نبض أرقام
00:21
توقيت مكة المكرمة

2024/07/27

وزارة واحدة .. كيف تمكنت من صناعة أحد أنجح التجارب الاقتصادية في التاريخ؟

2020/01/11 أرقام - خاص

في نهاية الحرب العالمية الثانية كان الاقتصاد الياباني في حالة يرثى لها. فقد دمرت معظم البنية التحتية خلال الحرب، كما فقدت البلاد أكثر من مليوني شخص، في حين تدهور مستوى المعيشة إلى مستويات ما قبل الحرب العالمية الأولى.

 

حتى قبل ذلك، كانت الحكومة العسكرية اليابانية قد شوهت التنمية الاقتصادية في البلاد من خلال توجيه طاقات وموارد اليابان بالكامل نحو التسليح. ونتيجة لكل ذلك، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لليابان في عام 1950 أقل من خمس نظيره في الولايات المتحدة.


 

ولكن اليوم تمتلك اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بعد أن تمكنت منذ ذلك الحين من تحقيق معدلات نمو مذهلة. ففي الفترة الممتدة بين عام 1952 -العام الذي انتهى فيه الاحتلال الأمريكي- وعام 1991 نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليابان بمعدل بلغ 6.8% سنوياً.
 

وخلال الفترة التي شهدت أوج ازدهارها وتحديداً تلك الممتدة بين عامي 1952 و1971 نما الناتج المحلي الإجمالي الياباني بمعدل سنوي بلغ 9.6% في المتوسط. وبفضل هذا النمو المركب، بلغت قيمة الناتج القومي الإجمالي لليابان في عام 1991 أكثر من 13 ضعف قيمته في عام 1952.
 

على الجانب الآخر، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بنسبة سنوية لم تتجاوز 2.9% في المتوسط خلال الفترة ما بين عامي 1952 و1991، وتضاعف حجم اقتصادها ثلاث مرات فقط خلال الفترة المشار إليها.
 

بطل الصناعة اليابانية
 

كيف تمكنت اليابان من صنع معجزتها الاقتصادية؟ في الحقيقة إن إجابة هذا السؤال صعبة إلى حد كبير، لأن عوامل نجاح التجربة اليابانية شديدة التداخل والتعقيد. فعندما تحاول تقييم النظام الياباني ستجد أنه لا يعمل بالطريقة التي يبدو بها على الورق.
 

فمن الناحية النظرية تعد اليابان ديمقراطية تمثيلية إذ ينتخب اليابانيون المشرعين الذين يقرون القوانين، ولكن من ناحية الممارسة نجد أن النظام الياباني كان أقرب لما يمكن اعتباره ديكتاتورية تكنوقراطية خلال النصف الثاني من القرن العشرين كانت فيها القواعد التأسيسية ليست دستوراً مكتوباً بل مجموعة من المعايير الاجتماعية البيروقراطية.
 

وفي هذه الأجواء ظهر بطل الصناعة اليابانية وأحد صناع معجزتها الاقتصادية وهي وزارة التجارة الدولية والصناعة "MITI" وهي الوزارة الأهم والأشهر في تاريخ اليابان. ففي أغلب بلدان العالم اعتاد الناس أن البيروقراطيات الحكومية بطيئة وغير طموحة ولكن في اليابان لم يكن هذا هو الحال على الإطلاق.
 

 

تم إنشاء وزارة التجارة الدولية والصناعة اليابانية في 25 مايو 1949 ومنحها مهمة تنسيق السياسة التجارية الدولية للبلاد مع جهات أخرى مثل بنك اليابان ووكالة التخطيط الاقتصادي ومختلف الوزارات ذات الصلة بالتجارة.
 

كانت "MITI" مسؤولة ليس فقط عن الصادرات والواردات بل أيضاً عن جميع الصناعات المحلية والشركات التي لا تغطيها الوزارات الأخرى في مجالات الاستثمار المختلفة وهو ما سمح لها بدمج السياسات المتعارضة مثل تلك المتعلقة بمكافحة التلوث والقدرة التنافسية للصادرات.
 

