يرى الأستاذ بجامعة "يل" ورئيس مجلس الإدارة السابق لـ"مورجان ستانلي" في آسيا "ستيفن روش" أنه من الحماقة محاولة التنبؤ بالأزمات المالية أو الاقتصادية، فرغم أن كل أزمة كان هناك من حذر بشأنها وتم تجاهله، نادرًا ما كان أولئك قادرين على التوقع بدقة مرة أخرى.
أفضل ما يمكن أن يفعله الاقتصاديون هو تقييم نقاط الضعف، والنظر في اختلالات الاقتصاد الحقيقي والأسواق المالية التي تعطي شعورًا بالنتائج المحتملة لصدمة ما، ولا يتطلب الأمر الكثير لحدوث تصحيحات في الاقتصادات والأسواق الهشة، لكن مثل هذه التصحيحات غير الاستثنائية لا يمكن اعتبارها أزمة.
خطورة الصدمة ودرجة الضعف لهما أهمية كبيرة، فالصدمات القوية للأنظمة شديدة الضعف تعد نذيرا لأزمة حادة، وفي هذا السياق، يعتقد "روش" أن أكثر ما يجب القلق بشأنه على الصعيد العالمي الآن هو الميزانيات العمومية للبنوك المركزية المتضخمة بشكل مفرط.
ما سر القلق؟
- بلغت حيازات البنوك المركزية في أمريكا ومنطقة اليورو واليابان مجتمعة، نحو 14.5 تريليون دولار في نوفمبر، بانخفاض طفيف عن مستوى الذروة المسجل في أوائل عام 2018 عند 15 تريليون، ومقارنة بأربعة تريليونات فقط قبل الأزمة المالية.
- يبلغ حجم الأصول في الميزانية العمومية لبنك اليابان ما قدره 102% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبلاد، يليه البنك المركزي الأوروبي بنسبة 39%، ثم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بنسبة 17% فقط.
- سبب القلق الثاني، هو أن التوسع في ميزانيات البنوك المركزية العمومية هو في الأساس تجربة فاشلة، صحيح أنه وضع حدًا لانهيار الأسواق منذ أكثر من عقد، لكنه فشل في تحقيق الانتعاش الاقتصادي القوي المرجو.
- اعتقدت البنوك المركزية أن ما نجح خلال الأزمة سيعمل بنفس الكفاءة خلال التعافي، لكن ذلك لم يحدث، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي المجتمع للولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان بمقدار 5.3 تريليون دولار خلال الفترة بين عامي 2008 و2018، أي ما يعادل فقط نصف إجمالي ميزانياتهم العمومية خلال نفس الفترة.
- السبب الثالث، هو بعد الرفض الشديد للبنوك المركزية، أصبحت أكثر رغبة في توسيع ميزانياتها العمومية لتحفيز الانتعاش، وعلى سبيل المثال، بعدما بدأ الفيدرالي تطبيع سياسته وخفض الميزانية العمومية تراجع عن هذا الاتجاه في 2019.
البنوك المركزية تغفل الخطر
- في عصر التضخم المنخفض، يبدو أن البنوك المركزية التي تركز على التضخم ليس لديها ما تخشاه من الاستمرار في ارتكاب الأخطاء، سواء كانت تقليدية (مثل خفض الفائدة قرب الصفر) أو غير تقليدية عبر التوسع في الميزانية العمومية.
- حالة عدم الاستقرار المحتملة في سوق الأسهم الأمريكية هي مثال على النتائج المترتبة لهذه التصرفات، ووفقًا لمقياس "روبرت شيلر" فإن أسعار الأسهم مقارنة بالأرباح طويلة الأجل المعدلة دوريًا، تزيد بنسبة 53% على متوسط ما بعد 1950، وبنسبة 21% عن أعلى متوسط منذ الأزمة.
- إذا لم يكن هناك نمو كبير في الاقتصاد الأمريكي أو أرباح الشركات أو جولة جديدة من التوسع في الميزانية العمومية للفيدرالي، فمن غير المرجح استمرار الارتفاع القوي لسوق الأسهم، وحينها فإن الصدمة غير المتوقعة من شأنها زيادة احتمالات التصحيح الحاد.
- على النطاق العالمي، هناك مشكلة أيضًا في ضعف الكثير من الاقتصادات التي تكاد لا تنمو، وقد خفض صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2019 إلى 3%، وهو مستوى قريب من عتبة الركود العالمي الشائعة البالغة 2.5%.
- إن الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، لا تحاول تحفيز الأسواق المالية المبالغ في قيمتها فقط، لكنها لا تزال تعتمد على استراتيجية نقدية فاشلة، تفتقر في الوقت نفسه للأساسيات اللازمة لدعم النمو.
نفاد ذخيرة البنوك المركزية
- في الظروف العادية، يمكن للبنوك المركزية المساعدة في منع الركود عبر خفض أسعار الفائدة والتدخل في الأسواق وتوسيع الميزانيات العمومية عندما تكون هناك صدمة سلبية وشيكة، وبذلك تمنع الأزمة الاقتصادية أو على الأقل تجعل الركود أخف وطأة.
- لكن المشكلة الكبرى الآن، أن البنوك المركزية تنتهج سياسات توسعية بالفعل، ما يعني أن محافظي هذه المؤسسات يمتلكون ذخيرة محدودة للتصدي للصدمات غير المتوقعة والتي قد يندلع على أثرها ركود، فببساطة لا يمكنهم خفض الفائدة أكثر أو توسيع الميزانيات (النهج الذي أصبح بلا فائدة بالفعل).
- واحدة من الأدوات القليلة المتبقية لمصرفي البنوك المركزية هي خفض قيمة العملة، مما قد يجعل الركود أسوأ حال كانت الصدمة عالمية وحاولت البنوك المركزية الأخرى التأثير على قيمة عملاتها في نفس الوقت، ناهيك عن التداعيات السياسية لمثل هذا النهج.
- هناك أسباب للقلق من أن الاقتصاد الأمريكي والعالمي عرضة للركود، وستظل هناك مصادر للصدمات المحتملة، لكن الخوف الأكبر من الصدمة العميقة غير المتوقعة، لا سيما في ظل مواصلة الولايات المتحدة أطول دورة نمو في تاريخها والتي يجب أن تنتهي عند مرحلة ما.
المصادر: ساوث تشاينا مورنينغ بوست، كوارتز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}