نبض أرقام
06:08 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

أبعاد المؤامرة .. هل فيروس "كورونا" هو بالأساس سلاح بيولوجي يستخدم في شن حرب اقتصادية على الصين؟

2020/03/04 أرقام - خاص

يستمر فيروس كورونا الجديد في الانتشار في جميع أنحاء العالم، حيث بلغ عدد المصابين حتى لحظة كتابة هذا التقرير - صباح الأربعاء الموافق الرابع من مارس - قرابة 93 ألفًا موزعين على ما يقرب من 70 دولة، بينما بلغ عدد الوفيات المرتبطة به حوالي 3100 حالة .

 

 

ولكن ما ينتشر بسرعة أكبر من الفيروس هي نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة التي تلقفها الناس من كل حدب وصوب منذ بداية ظهور الفيروس في الصين أواخر ديسمبر الماضي، والتي تدعي أن انتشار هذا المرض ليس أبدًا وليد الصدفة، وأنه تمت هندسته معمليًا كسلاح بيولوجي من قبل جهات فاعلة قوية.

 

ابحث عن المستفيد!

 

حتى الآن لا يزال هناك الكثير غير معروف حول طبيعة فيروس كورونا الجديد، ولكن العلماء يشيرون إلى أنه يتشابه كثيرًا مع الفيروس المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس" وكذلك مع فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة "سارس"، وكلاهما فيروسان معديان ينتميان لعائلة "كورونا"  وظهرا خلال العقود الأخيرة قبل أن تتم السيطرة عليهما.

 

باختصار، لا يختلف الفيروس الجديد كثيرًا عن الفيروسات الأخرى التي جاءت من الخفافيش ولذلك يرفض العلماء بشكل عام فكرة أن هذا الفيروس تمت هندسته بواسطة البشر، خصوصًا وأنه بشكله الحالي يهدد فقط حياة كبار السن الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة وهو ما يجعله سلاحًا بيولوجيًا ضعيف الفاعلية.

 

 

ورغم ذلك لم تستطع تصريحات العلماء أن تضع حدًا لنظريات المؤامرة غير المدعومة بأي أدلة والتي انتشرت كالنار في الهشيم في الفضاء الحقيقي وكذلك الإلكتروني على مدار الشهرين الماضيين، وهذا بالمناسبة منطقي جدًا ويحدث تقريبًا في خضم كل أزمة صحية تتسبب فيها الفيروسات التي تنتشر بشكل مفاجئ.

 

ولكن المختلف هذه المرة  أن نطاق نظريات المؤامرة أوسع بكثير من السابق، لدرجة جعلت شخصيات من المفترض لها وزنها تتورط في الترويج لبعضها وهو ما تسبب في ازدياد حالة الذعر والقلق المسيطرة على الناس في جميع أنحاء العالم منذ ظهور دلالات ترجح خروج الفيروس عن نطاق الصين وأصبح وباءً عالميًا.

 

المخابرات الأمريكية

 

الطريف هو أن النظريتين الأشهر حتى الآن في تفسير مصدر فيروس كورونا الجديد متضادتان إلى حد كبير. فالأولى والتي تلقى قبولًا بين أعداد كبيرة من الناس خصوصًا في الشرق الأوسط تشير إلى أن هذا الفيروس تم تطويره من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" كسلاح من أجل استخدامه في شن حرب اقتصادية على الصين.

 

وفي نفس الإطار، يقتنع آخرون بأن شركات الأدوية الغربية وفي المقدمة منها الأمريكية هي التي قامت بهندسة الفيروس معمليًا كوسيلة لكسب المال من اللقاح الذي ستخرج به على الناس بمجرد اتساع نطاق العدوى لتبيعه لهم وتكسب جبالًا من الأموال.

 

 

أصحاب النظرية السابقة يريدون أن يقنعوا الناس بأن الخبراء الأمريكيين كانوا أذكياء جدًا حين قاموا بهندسة فيروس استطاع قلب الصين رأسًا على عقب في غضون عدة أسابيع، ولكنهم في الوقت ذاته كانوا أغبياء بما فيه الكفاية لأن الفيروس أصاب الولايات المتحدة نفسها وأصبح يهدد الآن سير الحياة الطبيعية هناك بعد أن اتضح أن الأمريكيين بشر يصيبهم ما يصيب غيرهم من الناس!

 

أما النظرية الأكثر رواجًا في جميع أنحاء العالم فتشير إلى أن هذا الفيروس مصدره معهد ووهان لعلم الفيروسات التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، والذي يتضح من اسمه أنه موجود في مدينة ووهان التي ظهر فيها الفيروس قبل شهرين ويوجد بها حتى الآن أكبر عدد من المصابين والوفيات، أي أن الصين باختصار تآمرت على نفسها.

 

مروجو هذه النظرية يدعون أن هذا الفيروس تمت هندسته في إطار اختبارات كانت تجرى داخل المعهد بغرض تصنيع سلاح بيولوجي، وذلك قبل أن يتسرب بالخطأ خارج المختبر ويخرج عن نطاق السيطرة ويتسبب في العدوى المنتشرة حاليًا في جميع أنحاء العالم.

 

 

على عكس النظرية الأولى التي تدعي أن الفيروس صناعة أمريكية تبدو النظرية الحالية أكثر منطقية بالنسبة لكثيرين بالنظر إلى أن المعهد يقع في نفس المدينة التي يوجد بها السوق الذي ظهرت به أولى حالات الإصابة بكورونا الجديد. هذه العلاقة التي لا تثبت في الحقيقة أي شيء بالنسبة لأصحاب العقلية التآمرية الذين يفترضون أن الارتباط يقتضي السببية.

