نبض أرقام
03:16 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

ذكي جداً ولكن فاشل جداً في سوق الأسهم .. لماذا يخسر الأذكياء؟

2020/01/24 أرقام - خاص

لسنوات ظلت النكات تطلق في أروقة السياسة في واشنطن حول معدل ذكاء الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" . وطوال الوقت حرص خصومه على استخدام مشاكله الذهنية والإدراكية وعدم قدرته على فهم الكثير من القضايا كدليل على انخفاض معدل ذكائه.

 

حتى أنصار "بوش" أنفسهم كانوا يعترفون ضمنياً بذلك من خلال القول بأنه على الرغم من أنه يفتقر إلى "الذكاء المدرسي" إلا أنه يعوض ذلك بما سموه "ذكاء الشوارع". لكن الجميع تفاجأ حين قام مجموعة من الباحثين بحساب معدل ذكاء (آي كيو) الرئيس من واقع نتائج اختبارات كان قد خضع إليها في الجامعة والجيش.

 

 

كانت الدرجة التي حصل عليها "بوش" هي 120 – أي أن معدل ذكائه أعلى من المتوسط – وهي تقريباً نفس الدرجة التي حصل عليها خصمه في انتخابات 2004 ووزير الخارجية الأمريكي لاحقاً "جون كيري". فاجأت هذه النتائج أنصار الرئيس قبل خصومه، ولم تكن مفاجأة للعديد من علماء النفس. ولكن لماذا؟

 

ببساطة، خلصت العديد من التجارب التي أجراها مختصو علم النفس التطبيقي أن معدل الذكاء لا علاقة له – وفي أحسن الأحول تربطه علاقة ضعيفة جداً – بقدرة الشخص على التفكير بمنطقية والتصرف بعقلانية.

 

"اللاتعقُّل" (Dysrationalia)

 

كان يُعرف عن "بوش" أن تفكيره لديه العديد من الجوانب الإشكالية مثل عدم القدرة على إصدار أحكام على الأمور المعقدة، وكذلك افتقاره إلى المرونة الإدراكية وثقته المفرطة بنفسه، بالإضافة إلى مشاكل إدراكية وذهنية أخرى. ولذلك كان الجميع يتوقع أن كل هذا يعني أن ذكاء "بوش" منخفض، ولكن في النهاية اتضح أن ذكاءه أعلى من المتوسط.

 

الفكرة باختصار هي أن اختبارات الذكاء لا تقيس أوجه القصور المعرفية والإدراكية التي كان يعاني منها "بوش" والتي كانت تضعف قدرته على اتخاذ القرار بعقلانية. ولذلك من الوارد جداً أن تجد شخصا شديد الذكاء ولكنه في نفس الوقت لديه قصور إدراكي يجعله يتخذ قرارات حمقاء.

 

"بوش" بمعايير اختبارات الذكاء كان شخصاً ذكياً، ولكنه كان يعاني من مشكلة تسمى "اللاتعقُّل" (Dysrationalia) وهو مصطلح صاغه "كيث ستانوفيتش" أستاذ علم النفس التطبيقي بجامعة تورنتو ليصف حالة الأشخاص الذين يفتقرون للقدرة على التفكير والتصرف بعقلانية رغم امتلاكهم لمعدل ذكاء عال.

 

 

في كتابه الصادر في عام 2010 تحت عنوان "ما تفوّته اختبارات الذكاء: سيكولوجية التفكير العقلاني" أشار "ستانوفيتش" إلى أن أحد أسباب معاناة البعض من مشكلة "اللاتعقُّل" (Dysrationalia) هي وجود قصور لديهم في المعالجة بسبب ميلهم إلى أن يكونوا بخلاء إدراكياً أو (Cognitive Miser).

 

نحن كبشر، لدينا آليات إدراكية متعددة. بعض هذه الآليات يتمتع بقوة حسابية كبيرة تسمح لنا بحل المشكلات بدقة كبيرة، ولكنها في نفس الوقت بطيئة ويتطلب لعملها قدر كبير من التركيز. في حين توجد آليات إدراكية أخرى قدرتها الحسابية ضعيفة نسبياً غير أنها سريعة ولا تتطلب كامل تركيزنا للقيام بها.

 

على هذا الأساس، أنا كشخص أكون بخيلا إدراكياً إذا كنت أعتمد طوال الوقت على الآليات الإدراكية ضعيفة القوة الحسابية لأنها سريعة ولا تتطلب جهداً ولا قدراً كبيراً من التركيز على الرغم من أن نتائجها أقل دقة، وفي نفس الوقت أهمل الآليات الإدراكية قوية القدرة الحسابية لما يتطلبه عملها من بذل جهد ذهني كبير.

