في مارس الماضي، تحطمت طائرة ركاب من طراز "بوينغ 737 ماكس" في إثيوبيا، بعد ستة أشهر فقط من حادث مماثل في إندونيسيا، وقُتل ما يقرب من 350 شخصًا في الحادثتين، اللتين كشفتا عن خلل في نظام التحكم الخاص بالطائرة.
تعتمد شركات الطيران على تسلم الآلاف من نماذج "ماكس" على مدار العقد المقبل أو نحو ذلك، لذا كان من المتوقع أن تشكل هذه الطائرة حصة كبيرة من الأرباح المستقبلية لـ"بوينغ"، والتي تعد أحد أكبر المصدرين الأمريكيين وتوفر عملاً لمليون شخص بشكل مباشر أو عبر مورديها.
في السادس عشر من ديسمبر، قررت "بوينغ" وقف إنتاج الطائرة "737 ماكس" -42 طائرة شهريًا- بدءًا من يناير، على أن يكون ذلك لفترة مؤقتة غير محددة -لا يتوقع الخبراء أن تكون بالقصيرة- في نبأ تسبب في تراجع ملحوظ لأسهم الشركة ومورديها.
خطيئة "بوينغ"
- منذ مارس، كانت استجابة "بوينغ" -البطيئة- مزيجًا بشعًا من الندم والتهرب والتعجرف، حيث راهنت الشركة على قدرتها على إعادة الطائرة إلى الأجواء واستعادة النشاط التجاري لهدوئه سريعًا، لكن يبدو أن هذه الاستراتيجية فشلت في النهاية.
- الاستجابة السيئة بدأت بقرار الشركة التمسك برئيسها التنفيذي "دينيس مويلينبورغ" الذي تخلى عن منصب رئيس مجلس الإدارة في أكتوبر، ولم يتم إجراء تحقيق عام وشامل ومستقل من قبل "بوينغ"، خاصة بعد ظهور تقارير تشير إلى مشاكل في البرمجيات.
- رغم أنه لم يُسمح بعد بعودة "737 ماكس" إلى التحليق، استمرت مصانع "بوينغ" في إنتاج الطائرة، وأخبرت الشركة المستثمرين أنها ستعود لاستئناف الأعمال قريبًا مع مواصلة دفع التوزيعات النقدية، رغم إنفاقها 3 مليارات دولار من السيولة خلال الربع الثالث.
- أوضحت الشركة للمستثمرين والموردين والعملاء في وقت سابق من هذا العام، أن الطائرة "ماكس" ستعود للتحليق بنهاية 2019، رغم أنها ليست الجهة القادرة على تحديد هذا القرار، وهو ما لم يتحقق بكل تأكيد وتزايدت الشكوك حول قرب تحقيقه بعد إعلان وقف الإنتاج.
- لا شك أن "بوينغ" تريد حماية عمالها والدفاع عن نفسها ضد مجموعة من الدعاوى القضائية، لكن افتقار الصناعة إلى المنافسة يبدو أنه يشجعها على إساءة التصرف، خاصة أن منافستها "إيرباص" لن تكون قادرة على زيادة الإنتاج خلال المدى القصير.
مساومة فاشلة
- هناك شعور عام وتكهنات بأن "بوينغ" لعبت لعبة غير عادلة مع المنظمين عبر رسائلها للمستثمرين، حيث وضعتهم في موقف لا يحسدون عليه، وهو السماح للطائرة بالتحليق مجددًا سواء كانت جاهزة أم لا، أو إلحاق الضرر بالصناعة والاقتصاد الأمريكي.
- في النهاية، أسفرت استراتيجية "بوينغ" عن نتائج عكسية، ورغم أن المنظمين الأمريكيين رفضوا في البداية منع تحليق الطائرة "ماكس"، فإن الشركة خضعت لضغوط متزايدة لأن غالبية مبيعاتها تتم خارج الولايات المتحدة الآن.
- لم ترضَ الصين والاتحاد الأوروبي عن جهود "بوينغ" لمعالجة الأزمة وإصلاح الخلل، وارتفع عدد الطائرات الموقوفة عن العمل حول العالم، وتسببت استراتيجية الشركة في ارتباك بالميزانية العمومية، حيث وصل حجم المخزونات إلى 73 مليار دولار وإجمالي الديون إلى 25 مليار دولار.
- بافتراض أن الشركة توصلت إلى حل لمشكلة "ماكس" يمكنها من التحليق بحلول الربيع، فإنها لن تكون قادرة على تسليم الطائرات المتراكمة في مخازنها ببساطة، ويعتقد محللون أن معدل إصلاح النماذج سيصل إلى 70 طائرة شهريًا فقط.
- هذا يعني أنها بحاجة لعام ونصف العام لتوزيع جميع ما لديها من طائرات "ماكس"، وبافتراض أن الخلل بحاجة إلى برنامج واحد فقط ولا يتطلب تغييرات في الأجهزة، علمًا بأن المحققين أوصوا بإجراء المزيد من التدريبات للطيارين، ما قد يؤدي إلى مزيد من التأخير.
الاقتصاد يدفع الثمن
- وقف إنتاج طائرات "737 ماكس" لن يؤثر فقط على "بوينغ" بل سيطال شبكتها الواسعة من الموردين في قطاع التصنيع، إذ تمثل الطائرات غير العسكرية وقطع الغيار الخاصة بها -تستحوذ بوينغ على أعمال هذه الفئة بالكامل- نحو 3% من شحنات التصنيع الأمريكية.
- من بين أبرز الشركات الموردة التي ستتضرر من قرار "بوينغ"، هي شركة "جنرال إلكتريك" المنتجة لجميع محركات الطائرة، والتي تراجع تدفقها النقدي الفصلي بمقدار 400 مليون دولار عندما خفضت صانعة الطائرات إنتاجها الشهري من "ماكس" بمقدار 10 طائرات.
- وفقًا لمحللين ومصادر مقربة من "جنرال إلكتريك" فإن التكلفة النهائية لقرار "بوينغ" صعبة التحديد، إذ تنتج الشركة أنظمة أخرى مستخدمة في "ماكس"، علاوة على وجود تكاليف أخرى مرتبطة بإنتاج المحركات، ومن المحتمل تفاوض الشركتين بشأن الأثر النهائي للقرار.
- لن يشكل ذلك ضربة لنشاط التصنيع فحسب، بل سيمتد أيضًا إلى الاقتصاد الكلي، وتشير تقديرات محللي "جيه بي مورجان" إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سينخفض بمقدار نصف نقطة مئوية في الربع الأول من 2020 بسبب هذا القرار.
- في النهاية تخطط شركة "بوينغ" لاستئناف إنتاج "737 ماكس"، الأمر الذي سيمنح التصنيع والاقتصاد دفعة جديدة، لكن ليس هناك أي معلومة يقينية حول موعد حدوث ذلك، وهو ما يعني احتمال تأخر انتعاش نشاط الصناعات التحويلية في البلاد واستمرار الضغوط على الموردين المحليين والأجانب.
المصادر: الإيكونوميست، وول ستريت جورنال، التلغراف
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}