نبض أرقام
10:24 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

يوم فوق ويوم تحت .. كيف يمكن للمستثمرين التعامل مع تقلبات سوق الأسهم السعودي؟

2020/03/17 أرقام - خاص

بمجرد أن دقت عقارب الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل الأول من يناير الماضي انطلقت الألعاب النارية في السماء في جميع أنحاء العالم احتفالًا بقدوم العام الجديد. بدأت 2020 واستقبلها العالم فاتحًا ذراعيه، غير أن هذا المشهد سرعان ما تحول إلى مباراة للملاكمة، حصرت فيها 2020 العالم في زاوية الحلبة قبل أن تلاحقه بالضربات واحدة تلو الأخرى بعد أن اختفى الحكم في ظروف غامضة.

 

 

بدأ العام ثم تصاعدت مخاطر نشوب حرب عالمية بعد وقوع مناوشات بين الولايات المتحدة وإيران، وخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانهار اتفاق "أوبك" لخفض الإنتاج ليدخل سوق النفط في أزمة، ثم سرعان ما  جاءت الضربة الخطافية التي أفقدت العالم كله توازنه وهي أزمة فيروس "كورونا" الجديد الذي تحول إلى وباء عالمي. ويبدو والله أعلم أن (الأجمل) لم يأت بعد وأن 2020 لا يزال في جعبتها الكثير.

 

وعلى وقع هذه الأحداث اللطيفة، جلست أسواق الأسهم حول العالم على ما يشبه الأرجوحة لتبدأ في التحرك صعودًا ونزولًا، بينما تتأرجح معها في الهواء قلوب وعقول وأعصاب المستثمرين الذين يراقبون عن كثب تقلبات السوق والتغيرات التي تطرأ على قيمة ثرواتهم إلى أن أصابهم الدوار.

 

"تاسي" في مارس

 

منذ بداية مارس الجاري ازدادت حدة التقلبات في سوق الأسهم السعودي، حيث أنهى مؤشر تاسي جلسة الأحد الموافق الأول من ذلك الشهر على انخفاض، قبل أن يعود إلى المنطقة الخضراء في جلسة الإثنين. ثم عزز المؤشر مكاسبه في الجلسة التالية، لكنه سرعان ما تخلى عنها في الجلسات الأربع التالية التي آخرها جلسة الإثنين الدامي الموافق التاسع من مارس.

 

ثم جاءت جلسة الثلاثاء التي ارتد فيها السوق ارتدادًا عنيفًا إلى الأعلى، لينهي تداولات ذلك اليوم محققًا أكبر مكاسب يومية له منذ أغسطس 2015. ولكن الفرحة لم تدم طويلًا واستمرت الأرجوحة في التمايل يمينًا ويسارًا ليتراجع المؤشر في الجلسات الأربع التالية بنسب مختلفة، حاله حال غيره من أسواق الأسهم العالمية التي أصبحت رهينة لتطورات وباء كورونا.

 

 

وبينما يتراقص السوق بهذا الشكل، يقضي المستثمرون جل وقتهم في متابعة آخر التطورات المتعلقة بفيروس كورونا وأزمة النفط ونتائج الشركات وأسعار الفائدة وتصريحات "الرئيس الأمريكي وغير ذلك من العوامل المسؤولة عن التقلبات التي يشهدها السوق.

 

لكن على عكس ما يعتقده كثيرون، لن يستفيد المستثمر من المتابعة اللصيقة للأخبار بهذا الشكل، بل إن ذلك على الأغلب سيضره لأن من شأن ذلك السلوك أن يؤثر سلبًا على استقراره النفسي بشكل يدفعه إلى اتخاذ قرارات متسرعة غير مدروسة قد يندم عليها لاحقًا.

 

ما يحتاج إليه المستثمر الآن أكثر من أي شيء آخر هو أن يعرف كيف يتعامل مع تقلبات السوق، خصوصًا وأن التقلبات الحالية لا تشبه التقلبات الطبيعية التي نعرفها والتي هي جزء من اللعبة في سوق الأسهم.

 

فالسوق عادة ما يتأرجح على مدار الأرباع أو الأشهر أو حتى الأسابيع، ولكن ما نشهده الآن هو أن السوق حرفيًا يوم تحت ويوم فوق بنسب غير ضئيلة، وهذا وضع جديد ومن المرجح أن يستمر لبعض الوقت.

