في غضون عامين ونصف فقط من تأسيسها أصبحت الشركة الناشئة "لوكين كوفي" أكبر سلسلة قهوة في الصين متجاوزة منافستها الأمريكية "ستاربكس" التي احتاجت لأكثر من عقدين لتثبيت أقدامها في السوق الصيني الذي دخلته لأول مرة في عام 1999.
بحلول نهاية العام الماضي كان لدى "لوكين" حوالي 4500 متجر في جميع أنحاء الصين ارتفاعًا من 9 متاجر فقط في 2017، متفوقة على "ستاربكس" التي بلغ عدد متاجرها في الدولة الآسيوية 4200 متجر. هذا الاختراق الهائل والسريع للسوق ساهم في بناء سمعة الشركة باعتبارها واحدة من أكثر قصص النجاح الصينية إلهامًا للمستثمرين ورواد الأعمال حول العالم.
تهم تم إنكارها
تغير كل شيء فجأة في الأيام القليلة الماضية، بعد أن تم الكشف عن تورط عدد من كبار التنفيذيين بالشركة في فضيحة محاسبية تم التلاعب خلالها بنتائج الشركة على نحو ضلل المساهمين والمستثمرين المحتملين، وهي الأخبار التي فقدت إثرها الشركة حوالي 80% من قيمتها في لمح البصر.
بدأت القصة في 31 يناير الماضي حين نشرت شركة الاستثمار الأمريكية "مودي ووترز" تغريدة على حسابها على موقع تويتر قالت فيها إنها قامت ببيع سهم شركة "لوكين كوفي" على المكشوف مراهنة على انخفاضه، موضحة أنها قامت بتلك الخطوة بعد أن وضعت يدها على تقرير مجهول المصدر ولكن "موثوق فيه" يكشف عن مشكلات محاسبية ضخمة بالسلسلة الصينية.
على الفور نفت "لوكين كوفي" من جانبها تلك المزاعم بعد أن وصفتها بالكاذبة والمضللة. وبعد فترة خرج أكبر بنك استثماري في الصين (CICC) -والذي يعد أحد المستثمرين الرئيسيين بالشركة- مدافعًا عن "لوكين كوفي" في تقرير بحثي قال فيه إن المزاعم التي اشتمل عليها التقرير المجهول لا أساس لها من الصحة.
على الجهة الأخرى، قال "كارلوس بلوك" مؤسس وكبير مسؤولي الاستثمار في الشركة التي حصلت على التقرير بشكل ما إن محللي "مودي ووترز" بمجرد أن قرأوا التقرير شعروا بأنه جدير بالثقة لأنه احتوى على معلومات مفصلة بدت وكأنها لا يمكن أن تأتي إلا من داخل "لوكين كوفي"، وعلى هذا الأساس قرروا بيع السهم على المكشوف.
الاعتراف بالتلاعب
في ملفات تم تقديمها في الثاني من الشهر الجاري إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة كشفت "لوكين كوفي" باعتبارها شركة مدرجة بالبورصة الأمريكية عن أن تحقيقًا داخليًا خلص إلى أن الرئيس التنفيذي للعمليات بالشركة بالتعاون مع عدد من كبار الموظفين قام في عام 2019 بفبركة وتزوير مبيعات بقيمة تصل إلى 2.2 مليار يوان (310 ملايين دولار).
كانت الشركة قد أعلنت في السابق أنها تمكنت من تحقيق صافي إيرادات قدره 2.93 مليار يوان عن أنشطتها في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، وذلك ارتفاعًا من 375 مليون يوان فقط خلال الفترة نفسها من عام 2018. الآن تقول "لوكين كوفي" إنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على هذه الأرقام، كما أوضحت أنها ستتحقق أيضًا من مدى دقة الإفصاحات المالية السابقة.
