطور ومزاج العملاء متقلب، وهذا يعني أن تفسير الإجراءات والخبرات السابقة والاستفادة منها أمر صعب للغاية.
- يحتاج تأسيس النشاط التجاري إلى تنسيق المهام المعقدة والمترابطة مثل التسويق واللوجستيات والتخطيط المالي والمبيعات والعمليات، لكن الأغلبية العظمى من رواد الأعمال يميلون بطبيعتهم البشرية إلى تبسيط القصص التي يغذون أنفسهم بها.
- على سبيل المثال، من السهل عليهم القول إن بضعة أرباع سنوية من المبيعات السيئة كانت وراء انهيار الأعمال، وليست سلسلة من المشاكل المتتالية في جميع أنحاء الكيان التجاري التي تسببت في تراجع المبيعات، بحسب "غرين".
- يضيف "غرين": الميل إلى المبالغة في تبسيط الأمور يقترن مع سمة إنسانية أخرى هشة، وهي إلقاء اللوم في إخفاقات الماضي على الأحداث الخارجية، بدلًا من ربطها بالأعمال، فمثلا يلوم رائد الأعمال البنك عادة لأنه لم يمنحه الائتمان ولا ينظر في سبب رفض البنك.
كيف تختلف نخبة ريادة الأعمال؟
- إن السمة المكررة في رواد الأعمال الأثرياء هي التدقيق في أسباب الخسارة والإخفاق لتحسين قدرتهم على صنع القرار، وكذلك البحث الدقيق في التجارب الناجحة لتحديد عوامل هذا النجاح والبناء عليها مجددًا، ويحدد "آلان برنس" ما يقول إنها خمس خطوات حيوية لاستخراج الحكمة من التجربة.
خطوات لتحويل التجربة إلى حكمة يستفيد منها رائد الأعمال في المستقبل |
|
الخطوة |
الشرح |
مراجعة التوقعات |
- على رائد الأعمال الانتقال إلى كل مبادرة أو مشروع جديد بتوقعات جديدة محددة بوضوح.
|
تحديد النتائج بالتفصيل |
- هناك درجات مختلفة من الفشل والنجاح، لذلك على رائد الأعمال أن يصف بدقة الوضع الحالي، وكذلك توقعاته حول أين تتجه الأعمال.
|
وضع قائمة بجميع القرارات الجيدة والسيئة |
- ينبغي لرائد الأعمال الذي يطارد حكمة كل تجربة، توثيق القرارات التي تبين لاحقًا أنها جيدة وحتى تلك التي تبين أنها خاطئة.
|
تحديد الدروس التي ينبغي تعلمها |
- من خلال التفكير بعناية في النتائج الجيدة والسيئة، من المحتمل أن يرى رائد الأعمال الأسباب الكامنة وراء الأداء المحقق، وبعد هذه الاستنتاجات سيكون من السهل عليه تحديد الدروس.
|
التركيز على الدروس الأكبر |
- في الغالب، سيجد رائد الأعمال نمطًا من السلوك ينتج عنه نجاحات أو أخطاء متكررة، ومع التدقيق وتحديد طرق التفكير والإجراءات المعتادة، سيكون بمقدوره الفصل بين الاستثناء والمعتاد لتحديد الدروس الأكثر أهمية.
|
المصادر: وول ستريت جورنال، إنتربرونير
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}