ببساطة عملت "MITI" كمهندس للسياسة الصناعية وحكم في المشكلات والنزاعات الصناعية وكجهة تنظيمية. وكان الهدف الرئيسي للوزارة هو تعزيز القاعدة الصناعية للبلاد. ولم تدر الوزارة الاقتصاد بطريقة التخطيط المركزي بل كان كل ما تحاول فعله هو تزويد الصناعات اليابانية بالتوجيه والإرشادات الإدارية الأخرى بهدف جعلها أكثر تنافسية في الأسواق المحلية والأجنبية.
 

توجيه الدفة
 

سهلت الوزارة التطور المبكر لجميع الصناعات الرئيسية التي قامت عليها النهضة اليابانية من خلال توفير الحماية لها من المنافسة الخارجية ومساعدتها في ترخيص التكنولوجيا الأجنبية وتوفير ما يلزمها من العملات الأجنبية وتسهيل عمليات الدمج.
 

على سبيل المثال، في الفترة ما بين عامي 1953 و1955 أقنعت "MITI" بنك التنمية الياباني الحكومي بإقراض الأموال لأربع صناعات هي الطاقة الكهربائية والسفن والفحم والصلب. وخلال تلك الفترة ذهب نحو 83% من تمويل بنك التنمية لهذه الصناعات الأربعة.
 

حصلت "MITI" على أفضل العقول في البلاد، وكانت نسبة نجاح المتقدمين إلى امتحان القبول بالوزارة لا تتعدى 2% نظراً لشدة صعوبته. وسرعان ما حصل الموهوبون الذين اجتازوا كافة الاختبارات على المزيد من المسؤولية وتمتعوا بسلطة هائلة.
 

 

نظراً لأن الصلب يعتبر أحد أهم مدخلات الإنتاج للكثير من الصناعات رأت "MITI" أنها إذا أرادت أن يكون لليابان مستقبل فيجب أن تبدأ بالصلب. وعندما قررت الوزارة جعل اليابان أحد أكبر مصدري الصلب قامت بمنح شركات الصلب قروضاً هائلة لزيادة طاقتها الإنتاجية.
 

ونجحت الوزارة فعلاً في مسعاها، وأصبحت اليابان أكبر منتج للصلب في العالم بحلول أوائل الثمانينيات، ومنحها تفوقها في هذا القطاع دفعة قوية في صناعات أخرى مثل بناء السفن والآلات.
 

أين ذهبت؟
 

في أواخر الثمانينيات كان من المتعارف عليه أن رؤساء الوزارات يخدمون في منصب وزير التجارة الدولية والصناعة قبل أن يرأسوا الحكومة، وهو ما يوضح مدى الثقل السياسي الذي كانت تتمتع به هذه الوزارة.
 

في كتابه المنشور في عام 1982 تحت عنوان "وزارة التجارة الدولية والصناعة والمعجزة اليابانية" يشير عالم السياسة الأمريكي "تشالمرز جونسون" إلى "MITI" باعتبارها المسؤول الرئيسي عن القفزة الاقتصادية الهائلة التي حققتها اليابان خلال الربع الثالث من القرن العشرين.
 

 

ولكن في ذات الكتاب أشار "جونسون" إلى أن الوزارة فقدت أداتها الرئيسية التي مكنتها من السيطرة على الشركات اليابانية وتوجيهها في عام 1979 بعد أن سحب منها حق تخصيص العملات الأجنبية للشركات على خلفية الضغوط القوية التي مارستها جماعات الضغط في بلدان مثل الولايات المتحدة على الحكومة اليابانية لحملها على تطبيق المزيد من قوانين التجارة الليبرالية.
 

بداية من أواخر الثمانينيات بدأت سلطة "MITI" تقل رويداً رويداً إلى أن تم طي صفحتها بالكامل في عام 2001 بعد أن تم دمجها في هيئة أكبر وهي وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة "METI".

 

المصادر: أرقام
كتاب: Miti and the Japanese Miracle: The Growth of Industrial Policy

 

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة