في ظل الخسائر الكبيرة الناجمة عن تراجع أسعار النفط وتفاقم المخاوف بشأن مستقبل النمو الاقتصادي في العالم بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد والتي ألحقت خسائر بمئات مليارات الدولارات بالشركات المتأثرة في العالم، سجلت أسواق المال في أنحاء العالم هبوطا حاداً بمستويات تعد هي الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وامتد التأثير ليلقي بظلاله على أسواق دول المجلس ومن ضمنها سوق مسقط للأوراق المالية ليتراجع مؤشر السوق دون 4000 نقطة في غضون شهرين منخفضا بنسبة تجاوزت 14% في فترة وجيزة، وفي استطلاع أجرته “عمان” أكد عدد من الخبراء في سوق مسقط انه رغم أن انخفاض السوق خلال أزمة كورونا يظل هو الأقل بين التراجعات التي شهدتها مؤشرات أسواق دول المجلس إلا أن هناك حاجة إلى محفزات قوية تساهم في عودة التداولات إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا، وتحقق نقلة جيدة في السوق الذي يعد ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي وواحد من أهم مصادر التمويل للشركات، ومن أهم المحفزات زيادة الدور الذي تلعبه الصناديق الاستثمارية وإنشاء صندوق “صانع السوق” وتشجيع جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية للسوق.
وقال أيمن بن أحمد الشنفري – المدير العام للجمعية العمانية للأوراق المالية إن الأوضاع الاقتصادية ما زالت غير مستقرة بشكل كاف والظروف غير إيجابية في الفترة الحالية تحت وطأة كورونا وتأثيرات انخفاض أسعار النفط العالمية، وكوننا في السوق جزءا من المنظومة الاقتصادية العالمية فيجب علينا أن نتعامل مع كل الظروف بكافة أوضاعها وأن نتطلع وننظر إلى الإمكانيات المتاحة لدينا واستغلال أكبر قدر من الفرص الممكنة وإعادة هيكلة مجريات الأحداث والأمور واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من أية تأثيرات سلبية والعمل على تكاتف الجهود لمواجهة التحديات للمضي قدما لتجاوز أية صعوبات وتحقيق مكاسب إيجابية.
وأكد على أنه في الوقت الحالي على الشركات العاملة في مجال الأوراق المالية الالتزام بالتدابير المتخذة لاحتواء تداعيات الوباء والتركيز على الخطوات والتدابير التي قامت بها الجهات المنظمة للسوق المالية كالهيئة العامة لسوق المال وسوق مسقط للأوراق المالية وشركة مسقط للمقاصة والإيداع استنادا إلى قرارات اللجنة العليا التي تتولى بحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار الفيروس، ومن ضمن التدابير التي تمت في ظل الجائحة هناك عامل إيجابي في قطاع سوق المال وهو الاستفادة من التقنية والتكنولوجيا المعرفية والفنية حيث تمكنت الجهات المنظمة لقطاع سوق المال والشركات العاملة فيه من العمل بكل سلاسة وسهولة عن بعد وتشغيل كل الأنظمة المتعلقة بالتداولات من أماكن خارج مقر العمل الفعلية تلبية لمتطلبات المرحلة الحالية للجائحة الصحية، وهذا يبين متانة وقوة الشركات ووضع السوق وجاهزيتها من الجانب الفني والتقني لمواجهة تحديات مثل هذا النوع من الحالات الطارئة، وفي غضون ذلك تعرفنا على توفر إمكانيات وكفاءات بشرية وفنية موجودة بشركات الوساطة المالية العاملة في قطاع سوق المال ، ونحتاج الآن للعمل على تجاوز الصعوبات والتحديات في الجوانب الأخرى التي تواجه الشركات والأفراد العاملين فيها سواء مواطنين أو وافدين واتخاذ ما يلزم من حلول، حيث إن هذه الظروف المرتبطة بكورونا قد تمتد لفترة لا نعلم نهايتها وقد تتسبب في فقدان الكفاءات الوطنية والموارد البشرية المتخصصة التي تم تطويرها وصقلها بمهارات متخصصة وخبرة علمية وعملية لفترة طويلة جدا، لذا يجب على الجهات الإشرافية والرقابية بقطاع سوق المال الالتفات إلى هذا الجانب بشكل كبير وإعطاؤه قدرا كبيرا من الأهمية واتخاذ ما يلزم لحماية الكوادر العمانية والشركات العاملة في مجال الأوراق المالية والشركات المدرجة بسوق مسقط للأوراق المالية والعمل نحو اتخاذ قرارات قوية تساهم في الإصلاح الاقتصادي وإعادة الأمور إلى افضل مما كانت عليه سابقاً، ووضع قطاع سوق المال في مسار يجعله كأحد الركائز الاقتصادية الأساسية المهمة للسلطنة ويجعله مصدرا للرفد والتمويل المالي لمشروعات واقتصاديات السلطنة.