 

وما عزز من هذا الاعتقاد هو تصريح السيناتور الجمهوري "توم كوتن" في السابع عشر من فبراير الماضي لشبكة فوكس نيوز الأمريكية والذي قال فيه: "لا يوجد لدينا أي دليل على أن هذا المرض نشأ هناك (معهد ووهان للفيروسات) ولكن بسبب ازدواجية الصين وعدم أمانتها من البداية فنحن نحتاج على الأقل إلى طرح هذا السؤال والنظر فيما توضحه الأدلة، ولكن الصين حتى الآن لا تقدم أي أدلة تجيب عن هذا السؤال".

 

الخفاش في قفص الاتهام

 

ظهور فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان تحديدًا له تفسيرات علمية بعيدًا عن الخرافات ونظريات المؤامرة المنتشرة وضحها الكثير من العلماء مرارًا وتكرارًا، ولكن المشكلة هي أن الأدلة العلمية لا تحظى ولو بعشر الرواج الذي تحظى نظريات المؤامرة التي تنتشر عادة في حالات الذعر وعدم اليقين كما هو حال العالم الآن مع الفيروس الجديد.

 

من يستمع لكلام العلماء يستطيع أن يدرك حقيقتين واضحتين، الأولى أن الفيروس الجديد لا يختلف كثيرًا عن الفيروسات المنتمية لعائلة كورونا والتي كان من بينها على سبيل المثال "سارس" الذي ظهر قبل 17 عامًا في الصين أيضًا، أي أنه ليس شيئًا جديدًا تمامًا تم تطويره في المختبرات كما يدعي البعض.

 

 

أما الحقيقة الثانية فهي أن العائل أو المضيف الوسيط لأغلب الفيروسات المنتمية لعائلة كورونا هي الخفافيش، وفي مدينة ووهان حيث ظهر الفيروس الجديد توجد أعداد كبيرة من الخفافيش التي تعيش داخل المدينة وحولها.

 

الفيروسات بشكل عام تحتاج إلى مضيف وسيط، والحيوانات عادة هي من يلعب ذلك الدور. على سبيل المثال انتقل فيروس "سارس" من الخفافيش ثم إلى قطط الزباد ومنها إلى البشر، بينما انتقل فيروس "هيندرا" الذي ظهر في أستراليا من الخفافيش إلى الخيول ثم إلى البشر، في حين انتقل فيروس "هينيبا" من الخفافيش إلى الخنازير قبل أن يصيب البشر.

 

هذا يعني أن تسبب الحيوانات وبالأخص الخفافيش في إصابة البشر بالفيروسات ليس أمرًا غريبًا، ولذلك فالسؤال الآن: لماذا يستبعد البعض احتمال أن يكون الخفافيش الموجودة بكثرة في ووهان هي السبب الرئيسي وراء انتشار كورونا الجديد كما هو حال كثير من الفيروسات التي انتشرت في العقود الأخيرة لصالح احتمال آخر لا تدعمه أي أدلة يشير إلى أن الفيروس مطور في المختبرات؟

 

خطورة انتشار نظريات المؤامرة

 

في فبراير الماضي نشر 27 عالمًا ينتمون لتسع دول ليس من بينها الصين بيانًا مشتركًا في دورية " ذا لانسيت" الطبية أعربوا فيه عن قلقهم إزاء الشائعات والخرافات المنتشرة حول أصل فيروس كورونا الجديد وأكدوا أن العلماء الذين درسوا الفيروس "استنتجوا بأغلبية ساحقة أن هذا الفيروس التاجي نشأ في الحياة البرية" بشكل طبيعي تمامًا كما هو حال العديد من الفيروسات التي أصابت البشر في العقود الأخيرة.

 

أخطر تداعيات رواج نظريات المؤامرة تتمثل في ضعف ثقة الناس مع مرور الوقت في الجهات والنصائح الطبية. فقد أظهرت دراسات حديثة أن الأشخاص الذين يصدقون نظريات المؤامرة الطبية هم الأقل إقبالًا على أخذ التطعيمات المضادة للمرض، وبدلًا من ذلك يحرصون على تناول الأعشاب والفيتامينات، كما أنهم يميلون للثقة في المشورة الطبية التي يحصلون عليها من غير المحترفين من العائلة والأصدقاء.

 

 

وفي نفس الإطار يشير الخبراء إلى أن الأشخاص الذين يؤيدون نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا الجديد عادة ما يكونون أقل حرصًا من غيرهم على اتباع النصائح الطبية التي تشمل على سبيل المثال غسل الأيدي بالصابون باستمرار ويتخذون مواقف سلبية ضد أساليب الوقاية بشكل عام، وهو ما من شأنه أن يزيد من احتمال انتشار الفيروس وبالتالي تعريض حياة المزيد من الناس للخطر.

 

أخيرًا، إن المشكلة هي أنه في أوقات الذعر وعدم اليقين لا يهتم العامة كثيرًا بالتفسيرات العلمية المحتملة للأمر ويميلون لتصديق نظريات المؤامرة الرائجة نظرًا لأنها تشعرهم بشيء من الراحة خصوصًا وأنها تجعلهم يعتقدون كما لو أنهم يفهمون (حقيقة) الوضع حتى لو كانوا في الوقع أجهل الناس به.

 

المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – فورين بوليسي – واشنطن بوست – ساينس – كوارتز – سلايت – بروسبكت – ذا لانسيت

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.