أكدّ رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون ان الفريق الحكومي لإدارة الازمة يُحسب له قراران جوهريان حكيمان، الأول، وإن كان مترددا، هو إعطاء دعم لفريق صحي يقوم بعمل طيب، وحتى الآن مستمر بالتضحية، ما اعطى شعوراً لدى الناس ان هناك متخصصين يديرون شؤون الجانب الصحي في الازمة.
وقال السعدون في تسجيل صوتي «يحسب للحكومة أنها منذ البداية قامت بتشكيل لجنة عليا لتحفيز الاقتصاد، ودورها من المفترض ان يكون لإطفاء حريق محتمل، ان لم يعالج قد يمتد لإصابة البلد بضرر كبير».
وأضاف: بخلاف القرارين سالفي الذكر فإن الازمة بالكويت تدار بطريقة «طمام المرحوم»، والمؤشر الأول على ذلك -وأنا لا ألوم الفريق الصحي- هو ان الكويت من أكثر دول العالم إصابة في «كورونا» بالنسبة لعدد السكان، ودليل ذلك نسبة الوفيات إلى المصابين كبيرة، بالمقارنة مع دول أقل منا في عدد السكان والإمكانيات الصحية.
أشار جاسم السعدون إلى أن هذا الامر يعود إلى عدة مؤشرات هي كما يلي:
المؤشر الأول: سوء الإدارة القديمة بترك ملف تجارة الإقامات دون محاسبة أو معالجة لا لتجار الاقامات ولا المسؤولين الحكوميين الذين سهلوا لهم هذه العملية التي تعتبر تجارة في البشر، والتي نتج عنها تكدُّس عمالة في مساكن تشبه علب السردين، ما سهل تفشي المرض، وأرهق المرفق الصحي.
الثاني: يتمثل بالاستثناءات، فعندما قامت الحكومة بفرض الحظر الكلي قبيل عطلة عيد الفطر استثنت أصحاب الحلال، والشاليهات، والمزارع، وهو قرار غير منطقي في ظل تفشي الوباء.
الثالث: السجال العلني ما بين وزير المالية ووزير النفط، حول من يستحق أموال المليارات الـ 7، أرباح مؤسسة البترول الكويتية المرحلة، ويفترض ألا يصدر عن لاعبين رئيسيين في الأزمة، ما أوحى للناس بأن الحكومة «متشظية»؛ لدرجة ان كل وزير فيها او جهة تابعة تتصرف وفق ما تريد، وهو ما يوحي بوجود خلل في إدارة الازمة.
الرابع: قيام الحكومة بالإعلان عن مستحقي المكافآت في الصفوف الأولى، ما أربك المشهد، وتسبّب في نزع القيمة الأساسية في هذا الامر هو صناعة «قيم» وان البلد أهم من الأموال، ويفترض ان المشاركين في الصفوف الأمامية يضحون من اجل البلد. وقد لا نلوم على ذلك بشدة، على اعتبار ان أغلب المسؤولين في الكويت أتوا إلى مناصبهم، اما «بالجينات وإما البراشوت» ولا يعرفون معنى تضحية، لا يريدون لأحد ان يتفوق عليهم.. وللأسف بفعلتهم هذه سلبوا هذه القيمة.
موت سريري
وأشار السعدون إلى ان تصريحات سمو رئيس مجلس الوزراء صباح الخالد الأخيرة تؤكد مصداقيته، وهو امر لا نشك فيه، لكن توحي بأن عمق الازمة غير معروف لديه، خصوصاً عندما قال «اقتصادنا مو زين»، وصحيح ان الاقتصاد سيّئ، وهو في حالة موت سريري منذ زمن؛ اذ كنا نساهم في %12 في اقتصاد دول مجلس التعاون في عام 2008، واصبحنا في عام 2018 بأكثر قليلا من %8، بمعنى اننا فقدنا ثلث مساهمتنا مع دول، لا تختلف عنا في أشياء كثيرة.
هذا فضلاً عن سوء التعليم والخدمات، وكلفة المشاريع الباهظة، وادائها المتواضع، وانتشار وباء الفساد، وكلها حصيلة الأداء الاقتصادي القديم. ولفت إلى أن الحديث بأن وضعنا المالي ممتاز غير صحيح؛ فالوضع سيّئ جدا، والاعتداد بما ذكرته وكالات التصنيف الائتماني غير جائز، لأن الوكالات لا تكتب لنا، ولا تصنفنا الا وفق تعاملاتنا. وأوضح ان المدى الزمنى للتصنيف الائتماني هو لسنتين او ثلاث مستقبلاً على ابعد تقدير؛ بمعنى من يتعامل معنا تجاريا او ماليا عن طريق الاقتراض سيحصل على أمواله، لان لدينا مدخرات وأموالاً تكفي للسنتين المقبلتين فقط.
