تعد الحضارة الإغريقية واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية القديمة، ومن أكثرها مساهمة في علوم كالفلسفة والرياضيات والطب. ولكن كيف كانت المساهمة الإغريقية في الاقتصاد سواء من الناحية التطبيقية في إدارة موارد الدولة أو من الناحية النظرية في إثراء الاقتصاد كعلم؟ هذا ما سيحاول هذا التقرير الإجابة عنه.
الضرائب مختلفة
يرى الاقتصادي الشهير "موس فينلي" في كتابه "الاقتصاد القديم" أن النمو الاقتصادي وتحسين الإنتاجية والتطور التقني طالما كانت هي الأهداف الرئيسية للقائمين على شؤون الدول في كافة العصور، وأن الاقتصاد الإغريقي القديم لم يكن استثناءً لهذه القاعدة بل تأكيدًا لها.
وإذا بدأنا بالنشاط الزراعي سنلاحظ أن التربة في اليونان القديمة لم تكن جيدة بما يكفي لتوفر احتياجات البلاد من المحاصيل، واقتصرت أثينا على زراعة أشجار الزيتون وكروم العنب والنباتات الأخرى المنتجة للزيوت. وفي الوقت ذاته اعتمد اليونانيون على الاستعمار لتأمين إمدادات ثابتة من المحاصيل والماشية.
وكانت الأغنام والماعز هي الحيوانات التي تربى بشكل شائع في اليونان القديمة، كما كان يتم تربية النحل للحصول على العسل الذي كان يعتبر مصدر السكر الوحيد لليونانيين.
وفي اليونان القديمة كانت هناك العديد من القواعد الاقتصادية المختلفة عن عالمنا المعاصر، فعلى سبيل المثال لم يكن هناك الكثير من الضرائب المباشرة، فقد كانت الضرائب تجمع فقط من الأغنياء أو الصفوة عند الحاجة فحسب من أجل شراء الغذاء أو لتمويل الحروب.
ولأن اليونان القديمة عانت من سوء نوعية التربة في أراضيها، فقد اضطرت بالتالي إلى استيراد غالبية المحاصيل الزراعية من خارج حدودها، وبينما كانت الإمبراطورية تحصل على بعض السلع مجانًا من الأراضي التي احتلتها إلا أنها كانت مضطرة في المقابل لتمويل الحروب والجيوش التي تؤمن إمدادات السلع الزراعية.
واللافت هنا هو أن أسلوب فرض الضرائب اختلف كثيرًا في بداية الدولة عنه مع تطورها، ففي بادئ الأمر كان يتم فرضها بشكل جزافي تمامًا، بأن يفرض الحاكم أو من ينيبه ضريبة برقم محدد على أحد النبلاء ويكون الأخير ملزمًا بدفعها، وكانت الضرائب كثيرًا ما تستخدم كأسلوب لعقاب بعض النبلاء.
ومع تطور الدولة صار هناك نظام لتقييم أملاك النبلاء يضم كافة ما يحوزونه من أراضٍ وحيوانات وحلي وعبيد، ويتم حساب الضريبة وفقًا لحجم ثروة كل منهم، بما يجعلها أكثر عدالة نسبيًا، ولتشبه ضريبة الثروات التي أقرتها بعض الأنظمة الضريبية الحديثة.
التجارة والعملة
آمنت الدولة الإغريقية القديمة بحرية التجارة بشكل تام، حيث لم تكن الدولة تتدخل لتحديد أسعار السلع، بل تركتها لقوى العرض والطلب، باستثناء بعض فترات الجفاف أو الفيضانات التي استلزمت تدخلًا من الدولة بشكل مؤقت.
وأقرت اليونان القديمة نظام الأسواق المركزية الموحدة، حيث كان يتم جمع كافة التجار الذين يبيعون السلعة نفسها (وليكن الأقمشة) في نفس المكان بحيث يضطرون للبيع بسعر تنافسي حرصًا على الحصول على حصة أكبر من السوق فضلًا عن مساهمة المنافسة في تحسين الجودة بطبيعة الحال.
كما دخلت الدولة الإغريقية في علاقات تجارية مع الدول الأخرى، وصدرت اليونان القديمة بشكل رئيسي النبيذ والزيتون والمشغولات المعدنية والفخار، واستوردت في المقابل الحبوب ولحم الخنزير من أماكن مثل صقلية ومصر.
ويلاحظ هنا أن الدولة الإغريقية كانت من أولى الدول في التاريخ التي رأت بأن عملة الدولة أحد مظاهر سيادتها، حيث حظرت بشكل كامل استخدام أي ذهب خلافًا للعملة المسكوكة في أنحاء الدولة، كما كافحت باستمرار عمليات المقايضة بين الفلاحين ولاسيما في المناطق النائية، لمصلحة استخدام العملة الذهبية المعتمدة.
ولفترة طويلة، ومن أجل دعم العملة الإغريقية لم تكن الحكومة تبيع الحبوب المستوردة إلا مقابل العملة المعتمدة بما اضطر الجميع للتعامل بها، وجعل لها قوة واضحة في التداول التجاري لتصبح عمليات المقايضة هامشية وغير شائعة.
أما عن نظام الملكية فقد كانت الملكية مقصورة حصريًا على النبلاء فحسب، وكان أقصى ما يمكن أن يتملكه الإغريقي الحر – من غير النبلاء والعبيد - منزله وبعض الحلى لزوجته وعددا قليلا من الحيوانات، لكنه لم يكن يحق له تملك الأراضي التي اعتبرت حكرًا للنبلاء فحسب.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}