بالنسبة لاقتصاد تمثل فيه الصادرات أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي، كان منطقيًا أن تقوم نهضة كوريا الجنوبية اعتمادًا على الإمبراطوريات الصناعية الموجهة نحو التصدير؛ وإحدى أبرز هذه الإمبراطوريات كانت شركة "دايو" التي بدأت بغزل النسيج ووصلت إلى إنتاج السفن.
مؤسس "دايو" التي اندثرت تحت وطأة الديون في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية، "كيم وو تشونغ"، كان أحد أشد المؤمنين بضرورة توجيه الاقتصاد الكوري نحو التصدير نظرًا لمحدودية موارد البلاد، حتى إنه رفع شعار "نحو العالم.. نحو المستقبل".
"كيم"، الذي قُدر له أن يرى نهضة بلاده كما رغب، لسوء حظه لم يستطِع أن يرى حلمه بأن يصبح "جنكيز خان صناعة السيارات" يتحقق، ووافته المنية في التاسع من ديسمبر، بعد نحو 20 عامًا من العزلة منذ انهيار أعماله.
نشأة حزينة ودعم غير متوقع
- وُلد "كيم" في التاسع عشر من ديسمبر عام 1936 في مدينة تايجو، ووجد نفسه مضطرًا للعمل في بيع الصحف بحلول الرابعة عشرة من عمره، عندما اختُطف والده على يد القوات الاشتراكية (التابعة للشمال) خلال الحرب الكورية الأهلية، ولم يظهر بعد ذلك أبدًا.
- رغم إعالته لأسرته وتحمله لنفقاته الشخصية لفترة من طفولته، استطاع "كيم" الالتحاق بمدرسة "كيونجي" الثانوية المرموقة في سيول، وفي عام 1960 تخرج في جامعة "يونسي" حاصلًا على بكالوريوس الاقتصاد.
- بدأ "كيم" حياته المهنية في عام 1961 في شركة "هانسونغ إندستريال" المملوكة لأحد أقربائه، وبعد ست سنوات من العمل بها، اتخذ قرار المغامرة وبدء مشروعه الخاص بقرض قيمته 10 آلاف دولار لإنشاء "دايو إندستريال" للمنسوجات.
- رغم اختفاء والده في وقت مبكر من حياته، فقد كان له فضل في إثراء الحياة المهنية لـ"كيم"، كونه كان المعلم الخاص بـ"بارك تشونغ هي" الجنرال في الجيش الكوري ورئيس البلاد خلال الفترة من عام 1962 إلى 1979، والذي دعم "كيم" بشكل كبير.
- بالتزامن مع السياسات الاقتصادية للحكومة في عام 1976، طُلب من "كيم" الاستحواذ على شركة للصناعات الثقيلة مدينة بالكثير من الأموال، واستطاع مؤسس "دايو" أن يحولها للربحية في غضون عام، ليواصل بعد ذلك الاستحواذ على أنشطة في مجالات مختلفة، منها السفن والأجهزة المنزلية.
الاستحواذ على طريقة الأخطبوط
- أُطلق على "كيم" اسم "الإمبراطور الأخطبوط"، الذي يترأس مجموعة من الشركات القائمة على الديون، والتي تستطيع إنتاج كل شيء، بدءًا من القمصان النايلون إلى المسدسات والأجهزة المنزلية والسيارات والناقلات.
- في سيرته الذاتية التي حملت الاسم "العالم كبير.. هناك الكثير لتفعله" يقول "كيم" إن باستطاعته شم رائحة الأموال أينما كانت، ويدّعي أيضًا أنه لم يفعل شيئا في حياته سوى العمل، وكانت إجازته الوحيدة على الإطلاق نصف يوم لحضور حفل زفاف ابنته.
- في حين أشادت تقارير عدة بمنتجات مجموعة "دايو"، فإن حلم "كيم" دائمًا ما كان التميز في صناعة السيارات، واشترى عام 1982 شركة متعثرة في هذا القطاع، وأطلق عليها "دايو موتور"، والتي حصلت على حق إنتاج مركبات "جنرال موتورز".
- دخلت "دايو" في شراكة مع "جنرال موتور" التي اشترت مجموعة من أسهم الشركة الكورية في البداية، ثم انسحبت خوفًا من الديون المتراكمة، وأعلن "كيم" حينها أنه رغم ذلك سيكون قادرًا على جعلها إحدى أفضل 10 شركات مصنّعة للسيارات في العالم.
- عندما بدأ الاتحاد السوفيتي في التداعي أواخر الثمانينيات، أطلق "كيم" سلسلة من عمليات الاستحواذ في البلدان الشيوعية والنامية، وعند مرحلة ما، كانت "دايو" تشتري شركة كل 3 أيام، وأقامت مصانع لإنتاج السيارات في 14 دولة، منها الصين والهند وأوروبا.
نهاية مؤسفة وأثر باقٍ
- في عام 1996، عندما كان "كيم" يبلغ من العمر 60 عامًا، سجّلت مجموعة "دايو" مبيعات سنوية تتجاوز 60 مليار دولار، في نتائج مذهلة لشركة بدأت نشاطها للنسيج داخل غرفة واحدة وبفريق عمل من 5 موظفين، لتصبح ثاني أكبر تكتل أعمال في كوريا الجنوبية.
- لكن الأيام الجيدة لا تدوم، وانهارت الإمبراطورية الحلم (بالنسبة لـ"كيم") في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية في الفترة بين 1997 و1998، والتي كشفت النقاب عن عيوب هيكلية في اقتصاد البلاد، وحذّر البعض آنذاك من أن طفرة النمو المفاجئ قد انتهت.
- بحلول الوقت الذي انهارت فيه "دايو"، كان يعمل لديها 350 ألف موظف، وبلغت مبيعاتها السنوية، نحو 67 مليار دولار، وامتلكت 41 شركة في الداخل و600 وحدة وفرع تابع في الخارج، لكن أيضًا تضخمت ديونها إلى 80 مليار دولار وافتقرت للسيولة.
- رغم أن "كيم" توارى عن الأنظار منذ تفكك إمبراطوريته في عام 1999، فإنه أصبح حديث الرأي العام بعد 7 سنوات، حيث حُكم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة تضخيم أصول الشركة وتزوير مستنداتها للحصول على قروض بنكية وتحويل مليارات الدولارات خارج البلاد.
- في عام 2007، تم إطلاق سراحه بموجب عفو رئاسي، ورغم هذا التحول الدراماتيكي في قصته، ظل "كيم" أسطورة الأعمال في كوريا الجنوبية، ويشار إليه كأيقونة لنهضة البلاد من تحت رماد الحرب.
- تلاشت العلامة التجارية لـ"دايو" في كوريا الجنوبية بشكل كامل تقريبًا، لكن العشرات من المديرين التنفيذيين الذين بدأوا حياتهم المهنية وتتلمذوا على يد "كيم"، يقودون عالم الأعمال الكوري حاليًا ويطلقون على أنفسهم "رجال دايو".
المصادر: بريتانيكا، نيويورك تايمز، رويترز، درايف، التلغراف، واشنطن بوست
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}