 

كيف تعرف ما إذا كنت بخيلاً إدراكياً أو لا؟

 

لمعرفة ذلك سنستعين بنفس الاختبار الذي ساقه "ستانوفيتش" في كتابه كما هو دون تغيير. من فضلك ألق نظرة على السؤال التالي والذي صاغه بالأساس عالم الحاسوب بجامعة تورنتو "هيكتور ليفيسك" وحاول الإجابة عنه بنفسك ولا تقفز مباشرة لأسفل لكي ترى الحل.

 

السؤال يقول: "جاك" ينظر إلى "آن" ولكن "آن" تنظر" إلى "جورج". "جاك" متزوج لكن "جورج" غير متزوج". هل لدينا هنا شخص متزوج ينظر إلى شخص غير متزوج؟

 

أ: نعم

 

ب: لا

 

ج: لا يمكننا التحديد

 

خذ وقتك واقرأ السؤال أكثر من مرة لتستوعبه

 

أكثر من 80% ممن يوجه إليهم هذا السؤال عادة ما يختارون الخيار ج، غير أن الإجابة الصحيحة هي الخيار أ.

 

قبل أن توضيح لماذا تعتبر "أ" الإجابة الصحيحة وليس "ج" كما تذهب الغالبية عادة، نود أن نؤكد على أن هذا السؤال ليس صعباً على الإطلاق بل هو في الحقيقة أتفه ما يكون، كل ما في الأمر هو أنه مصاغ بطريقة تلعب على قصورنا الإدراكي وتحديداً بخلنا الإدراكي. كل من اختار الإجابة "ج" فعل ذلك لأنه وقع في فخ الاستسهال واعتمد على آليات الإدراك ضعيفة القوة الحسابية.

 

 

المنطق والعقل يفرضان علينا أن نفكر في السؤال بالطريقة التالية. "آن" هي الوحيدة من الثلاثة التي نجهل حالتها الاجتماعية، لكن حالتها الاجتماعية تلك لن تخرج في النهاية عن احتمال من اثنين فإما تكون متزوجة أو غير متزوجة.

 

إذا كانت "آن" متزوجة فهذا يعني أن الإجابة الصحيحة هي "أ"، لأنه في هذه الحالة سيصبح لدينا شخص متزوج (آن) ينظر إلى آخر غير متزوج (جورج). أما إذا كانت "آن" غير متزوجة فإن الإجابة الصحيحة ستكون "أ" أيضاً، لأنه في إطار هذا الافتراض سيكون لدينا جاك وهو شخص متزوج ينظر إلى آن وهي شخص غير متزوج.

 

ما سبق يسمونه التفكير المنطقي أي التفكير الذي يأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات. من اختاروا الخيار "ج" لم يقوموا بتلك العملية الذهنية لأنهم بمجرد أن وجدوا أن السؤال لا يكشف ما إذا كانت "آن" متزوجة أو لا شعروا بأنهم لا يمتلكون المعلومات الكافية للحكم ولذلك اختاروا الخيار "ج". هؤلاء ببساطة كانوا في هذه الحالة بخلاء إدراكياً.

 

اسمعها من "بافيت"

 

ما توصلت إليه أبحاث "ستانوفيتش" وزملائه قال خلاصتها قبلهم بفترة طويلة المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت" حين أشار إلى أن معدل الذكاء ليس هو العامل الوحيد المحدد للنجاح بسوق الأسهم، وأن الأهم من الذكاء هو امتلاك المستثمر لقدر معقول من العقلانية والاستقرار العاطفي يسمح له باتخاذ القرار السليم.

 

في كتاب "وارن بافيت يتحدث" الصادر في مارس 1997 قال "بافيت": "أنت لست بحاجة لأن تكون عالم صواريخ لكي تنجح بالسوق. فالاستثمار بالأسهم ليس لعبة يفوز فيها الشخص الذي يبلغ معدل ذكائه 160 على نظيره الحاصل على 130 درجة".

 

 

يتابع "بافيت" قائلاً: "إذا كان معدل ذكاء 160 فبإمكانك التبرع بـ30 نقطة منه إلى شخص آخر لأنك لست بحاجة إلى ذلك المستوى من الذكاء لكي تنجح بسوق الأسهم. ما تحتاج إليه فعلاً هو الاستقرار العاطفي والقدرة على التفكير بشكل مستقل".

 

في مقدمته لكتاب "المستثمر الذكي" لـ"بنيامين جراهام" كتب "بافيت": "إن النجاح بسوق الأسهم لا يتطلب ذكاءً خارقاً أو بصيرة غير عادية أو معلومات داخلية، بل إن كل ما يحتاج إليه المستثمر لكي ينجح في السوق هو تكوين إطار فكري سليم يسمح له باتخاذ القرارات، بالإضافة إلى تطوير قدرته على منع عواطفه ومشاعره من التأثير على قراراته".

 

 

المصادر: أرقام
كتاب: What Intelligence Tests Miss: The Psychology of Rational Thought
كتاب: Warren Buffett Speaks: Wit and Wisdom from the World's Greatest Investor
كتاب: The Intelligent Investor

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.