في أوائل أغسطس من عام 1964، دخلت الولايات المتحدة الصراع في فيتنام كقوة عظمى لا تزال تحتفي بانتصارها المهيب والحاسم على دول المحور في الحرب العالمية الثانية. ولكن تشاء الأقدار أن تخرج من ذلك الصراع بهزيمة مذلة وخسائر مادية وبشرية كبيرة صدمت العالم أجمع وبالأخص الداخل الأمريكي الذي أصبح متشككاً أكثر من أي وقت مضى في كفاءة قيادته.
كانت حرب فيتنام هي الحرب الأطول والأكثر إضعافاً للبلاد، وهي أيضاً الحرب الوحيدة التي خسرتها الولايات المتحدة في تاريخها. وكانت لها عواقب بعيدة المدى وشديدة الأثر على معظم جوانب الحياة الأمريكية بداية من الاقتصاد ومروراً بالثقافة وانتهاءً بالسياستين الداخلية والخارجية. ولكن سيركز هذا التقرير على الاقتصاد.
بدأت أمريكا حرباً لا تستطيع الفوز بها
في الرابع من أغسطس 1964 أعلن رئيس الولايات المتحدة السابق "ليندون جونسون" أن المدمرتين الأمريكيتين "مادوس" و"سي تيرنر" قد تعرضتا لهجوم مُعاد في خليج تونكين قبالة سواحل فيتنام الشمالية، وهو الهجوم الذي لا يزال يشكك البعض في أنه وقع بالأساس.
إثر تلك الحادثة طلب "جونسون" من الكونجرس منحه السلطة لصد الهجوم المسلح ضد القوات الأمريكية ومنع المزيد من العدوان، لتدخل الولايات المتحدة ما اعتبرت لاحقاً الحرب الأطول في تاريخها، والتي خسرت خلالها ما يزيد على 56 ألفاً من جنودها.
على مدار 30 عاماً وباستخدام كل الوسائل المالية والعسكرية والدبلوماسية الممكنة حاولت الولايات المتحدة منع فيتنام من أن تصبح دولة شيوعية. لكن قتل الملايين في هذا الصراع بلا فائدة.
فبحلول الوقت الذي انتهى فيه الاشتباك العسكري الأمريكي كانت الولايات المتحدة قد ألقت على فيتنام – وهي دولة يقترب حجمها من حجم ولاية نيوميكسيكو – ضعف حجم القنابل التي أسقطها الحلفاء على دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية. ومقابل كل دولار من الأضرار التي لحقت بفيتنام دفعت الولايات المتحدة 10 دولارات.
168 مليار دولار!
تشير التقارير الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 168 مليار دولار (وهو ما يعادل نحو 950 مليار دولار بتقديرات عام 2011) في حرب فيتنام، تشمل 111 مليار دولار هي تكلفة العمليات العسكرية خلال الفترة ما بين أعوام 1965 و1970، بالإضافة إلى 28.5 مليار دولار في صورة مساعدات اقتصادية وعسكرية لحليفتها فيتنام الجنوبية.
هذا يعني أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 168 ألف دولار لقتل كل جندي فيتنامي من ضحايا الحرب. ورغم ذلك لا يمثل هذا الرقم الضخم سوى التكلفة المباشرة للحرب، فوفقاً لتقديرات مركز آسيا للموارد تتراوح التكلفة الإجمالية النهائية للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على فيتنام ما بين 300 إلى 900 مليار دولار.
هذه الأرقام تعني أن كل أمريكي كان على قيد الحياة في عام 1969 كان يتعين عليه العمل بدوام كامل لمدة تتراوح ما بين 5 و12 شهراً لدفع ثمن الحرب الأمريكية على فيتنام.
في مقال نشرته النيويورك تايمز في الأول من مايو من عام 1975 أشارت الصحيفة إلى أنه في السنوات الأربع من 1967 إلى 1970 أنفقت الولايات المتحدة على حرب فيتنام 22.2 مليار دولار و26.3 مليار دولار و26.5 مليار دولار و18.5 مليار دولار على التوالي.
شكلت رواتب 2.6 مليون جندي أمريكي خدموا في فيتنام على مدار 11 عاماً جزءًا كبيراً من تكلفة الحرب، مثلها مثل 4900 طائرة هيلكوبتر وأكثر من 3700 طائرة فقدها الجيش الأمريكي خلال القتال. وقبل نهاية الحرب كان الفيتناميون الشماليون قد وضعوا أيديهم على معدات عسكرية وأسلحة أمريكية تتجاوز قيمتها ملياري دولار.
من يدفع الفاتورة؟
أثناء الحرب ومن أجل تلبية متطلبات ومؤن القتال تحولت المصانع في الولايات المتحدة من إنتاج السلع الاستهلاكية إلى إنتاج المعدات العسكرية، وتسبب هذا التحول إلى جانب عوامل أخرى في رفع معدل التضخم والإضرار بالاقتصاد. كما أسهم الإنفاق العسكري الضخم في زيادة عجز الموازنة.
معظم الأموال التي كانت تنفقها الولايات المتحدة على التسليح كانت تذهب إلى الخارج ولا تضخ داخل الاقتصاد وهو ما خلق خللاً كبيراً في ميزان المدفوعات. وفي محاولة لكبح جماح التضخم رفع الفيدرالي أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية غير أن تلك الخطوة أضرت الاقتصاد من ناحية أخرى، حيث قيدت حجم الأموال المتاحة للمستهلكين والشركات.
الضغط الذي شكله الإنفاق العسكري الضخم على الميزان التجاري أسهم في خلق أزمة نقدية دولية وتهديد احتياطيات الذهب الأمريكية. وكان هذا التهديد بمثابة دليل مقنع بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الحرب، لينتهي الأمر بإعلان نيكسون في عام 1971 بإلغاء معيار الذهب.
دون مبالغة لم تنجح الولايات المتحدة في أن تحقق ولو هدفاً واحداً من أهدافها التي دخلت من أجلها حرب فيتنام. فقد أساءت القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية قراءة وفهم دوافع الخصم كما فشلت في قراءة الظروف على الأرض. لقد حاولوا التغلب على المقاتلين غير التقليديين بالتكتيكات التقليدية، واتبعوا استراتيجيات بدت وكأنها مصممة بحيث لا ينتج عنها نصر أو تسوية.
المصادر: أرقام -- نيويورك تايمز -- وزارة الدفاع الأمريكية
كتاب: Travels in the Land of Hunger
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}