وحول رؤيته لدعم قطاع سوق الأوراق المالية أوضح ايمن الشنفري أن الدعم يمكن أن يتم من عدة جهات ومن جوانب مختلفة لتجتمع كلها وتتسق بما يساهم في تحقيق مكاسب اقتصادية على مستوى السلطنة ويستفيد منها كل من الحكومة والشركات والمواطنين والمتعاملين في مثل هذا القطاع الحيوي الذي من المفترض أن يكون مرآةً تعكس قوة الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى بعض المقترحات والتوصيات التي يقدمها الخبراء والمعنيون في قطاع سوق المال في مقدمتها ضرورة قيام صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد جميعها بخطوات إيجابية تجاه السوق من خلال ضخ الأموال في السوق والإعلان عن ذلك من أجل تنشيط السيولة وتشجيع الحركة في السوق مع مراعاة مخاطر الاستثمار، وفيما يتعلق بصندوق النمو فإنه يتوجب على الجهات المسؤولة عن هذا الصندوق تقييم أصوله وأدائه ونتائجه، وإعادة هيكلة نظامه من جديد ليكون داعما لأداء السوق وحركة التداولات فيه، وأن تتضمن هيكلته الجديدة بيان الآليات والأسس التي سوف يتم الاعتماد عليها فيه لدعم حركة التداولات بالسوق مع عدم إغفال هدفه الاستثماري كصندوق يستهدف الحفاظ على أصوله ، وخلال السنوات السابقة قام الصندوق بدور مهم في دعم حركة التداولات لكن هذا الدور تراجع في الفترة الأخيرة، ويمكن لإدارة هذا الصندوق التواصل مع الشركات العاملة في مجال الأوراق المالية للتباحث حول الآليات المناسبة التي يمكن للصندوق اتخاذها ليكون داعما للسوق مع الحفاظ على دوره الاستثماري، ويمكن أيضا طرح إصدارات جديدة من خلال الإعلان عن خطة للخصخصة لنسبة تحددها الدولة في الشركات الحكومية الكبيرة وخاصة في قطاعات الكهرباء والنفط والغاز والسياحة والصناعة، حيث أعلنت الحكومة خلال السنين الماضية عن أسماء عدد من الشركات التي سيتم تخصيص نسب منها ولكنها لم تر النور حتى الآن، وهذه التوصية وفي الوقت الحالي تتوافق مع توجهات المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه- في إعادة هيكلة الشركات والمؤسسات الحكومية لتحسين الأداء الاقتصادي للسلطنة، وستخلق هذه الإصدارات سيولة ضخمة ستدعم قطاع سوق المال وسوف تستفيد منها الدولة والمواطنون، وهناك شريحة أخرى مهمة مرتبطة بالإصدارات الجديدة وهي الشركات العائلية الكبرى وخصوصا التي استفادت من تنمية البلاد خلال طيلة فترة العهد الزاهر حيث انه في ظل المتغيرات والمستجدات الاقتصادية الدولية وما يقتضيه تيار العولمة من فتح الأسواق وتحرير التجارة من قيود الحماية، بالإضافة إلى انضمام الدول إلى منظمة التجارة العالمية، فانه من الطبيعي أن تتعرض الشركات العائلية لمخاطر جدّية تهدد كيانها واستمراريتها عاجلا أم عاجلا، ولذلك أصبح من الضروري العمل على تطوير الشركات العائلية من خلال تحولها إلى أشكال أخرى كشركات مساهمة عامة ، مما يرفع من قدرتها على مواجهة التحديات الأساسية التي تنجم عن هذه المتغيرات، وبكل تأكيد أن تحول الشركات الحكومية والشركات الخاصة الكبرى إلى شركات مساهمة عامة سوف يستفيد منه كل من الدولة ومالكو حصص الشركات والمستثمرون سواء المواطنين أو المقيمين في البلاد.
وأشار إلى أن المقترحات تتضمن أيضا النظر في إنشاء صانع سوق يساهم في توفير السيولة بالسوق وتحقيق التوازن والاستفادة من الفرص في السوق صعودا أو هبوطا مما يحقق استقرارا وثقة لدى المستثمرين والمتعاملين في السوق ، ولابد من دراسة جدية من قبل الحكومة في هذا الشأن فمثل هذه الصناديق في العديد من بلدان ودول العالم، ومن الضروري أن تقوم الجهات المعنية المنظمة للسوق بتدارس إمكانية السماح للشركات المساهمة العامة المدرجة بالسوق بشراء نسبة 10% من أسهمها لحين بيعها في وقت آخر محدد وفق الضوابط والقواعد والشروط التي تفرضها الجهات الرقابية وهذا بدوره سوف يكسب المستثمرين الثقة في السوق والإقبال عليه خصوصا إذا ما وثقت الشركات في أسهمها من خلال شراء أصولها، وللتكيف مع التطورات في الأسواق المالية نحتاج إلى منصات اقتصادية وإلكترونية كبيرة ومعتمدة ومتخصصة يكون مهامها نشر وتحليل مزايا ومخاطر وأرباح وخسائر الشركات المدرجة بالسوق فنيا وأساسيا، فما السوق إلا هو طلب وعرض يكون بناء على هذه المعطيات وهذه التحليلات المستمرة وهو العامل المهم لحركة تذبذبات السوق اليومية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}