 

كيف تختلف خسارة عن خسارة؟

 

السبب الرئيسي وراء ازدياد حدة التقلبات في سوق الأسهم بهذا الشكل هي أزمة فيروس كورونا الجديد التي تفاقمت مع اتساع رقعة انتشار الفيروس في الأسابيع الأخيرة ليصل حتى الآن إلى أكثر من 100 دولة حول العالم.

 

وفي حين أنه لا يوجد لدى المستثمرين الأفراد ما يمكنهم فعله بخصوص الأزمة وتداعياتها لأن ذلك خارج نطاق سيطرتهم، إلا أنهم يستطيعون على الأقل التحكم في ردود فعلهم تجاه تقلبات السوق من خلال الرجوع خطوتين إلى الوراء والتركيز على الصورة الكبيرة بدلًا من الغرق في التفاصيل التي تبالغ كثير من وسائل الإعلام في تهويلها.

 

 

كل من وطأت قدماه سوق الأسهم يعلم أن السوق يتحرك دائمًا وفق واحدٍ من ثلاثة أنماط. فهو يرتفع في بعض الأحيان، وينخفض في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى لا يتزحزح تقريبًا ويتحرك حركة جانبية دون أي تغيير يذكر، وهذا بالمناسبة هو النمط الذي اشتهر به سوق الأسهم السعودي في العقد الأخير.

 

لا يحب المستثمرون عادة في التقلبات سوى الجزء المرتفع منها، ويفشل أكثرهم فشلًا ذريعًا في التعامل مع الموجة المنخفضة بسبب تركهم للخوف يسيطر عليهم سيطرة شبه تامة تشل قدرتهم على التفكير بعقلانية وتحفز من غريزة البقاء لديهم، وهو ما يدفع أكثرهم للقفز من السفينة في الوقت الخاطئ تمامًا، معتقدًا أنه نجى لتوه من سفينة غارقة، ولكنه سرعان ما يدرك سوء تقديره حين يراقب السفينة من بعيد بينما تمضي في طريقها بعد أن تجاوزت الموجة العاتية.

 

ولذلك من المفيد أن يتذكر المستثمر الحقيقة التالية: يوجد نوعان من الخسائر، هناك خسائر مؤقتة وهناك خسائر دائمة. الخسائر الدائمة هي تلك التي تعكس تدهور أساسيات الشركة بشكل يحول دون تعافيها.

 

 

أما الخسائر المؤقتة فهي التي تحدث نتيجة للتقلبات التي تشهدها الشركة أو السوق أو الاقتصاد بشكل عام إما بسبب رد فعل مبالغ فيه تجاه حدث ما وإما بسبب التقلبات الطبيعية للدورة الاقتصادية. ويكمن التحدي بالنسبة للمستثمر في التمييز بين الخسارة المؤقتة (التقلبات الطبيعية للسوق) وبين الخسارة الدائمة.

 

وعلى بساطته الظاهرة، يفشل أغلب المستثمرين وخصوصًا المبتدئين منهم في ذلك التحدي، فتجده إما يبيع مبكرًا جدًا أو متأخرًا جدًا. فعلى سبيل المثال، قد تجده يعاند نفسه ويستمر في الاحتفاظ بسهم شركة أساسياتها آخذة في التدهور ويظل متمسكًا به إلى أن يستقرا معًا في القاع.

 

بينما يهلع نفس المستثمر حين يتعرض السوق لهزة ويخرج منه مسرعًا حاملًا خُفيه تحت إبطيه معتقدًا أنه بذلك يضع حدًا لخسائره، ولكن قبل أن يصل للباب يرتد السوق في الاتجاه المعاكس مرتفعًا، فيعود أدراجه ليشتري ما باعه للتو، ولكن بما أن السوق يركب بالفعل الأرجوحة يعود لينخفض فيخرج صاحبنا من السوق مرة أخرى ولكنه يحلف هذه المرة بأغلظ الأيمان ألا يعود مرة أخرى.

 

الكل خبير إلى أن ...

 

في الموجات الصعودية الكل يربح والكل يرى نفسه خليفة "وارن بافيت"، ولكن حين تدور الدائرة يظهر المعدن الحقيقي ولا ينجو ولا يربح سوى ذلك المستثمر قوي القلب بارد الأعصاب صاحب رباطة الجأش الذي يستطيع تنحية عواطفه جانبًا أثناء اتخاذه لقراراته بعد أن ينظر إلى السوق وإلى حيازاته من الأسهم نظرة فنية بحتة بعيدًا عن عويل وصراخ الآخرين.