واستطرد: عندما يكون سعر التعادل في الموازنة ضعف سعر برميل النفط حاليا، إذاً القضية ستصبح مجرد وقت لاستهلاك المدخرات، وبالتالي الخلل الهيكلي في المالية العامة اخطر من الخلل الإنتاجي وأي شيء آخر.
3 اقتراحات
اقترح السعدون ان تبدأ الحكومة بالعمل على ثلاثة محاور رئيسة خلال الأشهر الخمسة المقبلة، وهي:
- المحور الأول: تشكيل فريق مشترك ما بين الفريقين الصحي والمالي، للمواءمة ما بين المخاطر الصحية والمالية والاقتصادية، وبالتالي تكون المواءمة بالانتقال ما بين الظروف الصحية والمعيشة في وضع افضل.
بات من الضروري ان يبتعد رئيس الحكومة عن التصريح حول تعديل التركيبة السكانية، وهي من المستحيلات، بالإضافة إلى التحدث عن ملفات الفساد؛ فالتحدث عن هذه الملفات على المدى القصير يسيء له.
- المحور الثاني: إصلاح البيئة، وهو امر يبقى سراباً، طالما استمر قانون الانتخاب الحالي، والذي يفترض ان يعدل ليفرز بديلا عن نواب الخدمات الذين اصبح أغلبهم ضعيفي الذمم، والعمل على نظام انتخابي يأتي بالنخب التي تعين الحكومة في اتخاذ قراراتها الإصلاحية المقبلة غير الشعبية.
وسيحسب لسمو الرئيس انه قاتل من اجل تعديل قانون الانتخاب، بدلا من «الصوت الواحد» الذي صدرته لنا احدى الدول العربية، وهو أساسا مفروض عليها من الخارج، ثم عادت عنه وتركته للمساوئ الكبيرة نتيجة تطبيقه فيها.
- المحور الثالث: تشكيل فريق لتحليل مساوئ إدارة «المحاصصة» وكيف اوصلتنا بان نكون أعداء انفسنا، ووصلنا إلى هذا الحال، «الأكثر فساداً، الأسوأ تعليماً، أسوأ مشاريع، وأكثر كلفة.. فقط ليكتب دراسة عن مخاطر المحاصصة التي صنعناها بأنفسنا، والتي هي عبارة عن هدايا لشراء الولاء، فهذا وكيل وزارة، وهذا وكيل مساعد حتى رؤساء الأقسام؛ فالمحاصصة «خربت» الإدارة العامة في كل البلد.. ولنا في العراق ولبنان عبرة.
واختتم السعدون تصريحاته، قائلا: النفط وحده لن يعيننا على تغطية مشكلاتنا الضخمة، ويفترض ان يكون هناك تغيير جوهري جراحي في الإدارة.. والإصلاح سيحتاج وقتاً، لكن يجب ان نصلح الرأس أولا والذي يكمن في «مجلس الوزراء ومجلس الامة» ولا يزال هناك أمل.
خطط التحفيز ليست هدية.. ولا تعويض عن خسائر
قال السعدون إن محافظ بنك الكويت المركزي ورئيس فريق تحفيز الاقتصاد د.محمد الهاشل لديه رؤية واضحة ومحددة؛ اذ جرى تحديد المستهدفين بالتحفيز، وقيمة معروفة لحجم المساعدات التي ستتم، وتوقيت محدد لبدايتها ونهايتها.
وأفاد بأنه يجب على الجميع ان يعرف ان خطط التحفيز ليست «هدية» ولا تعويضاً عن خسائر ولا لربح فات، وهي فقط لحماية المالية العامة، لانه لو تداعت كل الأمور وانتقلت إلى القطاع المصرفي فستكون هناك كارثة؛ لذلك اقترح محافظ البنك المركزي ما يحصن المالية العامة، بشروط قاسية وبجدول زمني محدد، وهكذا تعالج الأمور، وليس بالعموميات.. وعلينا الانتباه إلى أن الحكومة تضمن ودائع القطاع المصرفي منذ عام 2008، وهي اكثر من 35 مليار دينار، وعليه فإن خطط التحفيز التي يرأسها المحافظ هي لحماية النظام المالي من هكذا أمور.
الكويت باتت مُصَدِرَةً للفساد!
تساءل السعدون: كيف «لن يفلت احد من الحساب والأمور «فالتة» منذ زمن؟.. أين المتهمون في ملفات سرقة الناقلات والتأمينات والتحويلات والايداعات؟ بل اصبحنا متهمين في تصدير الفساد من الصين إلى أميركا، مرورا بماليزيا، ولم نستثن حتى جزر القمر مقر غسل الأموال.. أصبحنا نصدّر فساداً بدلاً من تصدير خبرات نفطية ومصرفية».
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}