وأوضحت الشركة أنها أوقفت الموظفين المتهمين عن العمل وشرعت في توسيع نطاق التحقيق وشكلت لجنة خاصة للنظر في الأمر. وفي نهاية تداولات نفس اليوم انهار سهم الشركة الصينية بنسبة 81% لتفقد الشركة أكثر من 5 مليارات دولار من قيمتها السوقية بعد أن سيطرت حالة من الفزع على المستثمرين.
في مايو الماضي، تمكنت "لوكين كوفي" من جمع 645 مليون دولار في طرحها العام الأولي بالسوق الأمريكي والذي قدر الشركة في ذلك الوقت بنحو 4 مليارات دولار. وتمت إدارة هذا الطرح من قبل مؤسسات مالية وازنة في السوق مثل "كريدي سويس" و"مورجان ستانلي" وبنك الاستثمار الصيني (CICC) وبنوك استثمارية أخرى.
وفي يناير من العام الجاري جمعت الشركة 865 مليون دولار أخرى من المستثمرين. ولكن للأسف، تبخر الجزء الأكبر من أموال مساهمي الشركة في الأيام الأخيرة، وهو ما يعرضها لخطر مقاضاتها من قبل الغاضبين منهم ومطالبتها بتعويضات تفوق قيمة أصولها. وقام بالفعل بعض المساهمين الأسبوع الماضي برفع دعوى قضائية جماعية ضد الشركة أمام إحدى محاكم نيويورك.
كيف زادت الفضيحة من شعبية الشركة في الصين؟
ربما أكثر ما يثير الاهتمام حول هذه الفضيحة هو رد فعل المستهلكين الصينيين تجاهها، والذي جاء غريبًا ومخالفًا للتوقعات. على عكس ما حدث في سوق الأسهم، زادت هذه الفضيحة من شعبية "لوكين كوفي" بين الصينيين والذين ينظرون إليها باعتبارها بطلهم الشعبي الذي استطاع منافسة الأمريكية "ستاربكس" صاحبة أكبر سلاسل القهوة في العالم.
في استطلاع للرأي على الإنترنت أطلقه موقع "سينا تيك" الصيني أشار أكثر من نصف المستطلعة أراؤهم والبالغ عددهم 80 ألفًا إلى قبولهم لاعتذار "لوكين كوفي" عن الفضيحة المحاسبية الأخيرة، وأنها لا تزال بالنسبة لهم فخرًا وطنيًا طالما حرصت على تصحيح أخطائها.
وفي الأيام القليلة الماضية شهد الطلب على تطبيق "لوكين كوفي" ارتفاعًا مذهلًا، حيث قفز عدد مرات تحميله من حوالي 45 ألف مرة يوميًا إلى 325 ألف مرة يوميًا، وأصبح التطبيق الذي كان يحتل حتى وقت قريب مرتبة متأخرة في قائمة التطبيقات المائة الأكثر شعبية في الصين على متجر آبل "آب ستور" ثاني أكثر التطبيقات شعبية في البلاد.
هناك أكثر من تفسير محتمل لهذه الظاهرة، من بينها على سبيل المثال ميل الصينيين للوقوف بجانب شركة وطنية تتعرض لأزمة وجودية كبيرة تظهر تداعياتها الآن في السوق الأمريكي المدرجة به. أما التفسير المحتمل الآخر، فهو رغبة الكثيرين في الاستفادة قبل فوات الآوان من العرض الشهير للشركة والذي يقضي بحصول مستخدمي التطبيق على أول مشروب بشكل مجاني.
هذا الرأي عبر عنه بصراحة أحد سكان العاصمة بكين في تصريح لـ"رويترز" قال فيه: "أنا لست من محبي القهوة، ولكن سأحزن لو فقدت فرصة الحصول على مشروب مجاني. ففي النهاية أنت لا تعرف إلى متى ستبقى لوكين في السوق".
المصادر: أرقام – فاست كومباني – نيويورك تايمز – رويترز – ماركت ووتش – وول ستريت جورنال
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}