 

نعيش هذه الأيام وضع غير مسبوق وحالة ربما لم ولن يشهد العالم مثلها، تلاحقنا فيها تطورات غير هينة متعلقة بالأمن والصحة والاقتصاد على مدار الساعة، وهو ما تسبب بالفعل في توتر أعصاب الجميع ووضع ضغوطًا على الكل تجعلنا نشعر بأنه يجب علينا فعل شيءٍ ما. ولكن أسوأ شيء قد يفعله المستثمر هو أن يتخذ قراراته الاستثمارية تحت وطأة حرارة اللحظة.

 

 

أفضل ما يمكن فعله الآن هو أن يلتزم الكل بخططه ويبقى في مكانه، فالخروج من السوق أو تصفية المراكز الخاسرة حاليًا بسبب التقلبات التي نشهدها هذه الأيام تحديدًا سيجعل الخسارة الموجودة على الورق فقط خسارة حقيقية، وسيفوت على المستثمر فرصة ارتداد قيمة استثماراته خصوصًا وإن كانت أساسيات حيازاته من الأسهم لم تتغير بالشكل الذي يبرر ذلك التراجع.

 

على الجانب الآخر، لا يجدر بالبعض أن يتذاكى ويدخل ليشتري سهما متراجعا دون أن ينتبه لحالة أساسياته مفترضًا أنه سيرتد حتمًا للأعلى لأن هذا ليس هو الحال دائمًا. فبعض الأسهم تغوص ولا تصعد على السطح مرة أخرى، لأن أساسياتها ببساطة تغيرت للأسوأ. في أوقات مثل هذه سيكون هناك أسهم معروضة بأسعار لن تكرر، وأخرى تستحق الفرار منها، لذلك انتبه لموضع قدميك جيدًا!.

 

لمصلحتك .. ابتعد عن الشاشة

 

أغبى شيء قد يفعله المستثمر في أوقات التقلبات الشديدة هو أن يتصرف كالمضارب، وللأسف هذا يحدث كثيرًا. فمع ازدياد حدة التقلبات يشهد عدد الصفقات اليومية في السوق زيادة ملحوظة وفي نفس الوقت تقل مدة الاحتفاظ بالمراكز، وذلك بسبب فرط حساسية المشاركين للأخبار اليومية.

 

وهذا يقودنا إلى نقطة هامة جدًا وهي أنه من مصلحة المستثمر الآن أكثر من أي وقت مضى أن يتوقف عن المتابعة اللحظية لمحفظته، وأن يتابعها على مدار فترات متباعدة يحبذ ألا تقل عن أسبوع. توقف عن الجلوس محدقًا في شاشة الأسعار بالجوال أو بجهاز الكمبيوتر لأن هذا لن يزيدك إلا قلقًا وتوترًا ويجعلك تقضي ليلك مستيقظًا والأسوأ من ذلك هو أنه سيدفعك لفعل شيء ما، وهذا بالضبط ما عليك تجنبه.

 

 

أما أخطر ما يواجه السوق في فترات التقلبات الشديدة كالتي نعيشها حاليًا هو سلوك القطيع. ببساطة يحدد كثير من المستثمرين قراراتهم بناءً على الاتجاه العام السائد في السوق بغض النظر عن حالة الأساسيات، وذلك بعد أن يضربوا بخططهم (إن كان لديهم واحدة) عرض الحائط.

 

وفي هذه الأثناء يصبح المشاركون في السوق كركاب سفينة هز موج البحر مركز ثقلها، فسارعوا إلى الجري معًا نحو جانبها الأيمن الذي اقتربت حوافه من ملامسة المياه، قبل أن يجروا بنفس السرعة معًا أيضًا إلى الجانب الأيسر الذي تقترب حوافه هو الآخر من ملامسة المياه بينما يرتفع الجانب الأيمن في الهواء. هذا السلوك غالبًا ما ينتهي بكارثة، ويعرض الركاب والسفينة للخطر. لو كان بينهم عاقل لقال لهم "فليبق كل في مكانه".

 

المصادر: أرقام – فوربس – فورتشن – وول ستريت جورنال – نيويورك تايمز – ياهو فينانس – بلومبرج

دراسة: Overconfidence behavior and dynamic market volatility: evidence from international data

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.